أصل عيد الحب

أصل عيد الحب وهل هو عيد ديني مسيحي أو عيد وثني؟

أيّا كان أصل عيد الحب، فلا أحد ينكر بأنّه يوم يحتفل به الكثيرون في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الدول العربية المسلمة. وفي الحقيقة، يمكننا أن ننظر إلى هذا العيد كما نفعل مع احتفالات رأس السنة، فالمسيطر يفرض وجوده، ويدخل ضمن تلك السيطرة الأعياد أيضا. فلأنّ الغرب مسيطر على العالم، فأعيادهم وتقاليدهم تسيطر هي الأخرى. ولهذا دائما ما نقف متفرّجين لا ندري هل ننظر إلى هذه الأعياد على أنّها يوم فرح وسرور مع العائلة والأحبّاء، أو نرفضها لأنّها ليست من ديننا.

سأحكي في هذا المقال أصل عيد الحب الحقيقي، وكيف انتقل، مثله مثل احتفالات عيد الميلاد، من الوثنية إلى المسيحية بعد أن تمّ إسباغ بعض القداسة عليه.

قد ترغب بقراءة: الاحتفال برأس السنة الميلادية جدل كلّ عام، فكيف يجب أن نشعر حيال ذلك؟

أصل عيد الحب هو احتفال وثني في روما القديمة

بدأ الأمر في روما القديمة الوثنية، وذلك من خلال احتفال يسمّى لوبركاليا، كان يقام بين الثالث عشر والخامس عشر من فبراير من كلّ عام. حيث كان هذا الاحتفال محاولة لطرد الشرّ وزيادة نسبة الخصوبة. وما كان يحدث هو أن يقوم الرجال بالتضحية بماعز وكلب، ثمّ يقوم الرجال بضرب النّساء ضربا خفيفا بجلود الحيوانات الّتي قاموا بالتضحية بها. إذ كانوا يعتقدون بأنّ ذلك الفعل يزيد من الخصوبة.

وقد كان هذا الاحتفال يتزامن مع تقاليد غريبة. حيث ينزع الرجال ملابسهم ويشربون، ثمّ يقوم كلّ رجل باختيار اسم امرأة من خلال جرّة فيها أسماء النّساء. وبهذا يصبحان ثنائيا خلال فترة الاحتفال. وقد يتحوّل ذلك لزواج بعد الاحتفال إن رغبا بذلك.

وكما يتّضح من هذا الوصف، يبدو هذا الاحتفال مقزّزا بما يكفي ليتمّ نسيانه ودفنه، لا أن يتمّ إحياؤه وإسباغ القداسة عليه. لكن ربّما يكون السّؤال المطروح هنا: أين هو فالنتين من هذه القصّة؟ إذ نعرف بأنّ عيد الحب يسمّى عيد القدّيس فالنتين. وسأجيب على هذا السؤال في الفقرة التالية.

ما علاقة أصل عيد الحب الوثني بالقدّيس فالنتين؟

في الحقيقة، هناك ثلاثة أشخاص يسمّون فالنتين، وكلّهم يُعتبرون شهداء في المسيحية، لأنّهم دافعوا عن المسيحيين حينما كانوا أقلّية في روما الوثنية. والأشخاص الثلاثة هم: كاهن في روما، وأسقف في تيرني، وقدّيس في مقاطعة إفريقيا الرومانية.

أمّا عن القصّة المشهورة عن فالنتين، فقد تعلّقت بقرار من الإمبراطور كلوديوس الثاني بحظر الزواج بين الجنود. فقد رأى كلوديوس بأنّه لن يحصل على جيش قويّ إذا ما كان الجنود متزوّجين ومتعلّقين بعائلاتهم. ولهذا قام بحظر الزواج عن صغار السنّ ليضمّهم للجيش ولكيلا تكون لهم أيّ مشاغل أخرى. لكنّ فالتنين، الّذي كان مسيحيا، رفض هذا القرار ورآه قرارا غير عادل. ولهذا خالفه وعمد إلى تزويج الجنود بمن يرغبون خفية.

حينما تمّ اكتشاف فعلة فالنتين، تمّ سجنه ثمّ إعدامه. ويُقال بأنّه أعدم في الرابع عشر من فبراير، في سنة 270 ميلادي. وتحكي حكايات أخرى بأنّ فالنتين قد أحبّ ابنة السجّان الّتي كانت تزوره، أو صادقها، وقد بعث لها رسالة تعبّر عن حبّه قبل إعدامه.

استمرّ احتفال لوكرباليا بعد أن تحوّلت روما إلى المسيحية، لكنّه لم يكن قانونيا ولم يكن احتفالا دينيا في نظر الكنيسة. واستغرق الأمر إلى نهاية القرن الخامس، حينما قام البابا جيلاسيوس الأول بتقرير الرابع عشر من فبراير على أنّه يوم القديس فالنتين، وهذا للتخلّص من الأصول الوثنية للاحتفال ومنحه صبغة دينية.

ثمّ تطوّر الأمور لاحقا ليصبح يوما مخصّصا للتعبير عن الحب، حيث لم تظهر قصيدة تذكر عيد فالنتين بشكل واضح إلّا في القرن الخامس عشر.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: ما الّذي يحرّك الغرب نحو الشّرق الأوسط… الدّين أم النّفط؟

الخلاصة

كان هذا مقالا صغير للتعريف بأصل عيد الحب. ولهذا قلت في بداية المقال، هو احتفال آخر وثني لم يستطع الشعب أن يتخلّى عنه بعد اعتناقهم للمسيحية. فقاموا بإسباغ شيء من القداسة عليه ليكون احتفالا مسموحا به لا يخالف المسيحية. وبهذا انتشر ذلك الاحتفال لاحقا في مختلف أنحاء العالم. خاصّة وأنّه في شهر مميّز هو نهاية فصل الشتاء وبداية موسم التزاوج، ما جعله شهرا مناسبا للتعبير عن الحب حسب قول بعض المؤرّخين.

وقد انتشر هذا الاحتفال بأشكال كثيرة، فلم يعد خاصّا بالحبّ بين المتحابّين فقط، بل تعدّاه إلى حبّ الأصدقاء وحبّ الأهل وما إلى ذلك. وسنظلّ نحن نقف موقف المحتار الّذي يرغب بأن يقول بأنّ الاحتفال ليس إلّا مجرّد تعبير عن الحبّ، وبأنّه لا يؤمن بخرافات الماضي، وبين رجال دين يخبروننا بأنّه احتفال محرّم في الإسلام.

وشخصيا ليس لديّ أيّ رأي عن هذا الاحتفال، ولا يهمّني كثيرا. لكنّني أذكر كيف كنّا في الثانوية نوزّع الحلوى على بعضنا البعض في هذا اليوم. ونكتب رسائل تحفيزية لبعضنا البعض، كمحاولة منّا لمنح الحبّ معنى أوسع من مجرّد الحبّ بين الرجل والمرأة.

الأمر الّذي يثير ضحكي هو كيف لم يستطع المسيحيون إيجاد أيّ أعياد قادمة من دينهم بالفعل. ولماذا واصلوا التمسّك بالأعياد الوثنية الّتي كانت قبل اعتناقهم للمسيحية رغم أنّها كانت أعيادا منحرفة؟ سيظلّ هذا سؤالا يحتاج للإجابة في مقالات قادمة.

المصادر

https://www.history.com/this-day-in-history/st-valentine-beheaded

https://www.npr.org/2011/02/14/133693152/the-dark-origins-of-valentines-day

https://www.history.com/topics/valentines-day/history-of-valentines-day-2



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا