الدين والعادات والتقاليد

كيف يحاول العالم العربي إقحام الدين حينما يتعلّق الأمر بعادات وتقاليد محضة

هي مشكلة كبيرة حتما تعاني منها الدّول الإسلامية الواقعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتمّ الخلط بين الدين والعادات والتقاليد بشكل صارخ يشوّه الدّين الإسلامي. وأصبح لزاما علينا الدّفاع عن هذا الدين من هذه التقاليد العمياء الّتي فاقت في سخافتها الجاهلية الّتي كانت قبل الإسلام.

ولذلك سأناقش في هذا المقال بعضا من تجلّيات تلك التقاليد في واقعنا، ومن أين انطلقت هذه التقاليد ولماذا لازالت تعيش معنا ونحن في القرن الواحد والعشرين.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: هل يجب على المرأة تغطية وجهها في الإسلام؟ (1)

الخلط بين الدين والعادات والتقاليد منبعه جاهلية العرب قبل الإسلام

معروف طبعا بأنّ العرب في الجاهلية كانت لهم تقاليد وأعراف كارثية جعلت حياتهم غريبة. وللأسف لازالت تلك الأعراف تعيش معنا إلى يومنا هذا.

فالحقيقة أنّ العربي لم يستطع تشييد حضارة ولا بناء مدينة حتّى بسبب انشغاله عن هذه الأمور بأمور أخرى كان يراها أهمّ ما في حياته. ويعود ذلك حتما إلى البيئة الصحراوية الّتي كان يعيشها، وإلى طبيعة العربي الّتي تميل إلى العصبية في أمور تافهة. وهذا لا يعني أنّ العرب ليس لديهم من الإيجابيات ما لديهم. فتلك البيئة الصحراوية جعلت العرب أشخاصا أقوياء رجالا ونساءً. ولهم مآثر وقصص ليس لها مثيل لدى الأجناس الأخرى.

وقد ساعدت تلك البيئة وتلك القوّة على تعشّق الإسلام ثمّ نشره في بداياته. لكن كما نعرف عن القول المأثور عن عمر بن الخطّاب “لا عزّة للعرب إلّا بالإسلام”. فالعرب لم يستطيعوا قبل الإسلام تشييد أيّ حضارة لأنّ طبائعهم وبيئتهم لم تسمح بالتفكير بما هو أكبر من الأكل والشرب والزواج والشعر. بينما استطاعت أجناس أخرى أن تؤسّس حضارات وامبراطوريات على مرّ العصور.

ولهذا تكون المعادلة بسيطة. فحينما يتمسّك العربي بالإسلام فإنّه ينتج حضارة ورقيّا. أمّا حينما يعود لعروبته فسيعيش حياة جاهلية ما قبل الإسلام.

العيب والحرام بين الدين والعادات والتقاليد

أبسط الأمثلة على الخلط بين الدين والعادات والتقاليد يتمثّل في الفرق بين العيب والحرام، وبين درجات الحرام نفسه. فمثلا حينما يتعلّق الأمر بالزنا فهو يأخذ الدرجة الأولى في سلّم أولويات المجتمعات العربية، وفي سلّم أولويات رجال الدّين أنفسهم. لكن حينما نتحدّث عن العدل فلا أحد يوليه من الاهتمام ما يليق به. وفي الإسلام نجد العدل من بين أهمّ أساسيات الدّين. بينما الزّنا هو سلوك فردي له علاج واضح في الإسلام.

وأنا أعلم أنّ قارئ هذه الكلمات ستصيبه نوبة غضب كوني أريد ألّا يكون الزّنا ذو أولوية، وربّما سيتّهمني بمحاولة جرّ المجتمع إلى الفسوق. لكنّها الحقيقة شئنا ذلك أم أبينا. فالزنا له علاج واضح وهو الجلد لغير المحصن. الجلد على الطرفين طبعا وليس القتل للفتاة وعدم المساس بالشاب كما يحصل في مجتمعاتنا.

أمّا الظّلم وعدم إحلال العدل في المجتمع فهو سبب ضياع دول بأكملها. ونحن نرى أمامنا كيف تعيش دول لا تدين بديانة الإسلام عيشة كريمة بسبب العدل الّذي تحلّه على شعوبها. بينما تعيش الدّول “الإسلامية” عيشة يقهر فيها الضعيف والفقير، ويعيش فيها المسؤول عيشة رفاهية عن طريق أكله حقوق الشعب. لكن هل يتحدّث رجال الدّين في هذه الدّول عن العدل؟ وهل ينتقدون المسؤولين والحكّام أو يعظونهم كما كان يفعل السّلف ويتمّ سجنهم دون أن يتراجعوا عن كلمة الحقّ؟ لا طبعا، فرجال الدّين مهتمّون بأمور أكثر أهمّية في سلّم أولويات “العربي الجاهلي”.

الزواج

أتذكّر قراءة عبارة مثيرة للاهتمام حقّا في أحد كتب الدكتور ماجد عرسان الكيلاني. وذلك في وصفه لإيجابيات وسلبيات البيئة الصحراوية الّتي كان يعيش فيها العرب. وممّا قاله بأنّ الزّواج كان محلّ اهتمام كبير لدى العربي في البادية. فالبيئة القاسية جعلته لا يجد لذّة أخرى سوى لذّة الزّواج. مع أنّني لا أظنّ أنّ الأمر يعود للبيئة فقط، بل يعود لطبعه الّذي لم يجعله يبحث عن هدف في الحياة عدا الزواج والشعر والغزو. لكن ليس هذا حديثنا الآن. فقد بيّن الكاتب بأنّ ذلك الاهتمام الزّائد بتلك اللّذة “الوحيدة” جعلت كلّ جنس يرى في الجنس الآخر كلّ ملذّات الدنيا. فنشأت غيرة فاقت الحدود بينهما، ونشأ اهتمام مبالغ بالطرف الآخر.

وهو فعليا ما نراه حتّى الآن. فبالنسبة للفتاة، تصوّر لها الأمّهات والجدّات بأنّ الحياة كلّها تتمثّل في زوج. ولا زلت أتذكّر تلك العبارات السخيفة الّتي لازالت تتغنّى بها المسلسلات من مثل “المرأة من بيت أبوها لبيت زوجها” أو لقبرها أو شيء من هذا القبيل. وبالنّسبة للشاب، فالطّريقة الوحيدة ليتباهى برجولته تكون بامتلاك امرأة يتأمّر عليها و”يفش فيها غلّه” حينما تقسو عليها الحياة. وهي ما أسمّيه شخصيا “بعقدة النقص لدى الرجل الشرقي”. إذ يظنّ الرجولة كلّها تكتمل في حبسه لزوجته أو منعها من الحياة أو حبسه لبناته. محاولا بذلك كسر القليل من عقدة النقص الّتي لا يتخلّص منها حتّى مماته.

لكنّ الحياة في الإسلام تخبرنا أمرا آخر. فالإسلام علّمنا بأنّ الإنسان، سواء كان رجلا أو امرأة، يعيش لأجل رسالة. وتدور في فلك تلك الرسالة عدّة أهداف في الحياة غايتها النهائية هي عبادة الله والتعرّف على الكون ومخلوقاته كما أمرنا في كتابه، ومنفعة النّاس طبعا. والزواج ما هو إلّا وسيلة وليس غاية. والزواج لا يجب أن يكون جاهليا كما اعتادت العرب التعامل معه هناك في البادية، بل أن يكون كما يحلو للنّاس في أيّ زمان ومكان أن يكون، شرط ألّا يخالف شرع الله في قوانينه وكيفية تطبيقه.

قد ترغب بقراءة: الولاية على المرأة في الإسلام.. لماذا يصرّ البعض عليها رغم عدم وجود دليل عليها؟

المرأة

لنكن متّفقين أوّلا بأنّ تلك العبارات الّتي يتغنّى بها رجال الدّين بأنّ المرأة لم تكن شيئا وجاء الإسلام ليكرّمها ليست صحيحة تماما. فصحيح بأنّ الإسلام كرّم الإنسان، سواء كان رجلا أو امرأة. لكنّ المرأة لم تكن منعدمة الشّأن في الجاهلية كما يشاع. بل كان لها شأن كبير. والسيدة خديجة أكبر دليل. فقد كانت امرأة تاجرة من أغنياء قريش. وكان لها مكانتها في مجتمعها. وغيرها الكثير من الأمثلة الّتي تدلّ بأنّ المرأة كانت حرّة قادرة على التجارة والقيادة ونظم الشعر وفعل كلّ ما يحلو لها. وطبعا وجدت سلبيات في ذلك المجتمع على المرأة، لكن من الخطأ أن نقول بأنّها لم تكن ذات قيمة.

وقد قيل بأنّ الرّجل كان يعيّر إذ ما رفع يده على امرأة. فهذه خصلة من الجاهلية لم تستمرّ للأسف. إذ أصبح رجال اليوم من العرب يفتخرون بضرب نسائهم. لكن ليس هذا هو الموضوع المهمّ.

موضوعي هو ما ينتشر باسم الإسلام عن المرأة. فيجعلونها كائنا ناقصا ضعيفا عاطفيا لا يفقه شيئا في الحياة ومهمّتها أن تتزوّج وتنجب. وعالم الأحاديث مليء بأحاديث كارثية عن النّساء، وقد قام علماء مثل الألباني بتضعيف الكثير من الأحاديث ووضع حدّ لها، وقد ذكرت بعضا منها في مقالاتي عن غطاء الوجه للمرأة في الإسلام. وهناك أيضا الكثير من الأحاديث والآيات الّتي يتمّ تفسيرها خطأ. وقد قام العلماء منذ مئات السّنين بشرحها وإزالة الجهل عنها، والأئمّة الأربعة أفضل مثال.

لكن ورغم ذلك لازالت تسوّق الصّورة السّلبية للمرأة الّتي لا حقّ لها في الحياة، ومن رجال دين وليس من العامّة فقط. وهو المصيبة الكبرى. وقد رأيت فعلا حالات كارثية أين يعيش مسلمون في بلدان أجنبية ويأخذون معهم عاداتهم السّخيفة الّتي يظنّونها دينا. وكيف جعلوا تلك المجتمعات ترى في الإسلام ظلما كبيرا للمرأة.

وأتذكّر هنا تلك المواقع الإسلامية الّتي تقدّم فتاوى للنّاس وكيف تروّج لأفكار خاطئة باسم الدين، خاصّة حينما يتعلّق الأمر بالمرأة. وأنا حقّا أنصح بعدم دخولها مطلقا لأنّها تنشر تفاهات لا صلة لها لا بالدين ولا بالواقع. بينما إذا ما رجعنا إلى فتاوى الأئمّة الأربعة فسنجد الدّين الحقّ العدل الّذي نفتخر به.

خلاصة القول

لعلّي سأكتفي بهذه الأمثلة. وسيكون لي تفصيل في كثير من المواضيع الّتي تخصّ الخلط بين الدين والعادات والتقاليد. وأعتقد بأنّه من المهمّ أن نخلّص مجتمعاتنا من الجاهلية الّتي لازالت تسيطر عليه. فحينها فقط يمكننا تطبيق الدين الحقّ ويمكننا أن نستفيق من غيبوبتنا وننتبه إلى الأمر الأهمّ وهو أن نرتقي بالإنسان ثمّ بالمجتمع ثمّ نقوم بنشر الرّسالة ونحقّق دورنا في هذه الحياة.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا