الولايات المتحدة والشرق الأوسط

ما الّذي يحرّك الغرب نحو الشّرق الأوسط… الدّين أم النّفط؟

لا شكّ أنّ هنالك جدالا يثور كلّما تمّ التطرّق لأهداف الغرب في الشّرق الأوسط، أو علاقة الولايات المتحدة والشرق الأوسط… أو لنقل في العالم الإسلامي كونه المصطلح الصّحيح. ولعلّ أكثر تفسيرين يتناقضان أكثر ممّا يتّفقان هما نظرية المؤامرة كما يتمّ تسميتها، والّتي تُعنى بسيطرة اليهود على القوى الكبرى في العالم من أجل إخضاع العالم الإسلامي والحصول على القدس، ثمّ بناء هيكلهم المنشود مكان المسجد الأقصى.

والتّفسير الثّاني هو أنّ القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية، تتحرّك لأجل النّفط، فأينما وُجد النّفط خلقت أسبابا لتستولي عليه، فأفغانستان ثمّ العراق دليلان على ذلك.

إذن أيّ من هذين التّفسيرين علينا أن نصدّق؟

قد ترغب بقراءة: البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية… نظرة لفهم معتقدات الدّول الكبرى

احصل على ثانوية الأشباح

النفط و الولايات المتحدة والشرق الأوسط

لو تحدّثنا قليلا عن النّفط لوجدنا أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية تلهث وراءه حتما، فبعد أن ضمنت عدم تكرار السّعودية لما فعلته من قطع النّفط عام 1973، بدأت باللّعب على مناطق أخرى كالعراق الّتي لم تجد إليها سبيلا وكإيران الّتي فشلوا فيها فشلا ذريعا.

لكن لم يكن الشّرق الأوسط المستهدف فحسب، بل تمّ إلحاق ضرر كبير بدول أمريكا الجنوبية من أجل استغلال النّفط الموجود فيها. ويكفي أن يطّلع القارئ على كتاب جون بركنز المشهور بعنوان “اعترافات قرصان اقتصاد” ليعي أنّ سيطرة الغرب لم تأتِ من فراغ وليست وهما كما يظنّه البعض، بل جاءت نتيجة دراسات وجهود ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من نفوذ.

لعلّ ذكر العراق هنا يقودنا إلى استساغة تفسير تحرّك الغرب لأجل النّفط، فحينما لم تستطع الولايات المتّحدة ترويض العراق كما فعلت بالسّعودية خلقت أسبابا لتدميره. وقد كان غزو العراق المبني على أكاذيب أسلحة الدّمار الشّامل دليلا على أنّ أمريكا أرادت نفط العراق، وقد حصلت على امتيازات أخرى أيضا من خلال المشاريع الهائلة الّتي تقوم بها شركات إعادة الإعمار المزعومة. ل

كن هل حقّا كان النّفط هدفها؟

الولايات المتحدة والشرق الأوسط والدين

في تلك الفترة كان لجورج بوش تصريحات اعتبرها البعض حماقة منه بينما اعتبرها البعض الحقيقة الكامنة وراء غزوه للعراق. فقد قال بشكل واضح أنّ الله قد أمره بذلك الغزو، كما صرّح أنّه يخوض حربا صليبية حينما أعلن شنّه الحرب على الإرهاب.

وليس بوش فقط، بل خرجت من إدارته تعليقات دينية مماثلة تعطي الأحداث طابعا دينيا، ورامسفيلد وزير دفاعه أحد الموافقين.

إذا كان الأمر دينيا إذن فالسّؤال المطروح هو: أين دور اليهود في هذا؟

والإجابة تكمن في البحث عن الدّيانة الّتي يدين بها المجتمع الأمريكي والغربي بشكل عام، وهي البروتستانتية. فمعروف أنّ هذه الطّائفة قد انبثقت من خلال تمرّدها على الكنيسة الكاثوليكية بزعامة مارتن لوثر، وقد مُنيت هذه الطّائفة بعدّة ثغرات أهمّها تأكيد البروتستانتية أنّه يحقّ لأيّ مسيحي أن يفسّر الإنجيل حسب قدرته، وهو عكس ما كان سائدا حيث لا يحقّ سوى للكنيسة تفسيره؛ وثانيها مطالبة مارتن لوثر بالعودة إلى التّوراة العبرانية القديمة، كما جعل لليهود مركزا كبيرا في طائفته الجديدة، وهو ما يؤكّده كتابه بعنوان “عيسى وُلد يهوديا”.

وبسبب عمله مع اليهود وتعاطف الطّائفة الجديدة معهم تمّ خلق مدافع عن حقوق اليهود في الغرب، فمن يدين بالبروتستانتية لديه إيمان بداخله أنّ وجود اليهود وإعطاءهم حقّهم في القدس هو ضرورة لعودة المسيح. وبهذا أصبحت البروتستانتية أهمّ مدافع عن الفكر الصّهيوني.مارتن لوثر كان قد ندم على ما فعله لأنّه لم ينجح في جذب اليهود للدّخول في المسيحية بل أدّى إلى تهويد المسيحية، وقد كتب كتابا عن ذلك أسماه “اليهود وأكاذيبهم“.

لكن هل حقّا ما حدث كان خطأً أدّى إلى ظهور تيّار يصدح في العالم كلّه عن حقّ اليهود؟ أم أنّه كان تخطيطا مدبّرا للتخلّص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية الّتي لطالما ازدرت اليهود، ثمّ إيجاد مدخل لهم إلى أهدافهم؟

كتاب يشرح علاقة الغرب و الولايات المتحدة والشرق الأوسط

في كتاب بعنوان “الوحي ونقيضه” لبهاء الأمير، تحدّث الكاتب عن بروتوكولات حكماء صهيون وكيف أنّها بروتوكولات قد تمّ وضعها بدقّة لتحدّد مسار اليهود نحو القدس. وقد أوضح الكاتب كيف أنّ خطط تلك البروتوكولات مرسومة لتناقض الوحي، فهي تعاكس كلّ ما في القرآن لتكون دليلا أنّ العودة للقرآن والعمل به هو الطّريق الصّواب لمحاربة خطط اليهود والنّصر عليهم.

ورغم الجدل القائم حول صحّة هذه البروتوكولات من عدمها، هناك دلائل كثيرة توضّح لنا أنّ لليهود سيطرة على الأحداث، ولا داعي لأن نذكر أنّ معظم مظاهر السّلطة والمال في العالم بيد يهود، فهي حقيقة لا ينكرها أحد.

لكن لنذكر بعض كلام دافيد بن غوريون مؤسّس دولة إسرائيل، فهو من قال أنّ عظمة إسرائيل لا تكمن في قنبلتها الذرّية ولا ترسانتها العسكرية، بل في تفتيت الدّول الثّلاث، العراق وسوريا ومصر. كما أنّه قال أنّ نجاح بني صهيون في مخطّطاتهم لا يعتمد على ذكائهم بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطّرف الآخر، وليس ذلك الطّرف سوى العالم الإسلامي.

ونحن في زمن نرى فيه تحقّق توجّهات بن غوريون فقد ضاعت العراق وسوريا، ومصر في أزمة أسوء من الضّياع. بينما لا يزال العالم الإسلامي في جدل بين المذاهب وكأنّه في غيبوبة فكرية امتدّت عقودا.

قد ترغب بقراءة: صفقة القرن… هل يحاول ترامب فعلا إيجاد حلّ لما يسمّى بالصّراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

هل يمكن إيجاد تفسير واضح لاهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط؟

لعلّ ما نحتاجه الآن هو إضافة ثقل إلى كفّة أحد التّفسيرين، ولو أنّ كفّة التحرّك بموجب الدّين تبدو راجحة حتّى الآن. لكن للتأكّد أكثر علينا أن نتّجه إلى الإسلام الّذي يتمّ محاربته، ما الّذي يقوله هذا الدّين ليفسّر تكالب قوى العالم عليه ومحاولاتها الحثيثة لتفتيته بداية من تقسيمه إلى دويلات ثمّ مذاهب، إلى تغريب شعبه وتدمير كلّ قاعدة صحيحة قد يقوم عليها؟

القرآن والسنّة يخبراننا بشكل واضح أنّ الدّين هو أهمّ شيء في هذه الحياة، فالبشر ميّالون لعبادة معبود يشعرون بعظمته وبقدرته على تسيير الحياة حينما تتعقّد، ولهذا انتشرت قديما عبادة الأصنام حينما يجهل البشر وينحرفون عن حقيقة الخالق. وهذا الدّين الّذي فرضه الله على البشرية جمعاء والّذي فرض الجهاد لأجل إقامته ليس عبثا يمكن أن نخرجه من المعادلة القائمة ببساطة.

واليهود يعادون هذا الدّين لأسباب معروفة لا داعي لذكرها، كما أنّ معتقداتهم تأمرهم أن يجدوا الخلاص من ذنوبهم، ولن يكون ذلك الخلاص إلّا ببناء الهيكل على أرض المقدس. لم يكن بوسع اليهود التّغلغل وسط العالم الإسلامي للتّلاعب به والحصول على القدس، فدين الإسلام القائم على ثوابت راسخة يمنعهم من محاولة الاقتراب.

لكنّ الغرب كان وعاءً فارغا يحتاج شيئا ما ليملأه، فبعد السّخط الكبير على تسلّط الكنسية وكبحها للمجتمع بمختلف توجّهاته، أصبح الغرب مستعدّا لتلقّف أيّ محاولة للتمرّد عليها وإيجاد سبيل آخر للعيش بحرّية، وقد عرف اليهود كيف يستغلّون ذلك من خلال منح الغرب تلك النّظرة العميقة بشأن خلاص الشّعب اليهودي.

في النّهاية قد تكون هناك طريقة للرّبط بين هذين التّفسيرين، فرغم أنّني أرى وأؤمن برجاحة كفّة التحرّك باسم الدّين ولأجل اليهود، ليس التّفسير الأوّل خاطئا أيضا. فليصل الغرب إلى حالة التقدّم الّتي يعيشونها ولنصل نحن إلى حالة التّبعية الّتي نعيشها، كان عليهم أن يضمنوا موارد لا تنفذ من النّفط. فليس النّفط الغاية هنا، بل هو الوسيلة الّتي تمنحهم القوّة للمضيّ إلى الغاية.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا