صفقة القرن

صفقة القرن… هل يحاول ترامب فعلا إيجاد حلّ لما يسمّى بالصّراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

المحاولات الأمريكية البائسة منذ عقود لإيجاد ما يسمّى بخطّة السّلام لإنهاء الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تكن يوما لتنجح، ولا يبدو أنّها ستنجح حتّى بعد أن قاموا بطرح ما سمّوه صفقة القرن.

فما يريده الاحتلال الصّهيوني هو دولة آمنة على أرض احتلّها وسرقها من أهلها، ولذلك ستبقى دولة إسرائيل المزعومة مجرّد نشاز في منطقة الشّرق الأوسط، ولن يكون هناك حلّ حقيقي إلّا بزوالها.

لكن في نفس الوقت، يحتاج الفلسطينيون إلى دولة مستقلّة يعيشون فيها بحرّية وأمان، خاصّة بعد أن تخلّت الدّول العربية عن قضيّتهم وأصبحوا في مواجهة الاستيطان الإسرائيلي لأراضيهم بمفردهم، سلاحهم الوحيد هو المقاومة.

فهل يمكن أن تقدّم لهم إدارة ترامب فعلا حلّا حقيقيا؟ وهل طُرحت صفقة القرن المزعومة بهدف تقديم حلّ للطّرفين؟

قد ترغب بقراءة: ما الّذي يحرّك الغرب نحو الشّرق الأوسط… الدّين أم النّفط؟

احصل على ثانوية الأشباح

ما الّذي جاء في صفقة القرن؟

لنلق نظرة على أهمّ ما جاء في صفقة القرن الّتي طرحها ترامب بجواره نتنياهو، ودون أيّ وجود فلسطيني رغم أنّ الأمر يعني الطّرف الفلسطيني أيضا.

– لن تتمّ إزالة أيّ مستوطنة إسرائيلية في الضفّة الغربية، وستخضع هذه المستوطنات لسيادة دولة إسرائيل.

– أن يكون غور الأردن تحت السّيادة الإسرائيلية لحماية نفسها.

– أن تتمّ حلّ قضيّة اللّاجئين الفلسطينيين خارج إسرائيل.

– أن تكون القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل.

– أن يتمّ نزع سلاح المقاومة الفلسطينية.

– أن يعترف الطّرف الفلسطيني بدولة إسرائيل.

– ألّا تقوم إسرائيل ببناء مستوطنات جديدة لمدّة 04 سنوات.

– لن يتمّ إجبار أيّ إسرائيلي أو فلسطيني على مغادرة منزله.

– أن يكون المسجد الأقصى تحت الوصاية الأردنية.

نستطيع من خلال إلقاء نظرة بسيطة على هذه البنود أن نعلم ما يسعى له الاحتلال بمباركة ترامب. فالخطّة المسمّاة بصفقة القرن لا تهدف أبدا لحلّ الصّراع، ولا يهمّها الطّرف الفلسطيني أصلا. إنّما كلّ ما يسعى إليه ترامب هو طرح الحقيقة المرّة الّتي لم يتجرّأ الرّؤساء من قبله على طرحها، وهو أنّه لا مكان لوجود دولة فلسطينية.

خطط السّلام السّابقة كانت تسعى بشكل ما إلى الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود ما قبل عام 1967. ولم يكن الاحتلال ليوافق على ذلك أبدا، فهو يعني إنهاء وجوده في المنطقة وتدمير رغباته بالحصول على الأرض، والحصول على القدس.

وحينما يتمّ طرح خطّة سخيفة كهذه فليس المقصود منها محاولة إيجاد حلّ، بل هو وضع النّقاط على الحروف كما لم تستطع أيّ إدارة أمريكية أن تفعل من قبل. وهو أشبه بالقول للفلسطينيين أن ينسوا قصّة إزالة المستوطنات فهي حلم لن يتحقّق. وأن ينسوا قصّة عودة اللّاجئين فذلك لن يحدث أبدا. وأن ينسوا الحصول على القدس أو حتّى على جزء منها. وحتّى المسجد الأقصى لن تحلم فلسطين بامتلاكه، لذلك وضعته الخطّة تحت الوصاية الأردنية.

حقائق مهمّة تنساها صفقة القرن

علينا أن نتذكّر بأنّ إسرائيل قد بنت حوالي 140 مستوطنة و120 موقعا استيطانيا منذ 1967، ويسكن بها حوالي 600 ألف إسرائيلي. وتُعتبر هذه المستوطنات غير شرعية بالنّسبة للمجتمع الدّولي، ويعاني الفلسطينيون خسارة المزيد من الأراضي بسببها.

من المهمّ أن نتذكّر أيضا أنّ هنالك حوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني لهم الحقّ في العودة إلى ديارهم. وهو ما ترفضه إسرائيل حسب بنود صفقة القرن. فعودة أولئك اللّاجئين يعني أن يكون هناك وجود فلسطيني كبير في المنطقة يهدّد وجود الدّولة الإسرائيلية.

ولذلك تماما ترفض إسرائيل إزالة أيّ مستوطنة، بل وتريد أن تكون هذه المستوطنات تحت سيادتها. وهو ما يعني حصولها على معظم أرض فلسطين بالفعل.

والبند الخاصّ بأن تلتزم إسرائيل بعدم بناء مستوطنات جديدة لمدّة أربع سنوات هو أسخف البنود، فما هي الخطط إذن بعد أربع سنوات؟ هذا إن كانت لإسرائيل أصلا أيّ نيّة بالالتزام بذلك البند.

قد ترغب بقراءة: البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية… نظرة لفهم معتقدات الدّول الكبرى

ما هي ردود الفعل العربية على صفقة القرن؟

الجانب الفلسطيني بقيادة الرّئيس الفلسطيني محمود عبّاس قد رفض الخطّة “بشكل مفاجئ”!
فحتّى عبّاس الّذي يمثّل أكبر تطبيع من العرب مع إسرائيل لن يقبل بمثل هذه الصّفقة، حيث يقول أنّه لا دولة فلسطينية دون أن تكون القدس الشّرقية عاصمة لها.

ولماذا القدس الشّرقية وليس القدس فقط؟ لأنّ القدس الشّرقية ظلّت خاضعة للسّيطرة الأردنية منذ النّكبة إلى عام 1967. بينما كان الجانب الإسرائيلي منذ النّكبة يرى أنّ القدس الغربية هي عاصمة إسرائيل، وهو ما أعلنه دافيد بن غوريون.

ورغم رفض المجتمع الدّولي لذلك ووضع القدس تحت وصاية دولية، إلّا أنّه بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، أصبحت إسرائيل تصدح بحقّها في القدس كاملة أكثر من أيّ وقت مضى.

حماس طبعا ترفض صفقة القرن وتتعهّد بأنّها لن تتحقّق.

الجانب المصري والسّعودي يدعمان “الجهود” المبذولة لحلّ النّزاع.

وهذه المرّة لا نواجه موقفا عربيا متخاذلا فحسب، بل رأينا سفراء عرب يحتفلون مع ترامب ونتنياهو. وهم سفراء الإمارات والبحرين وسلطنة عمان.

المملكة الأردنية لا تزال تتمسّك بأنّ أفضل حلّ هو تأسيس دولة فلسطينية على حدود ما قبل 1967.
وهو نفس الرّأي الّذي تتبنّاه الأمم المتّحدة.

ما قصّة حدود ما قبل 1967 الّتي يتحدّث عنها الجميع؟

كانت هذه الخريطة قد نُشرت من قبل MSNBC سنة 2015، وقد تلتها عدّة خرائط مشابهة. ورغم أنّه هناك بعض الأخطاء فيها، إذ لم يكن هنالك وجود لإسرائيل سنة 1946، إلّا أنّها تظهر بشكل جيّد كيف خسرت فلسطين أراضيها عبر السّنوات. المصدر من هنا.
من المهمّ أن نذكر أنّ MSNBC قد اعتذرت لاحقا عن نشر هذه الخريطة، وقالت أنّه طبعا لم يكن هناك وجود لفلسطين من قبل!

نعلم جميعا أنّ النّكبة كانت سنة 1948، وقد حاول خلالها العرب مهاجمة الاحتلال الصّهيوني بعد أن منحته بريطانيا المباركة والحماية من خلال انتدابها على أرض فلسطين. وفي ذلك الوقت كان العرب على كلمة موحّدة وهي أنّ الوجود الصّهيوني على تلك الأرض غير مقبول أبدا ويجب أن تتمّ إزالته.

كانت نتيجة تلك النّكبة تماما كما يوحي اسمها، فقد طُرد الفلسطينيون من أراضيهم وهُزم العرب.

ثمّ جاءت حرب 1967 وقد سمّيت هذه المرّة بـ “النّكسة”، وتُسمّى أيضا بـ حرب الستة أيّام، حيث استطاعت إسرائيل هزيمة العرب في ستّة أيّام. وكان من نتائجها احتلال القدس الشّرقية والضفّة الغربية وقطاع غزّة. وهو ما زاد الطّين بلّة.

ولهذا يتمّ التّأكيد على حدود ما قبل 1967، أي قبل أن تحتلّ إسرائيل كلّ تلك المناطق من أرض فلسطين. وهو ما استمرّت الأمم المتّحدة بدعمه، حيث طلبت من إسرائيل أن تنسحب من تلك الأراضي وأن يقيم كلّ من الطّرفين دولته على الأراضي قبل حرب 1967.

تلت حرب أخرى تلك الحرب، وهي حرب أكتوبر 1973 والّتي يراها البعض أوّل انتصار للعرب على إسرائيل. والحقيقة أنّه لم يكن انتصارا من أيّ نوع. فإسرائيل كانت قد احتلّت الجولان وشبه جزيرة سيناء والضفّة الغربية الّتي كانت تحت سيادة الأردن، وأرادت هذه الدّول استرجاع ما أُخذ منها.

ولنفهم إن كان ذلك انتصارا حقيقيا أم لا فعلينا أن نطّلع على تبعاته، وهي اتّفاقية كامب ديفيد سنة 1979.
حيث وقّع الرّئيس المصري أنور السّادات اتّفاق سلام مع إسرائيل، وهو أوّل تطبيع علني بدأته الدّول العربية مع الاحتلال الصّهيوني. وهو بداية الانهزام الفعلي وترك مصير الفلسطينيين لهم وحدهم. وبموجب الاتّفاقية استطاعت مصر استعادة سيناء، بموجب الاتّفاقية فقط!

حقيقة صفقة القرن في نظر الإسرائيليين

يرى محلّلون إسرائيليون، حسب ما أورده مقال على موقع الجزيرة، أنّ صفقة القرن هذه ليس الهدف منها حلّ النّزاع، وليس الهدف منها محاولة لجعل الجانب الفلسطيني يقبل بها. بل على العكس، فقد صيغت هذه الصّفقة ليرفضها الفلسطينيون، ويبدو للعالم أنّهم يرفضون حلول السّلام في الشّرق الأوسط.

من جهة أخرى، يحتاج كلّ من ترامب ونتنياهو لمثل هذا الإعلان المثير للجدل، فترامب يواجه إجراءات عزله، ونتنياهو يواجه تهما بالفساد. إذ يحاول كلّ منهما كسب تأييد جديد من خلال الإعلان عن هذه الصّفقة في مثل هذا الوقت.

لا يرى المحلّلون الإسرائيليون أيضا أنّ هناك أيّ احتمال لتطبيق هذه الصّفقة على أرض الواقع، فلن يقبل بها الطّرف الفلسطيني بأيّ حال.

لكنّ الغرض منها هو الإعلان عن نيّة إسرائيل بتأمين مستوطناتها وحدودها، وفرض سيطرتها على تلك المستوطنات الواقعة في الضفّة الغربية. إضافة لإعلانها الصّريح عن رفضها لعودة أيّ فلسطيني، ولتمسّكها بالقدس كاملة، وعدم منح أيّ جزء منها للفلسطينيين.

فكلّ ما يريده ترامب ونتنياهو هو أن يخبروا الفلسطينيين بأنّ حلم إقامة دولة عاصمتها القدس الشّرقية كما يرغبون، وحلم إزالة المستوطنات من الضفّة، وحلم عودة اللّاجئين، هي مجرّد أحلام آن لهم الأوان أن يتخلّوا عنها ويقبلوا بالأمر الواقع.

المصادر

صفقة القرن.. هل صيغت أميركيا وإسرائيليا لرفضها فلسطينيا؟

“صفقة القرن” بـ9 نقاط أساسية

صفقة القرن: ترامب يعلن خطته للسلام ويقول إنها “ربما تكون فرصة أخيرة” للفلسطينيين

القدس الشرقية

النكسة.. إسرائيل تهزم العرب في ستة أيام

نص اتفاقية كامب ديفد للسلام بين مصر وإسرائيل



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا