الانتخابات الرئاسية الأمريكية

الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. دليل حيّ على أهمّية الابتعاد عن تقديس الأشخاص

ما رأيناه من ترامب من مهازل مؤخّرا بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو حتما ليس بالأمر الجديد علينا نحن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد اعتدنا على مظهر الرئيس الملتصق بالكرسي كثيرا. لكنّ الفرق بيننا وبينهم واضح وضوح الشمس. فهناك لن تجد جيشا يفعل ما يريده الرئيس. ولا وزراء يقومون بلعق حذائه. ولا نوّاب لا فائدة منهم.

فهناك تتعرّف على معنى الدّولة المبنية على أركان متينة. وتتعرّف على معنى الإخلاص للضمير والمبادئ. وتتعرّف على العدل الحقيقي. ثمّ تتعرّف على الشعب الّذي لا يقدّس الأشخاص مهما فعلوا.

فترامب لن يجد هناك من يقدّسه ويطالب بتعديل الدستور لأجله، ولا من يزوّر له الانتخابات فقط لأنّه الرئيس. بل سيخرج راضخا لقوّة العدل، شاء ذلك أم أبى. وهو الفرق الكبير بيننا وبينهم.

كلّ هذا يدفعني لكتابة هذا المقال لأناقش فيه رؤيتي للانتخابات الرئاسية الأمريكية والفرق الشاسع بين دولنا ودولتهم.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: القومية والإسلام… نظرة على تمسّك شعوب المنطقة بالقومية

نزاهة الانتخابات الرئاسية الأمريكية

سواء اتّفقنا أو اختلفنا مع الديمقراطية، فهي تظلّ نظاما أفضل يتحقّق فيه العدل في الدّول الّتي تؤمن بها وتطبّقها بحذر. ولهذا قد يتمّ التلاعب بمشاعر المواطنين في الولايات المتحدة لكسب أصواتهم، لكن لا يمكن أن يتمّ التلاعب بأصواتهم وتزويرها كما يحدث في بلداننا. حيث نعرف نتائج الانتخابات حتّى قبل بدايتها، فنفضّل عدم المشاركة في المهزلة ونستغلّ يوم التصويت كيوم عطلة هادئ.

أمّا هناك فيعلم كلّ مواطن بأنّ صوته يعني شيئا ما. ويعلم كلّ مواطن بأنّ صوته لن يضيع بل قد يغيّر المعادلة. ولهذا بالنسبة لهم يُعتبر التصويت حقّا، بينما نراه نحن ضحكا على الشعوب.

ولهذا لم يستطع ترامب أن يفعل شيئا أمام قوّة العدل. فلو كان يعيش في دولة من دولنا، لاستطاع أن يجد طريقا لتزوير الانتخابات والفوز فيها بسهولة. فمجرّد رشوة بضعة وزراء ببعض الفيلات وبالخلود في مناصبهم يكفي. لكنّهم هناك يعلمون معنى المسؤولية. وكأنّما هم يخافون عقاب الله إن خانوها. ورغم أنّهم لا يملكون دينا يوجّههم، إلّا أنّ ضميرهم يفعل ما لم يفعله الدين فينا. ولهذا لي كلّ الحقّ في أن أشعر بالغيرة من العدل الّذي يعيشون فيه. وأن أقارن وأنا أشعر بالحسرة، فلا نحن فلحنا في هذا ولا ذاك، لا امتلكنا الوازع الديني ولا الضمير، ولهذا يعيش الشعب ومن يحكمه دون مبادئ.

ولهذا رغم ما حصل من مهازل من قبل ترامب، إلّا أنّ الأمر يعني مرّة أخرى عدم القدرة على زعزعة مبادئ الدولة. فالشاذ في المعادلة هو ترامب نفسه، بينما تظلّ الدولة المبنية على قواعد صحيحة دولة قويّة، وسيذهب أمثال ترامب إلى مزبلة التاريخ.

كيف يجب أن ننظر إلى نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟

حينما يتعلّق الأمر بنا نحن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فربّما ستتغيّر بعض المعادلات بوصول بايدن إلى الحكم. فلعلّه لن يمنح السيسي أيّ مزايا، ولعلّه لن يغضّ النّظر عمّا يفعله حكّام السعودية. لكنّنا نعلم جميعا بأنّ إسرائيل ستواصل الاستفادة من النظام الأمريكي أيّا يكن هذا النظام. وهذا ليس لكون النظام الأمريكي عاشقا لإسرائيل، بل لأنّ رقبته في يد اليهود من خلال نفوذهم وأموالهم. ويمكن الاطّلاع على مقالي سابق لي كنت قد تحدّثت فيه عن نظرية المؤامرة ببعض التفصيل.

فالفرق سيكون في أنّ ترامب كان يسلك الطريق المباشر بوقاحة، حيث كان سيعلن عن هدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل، لو طلب منه اليهود ذلك. أمّا بايدن فسيختار حتما السياسة اللّطيفة، تلك السياسة الّتي تدعم إسرائيل، لكنّها تحاول أن تكون عادلة مع الفلسطينيين، ومع بقيّة شعوب المنطقة. ولهذا فالطريق واحد، لكنّ السياسات تختلف فقط.

لكن ما راقني شخصيا في نتائج الانتخابات الأمريكية هو صعود كامالا هاريس كنائب للرئيس. وهي أوّل امرأة تحصل على هذا المنصب. وهو إنجاز آخر للنّساء في هذا العالم. ولازلت أذكر حينما شاهدت أوّل خطاب ألقته هاريس بعد الفوز. فقد كان خطابا مؤثّرا يخاطب جميع النّساء بأن يمضين قدما. فكامالا ليست امرأة فقط، بل امرأة من ذوي البشرة الداكنة، ومن عرق آخر إذ تعود أصولها إلى الهند. ولهذا هي تمثّل كلّ امرأة تظنّ بأنّ كونها امرأة أو كونها من ذوي البشرة الداكنة هو أمر يمنعها من الإشراق.

قد ترغب بقراءة: لماذا يستغرق تطوير لقاح فيروس كورونا كوفيد 19 وقتا طويلا؟

خلاصة القول

سيظلّ ترامب الخاسر الوحيد في هذه المهزلة الّتي يقوم بها. أمّا الرّابح فهي الدولة الّتي لم تهتزّ لكلّ ما يقوم به رئيسها، بل تمضي قدما وكلّ همّ مسؤوليها أن يقوموا بخدمة الشعب بأفضل طريقة. وسواء كان ترامب أم أوباما الّذي خدم البلاد بجدّ وترك فيها إرثا ثمينا. فلن تجد الأمريكي يقدّس رئيسه، بل ستجده ينتقده رغم كلّ ما قدّمه من إنجازات.

بينما في بلداننا، تجده لا يجد ما يعيل به عائلته بسبب البطالة الخانقة، لكنّه يعتبر الرّئيس إلها ويدعو له ليل نهار بالتوفيق في سرقة المزيد من خيرات الأرض وحرمان الشعوب منها. فالشعب حينما يكون جاهلا يصنع حاكما مستبدّا. وإن لم تفطن شعوبنا وتكفّ عن لعق أحذية الحكّام فلا داعي لأن نتوقّع مسؤولا نزيها يريد أن يثبت نفسه أمام الشعب.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا