قصة السودان - الثورة المهدية

قصّة السودان (3): الثورة المهدية

نواصل في مقالنا الثالث الحديث عن أهمّ النّقاط لنفهم الثورة المهدية وما نتج عنها، وذلك بعد أن كنّا قد شرحنا في المقال السّابق أسباب وممهّدات قيام هذه الثّورة.

الثّورة المهدية هي ثورة دينية لها أثرها حتما في تاريخ السودان. ولعلّه يمكن القول أنّ هناك نوعا من الجدل بين المؤرّخين والدّارسين، فهناك من يراها ثورة ناجحة كانت لتنهض بالسودان وتسير به في منحنى مغاير، وهناك من يراها على خطأ تام ويلوم ما نتج عنها من قتل ووحشية.

لكن قبل أن نحكم على هذه الثّورة، لنتعرّف على قائدها وهو محمّد أحمد المهدي.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: لماذا لم يتوقّف تقليد الآباء والأجداد ومشايخ الدين رغم ذمّ القرآن للآبائية؟

من هو محمد أحمد المهدي قائد الثورة المهدية ؟

ولد المهدي سة 1843 في دنقلة، إذ يعود أصل قبيلته إلى العرب المتنوّية. وقد أظهر ميلا منذ صغره بتعلّم القرآن والزّهد، وقد كان متصوّفا.

بعد أن درس وتعلّم على يد أحد المشايخ، بدأ رحلته من جزيرة أبا الّتي بنى فيها جامعا للصّلاة وخلوة للتّدريس. حيث اجتمع عليه أهل تلك الجزيرة ليدرسوا على يديه، وكثر أتباعه على إثر ذلك، كما ذاع صيته وبدأ يبرز شيئا فشيئا.

ظنّ المهدي أنّه هو المهتدي المنتظر وآمن باعتقاده ذاك، كما شجّعه عليه عبد الله التّعايشي الّذي قدم إليه وأخبره أنّه يحمل صفات المهدي. وهكذا بدأ يرسل كتبه ويدعو النّاس إليه على أنّه هو المهدي المنتظر. وممّا كان يقوله عن الأمر “إنّني رأيت النّبي بعيني رأسي يقظة، فأجلسني على كرسيه وقلّدني سيفه، فغسل قلبي بيده وملأه إيمانا وحكما ومعارف منيعة، وأخبرني بأنّني الخليفة الأكبر والمهدي المنتظر، وأنّ من شكّ في مهديتي فقد كفر، ومن حاربني خذل في الدّارين”.

وفي سنة 1881، أرسل المهدي كتابا إلى حكمدار السودان، وقد كان في تلك الفترة محمّد رؤوف باشا، حيث قام بدعوته إلى المهدية وطلب منه اتّباعه. وقد قام الحكمدار بإرسال وفد إلى المهدي ليثنيه عن دعوته تلك، لكنّه لم يقبل بذلك.

قام محمّد رؤوف باشا بإرسال جنود للقبض على المهدي وإيقاف دعوته، لكنّ المهدي وأنصاره استطاعوا التغلّب عليهم. وقد واصل المهدي توسيع جيشه وتنظيمهم بعد أن انتصر على جيش ثان مرسل من قبل الحكمدار، وهو ما زاد من شهرة المهدي وضاعف أتباعه وحلفاءه.

ماذا حققت الثورة المهدية ؟

حينما سمع عامّة النّاس في السّودان عن الثورة المهدية وعن دعوة المهدي آمن به وتبعه أغلبهم، كما ظهر له أنصار في مناطق عدّة مثل بحر الغزال ودارفور وكردفان، وقد قام أولئك الأنصار بالثّورة وأعلنوا بيعتهم للمهدي، ممّا دعّم جيوشه أكثر وزاد من أتباعه.

سقطت الخرطوم بيد المهدي سنة 1885، وقد استطاع أن يخضع السّودان تحت حكمه بعد أن ارتبك المصريون أمامه ثمّ انسحب جيشهم من السّودان ظناّ أنّه يستحيل على المهدي أن ينجح في توحيد السّودان تحت حكمه.

استطاع المهدي أن ينظّم البلاد بشكل جيّد، حيث أصدر الأحكام الّتي يجب العمل وبها ونظّم الجيوش وكلّ ما يجعل من حكمه دولة حقيقية. وقد كان يحاول الاقتداء بالنّبي في كلّ تحرّكاته.

وحينما انتهى من ذلك، عزم المهدي على غزو مصر، حيث أرسل كتابا إلى واليها يبلغه بذلك، كما أرسل رسالة إلى أهلها. وقد أرسل رسله أيضا إلى الشّام وإلى مراكش. وقد شعرت الدولة العثمانية بخطره ولم تقبل دعوته المهدية.

لكن وقبل أن يواصل المهدي مخطّطاته، توفّي بعد وقت يسير من سقوط الخرطوم بسبب حمّى أصابته. وقد خلفه في الحكم عبد الله التّعايشي.

من الجدير بالذّكر أيضا أنّه خلال تحرّكات جيوش المهدي في السّودان، حصلت مجازر فظيعة عانى منها المصريون خاصّة. ففي مدينة الطيارة بكردفان، قتل أنصار المهدي آلاف التجّار المصريين وسبوا نساءهم. وقد تمّ التّنكيل بالموظّفين المصريين في عموم السّودان. إضافة لذلك، قُتل من سكّان الخرطوم يوم سقوطها عشرات الآلاف، ونفس الأمر في مدينة كسلا.

قد ترغب بقراءة: فشل تربية الأبناء في المجتمع الشرقي

مرحلة ما بعد المهدي

كما ذكرنا من قبل، حينما مات المهدي خلفه خليفته الأوّل عبد الله التّعايشي. لكنّ الأخير لم يكن مشابها للمهدي، فقد أراد الملك وبدأ يتقريب أفراد عائلته وتقليدهم المناصب، وبهذا بدأ الشّقاق والخلاف يحصل بين قيادات المهدية.

بدأت الأمور بالانهيار إلى الأسوء، فموت المهدي قبل استقرار الأحوال في السودان كان عاملا مهمّا في انهيار المهدية بعده. وخلال ذلك، توقّفت حركة التجارة وضربت المجاعة البلاد، وانتشرت الأمراض فيها ممّا أدّى إلى موت الملايين، كما عادت القبائل إلى الاختلاف فيما بينما بسبب وجود قيادة ضعيفة.

أضف إلى كلّ ما سبق أنّ الجيش المصري بدأ يرتّب نفسه من جديد لدخول السّودان. فبعد أن احتلّت بريطانيا مصر في تلك الفترة، رأت أن تخرج الجيش المصري من السّودان إلى أن تضبط أمورها.

ظلّت السّودان تحت حكم المهدية المضطرب إلى أن قرّرت بريطانيا استعادتها ثانية، وذلك تبعا للتّنافس بينها وبين فرنسا في احتلال الأراضي الأفريقية. وهكذا قامت بتنظيم جيش من مصر ليدخل السّودان، وذلك سنة 1896. وبحلول عام 1898، تمّ الدّخول إلى أمّ درمان حيث كان الخليفة التّعايشي وتمّت هزيمة جيش المهدية هناك. وقد حاول عبد الله التّعايشي ومن معه الهروب إلّا أنّ البريطانيين لم يكفّوا عن البحث عنه إلى أن قتلوه سنة 1899.

وهكذا بدأت حقبة جديدة في تاريخ السّودان، وهي ما يسمّى بالحكم الثنائي الانجليزي المصري. حيث تمّ توقيع اتّفاقية بين بريطانيا ومصر على تسيير السّودان معا، وعلى أن يرفع كلا العلمان على أرضها. وطبعا تمّ استرجاع كلّ الأراضي الّتي كانت تحت مصر خلال فترة تركيا القديمة. إضافة لذلك، استطاع حاكم دارفور، وهو علي دينار، أن يحتفظ بها لفترة مع الإبقاء على علاقته بالاحتلال علاقة ودّية.

سنفصّل في المقال القادم ما دار إبّان الحكم الثّنائي، أو الاحتلال الانجليزي المصري للسّودان، وكيف كان له الأثر الكبير على سودان اليوم.

المصادر

حسين، عبد الله، السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، الجزء الأوّل والجزء الثاني، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا