الروهينغا

تعرّفوا على مأساة الروهينغا من بدايتها إلى يومنا هذا

لم تبدأ مأساة الروهينغا مؤخّرا فقط، بل تعود مأساتهم إلى عام 1942 حينما تعرّضوا لأوّل مجزرة على يد البوذيين في بورما، والّتي غيّرت اسمها لتصبح ميانمار. لكن قد بدأ تركيز وسائل الإعلام على مأساتهم بشكل مكثّف منذ حوالي 4 سنوات تقريبا بسبب أحداث جديدة شكّلت المأساة في قالب أكثر قسوة. ولا يبدو واضحا حتّى الآن إن كان هناك أمل في حلّ مشكلة الروهينغا ومنحهم حياة كريمة.

سأحكي لكم في هذا المقال مأساة الروهينغا منذ بدايتها إلى يومنا هذا. وكيف أنّهم يتعرّضون، تماما مثل الإيغور، إلى تطهير عرقي بسبب اختلافهم وبسبب الإسلام الّذي يكرهه ويخافه البوذيون. وسنجد أيضا تشابها آخر بين قصّة هذه الأقلّية وقصص أخرى في منطقتنا، حيث كان الاستعمار سببا في تناحر فئات الشعب الواحد.

قد ترغب بقراءة: قصة الإيغور… المعاناة الصّامتة الّتي استمرّت لسنوات ولازالت

قد ترغب بقراءة: هل سمعتم من قبل عن الزواج عن طريق الاختطاف؟ تعرّفوا عليه هنا

من هم الروهينغا ولماذا يقوم البوذيون في ميانمار باضطهادهم؟

الروهينغا هم مسلمون قدموا إلى ما كان يسمّى مملكة أراكان في القرن الخامس عشر. وقد أصبح اسم المنطقة الآن راخين، وهي جزء من دولة ميانمار، ولازال الروهينغا يسكنونها. أمّا عن أصل كلمة روهينغا الّتي بدأ استخدامها حوالي سنة 1950، فأصحّ التفسيرات تقول بأنّها تعني “من أراكان” في لهجة الروهينغا. أي أنّها تعبّر عن انتمائهم لأرض أراكان سابقا. ويقول المؤرّخون بأنّ أصل الروهينغا يعود إلى التجّار العرب والأتراك والمغول.

تعود مشكلة الروهينغا إلى الحرب العالمية الثانية. فقد كانت منطقة أراكان جزءا من المستعمرة الهندية البريطانية، وقد استخدم البريطانيون المسلمين لمساعدتهم في الحرب، وكانوا يعتبرونهم أكثر إخلاصا من البوذيين في منطقة أراكان. لكن في عام 1942، تقدّمت القوّات اليابانية إلى منطقة أراكان، فما كان من قوّات بريطانيا سوى التراجع وتسليح المدنيين من الأقلّيات في أراكان، وخاصّة المسلمون. بينما انضمّ البوذيون إلى القوّات اليابانية لأنّها وعدتهم بالاستقلال من البريطانيين.

وبهذا حينما نجحت القوّات اليابانية مع ما كان يسمّى جيش استقلال بورما في دخول أراكان، قام البوذيون بارتكاب أوّل مجزرة في حقّ مسلمي أراكان. والسّبب الآن واضح جدّا. فقبل أن يقوم الاحتلال البريطاني بتقسيم أراكان وتفضيل المسلمين على البوذيين، كان العرقان يتعايشان بشكل عادي في المنطقة. لكن حينما شعر البوذيون بأنّ مسلمي أراكان كانوا خطرا عليهم وعلى الحصول على استقلالهم، فقد صبّوا غضبهم عليهم وعاقبوهم على ذلك.

استطاع البريطانيون أن يستعيدوا أراكان لاحقا، وقد تعرّضت المنطقة في تلك الفترة إلى معارك طاحنة بين البوذيين والروهينغا، لدرجة أصبحت مناطق فيها مخصّصة للمسلمين، وأخرى للبوذيين. لكنّ بريطانيا لم تلق بالا لذلك. وبعد أن حصلت بورما على الاستقلال بشكل كامل سنة 1948، كان أثر تلك الشحناء ضدّ المسلمين ساخنا، وقرّرت بورما بأنّ المسلمين ليسوا جزءا من بورما، وبأنّهم مهاجرون غير شرعيين قدموا من بنغلادش. وبهذا بدأت مأساة اضطهادهم.

ماذا حصل للروهينغا منذ استقلال بورما؟

منذ أن حصلت بورما على الاستقلال، لم تعترف بمسلمي أراكان على أنّهم مواطنون بورميون، بل اعتبرتهم مهاجرين غير شرعيين. وبهذا لم يحصل الروهينغا، منذ تأسيس بورما، على الجنسية. وبهذا لم يكن بإمكانهم الدخول في الحياة المدنية والحصول على الحقوق العادية للمواطنين. فأصحبت أمور مثل الدراسة والعمل والزواج أمورا معقّدة تحتاج إلى تصاريح خاصّة، عكس بقيّة مواطني بورما.

وعلى مرّ العقود، تمّ منح الروهينغا ما سمّي بالبطاقات البيضاء الّتي تجعلهم مواطنين مؤقّتين. لكنّ هذه البطاقات لم تمنحهم الحقوق الكاملة مثل بقيّة المواطنين. أمّأ عن التصويت، فقد سُمح لحاملي البطاقات البيضاء في التصويت عام 2008. لكن سرعان ما تمّ سحب هذا الحقّ منهم عن طريق إلغاء كامل للبطاقات البيضاء في سنة 2015. قامت الحكومة بعدها بمنح الروهينغا بطاقات تصنّفهم على أنّهم أجانب، وقد قالت بأنّها خطوة نحو منحهم الجنسية. لكنّ شيئا من ذلك لم يحصل.

وكما ذكرت من قبل، يعيش الروهينغا في منطقة راخين. وهي أكثر مناطق ميانمار فقرا، وهي منطقة تضمّ بوذيين أيضا. وقد كان عددهم حوالي مليون شخص يعيشون حياة صعبة محرومين من كلّ شيء. إلى أن تغيّر ذلك سنة 2017.

ففي هذه السّنة، ادّعت ميانمار بأنّ تنظيما يسمّى جيش إنقاذ روهينغا أراكان قد قام بعمليات ضدّ قوّات الشرطة. وقد كانت تلك فرصة استغلّتها السّلطات لتشنّ حملة إبادة على قرى الروهينغا في راخين. أمّا ما نتج عن تلك العملية الّتي استغرقت عدّة أشهر، فقد تمثّل في قتل 6700 شخص من الروهينغا، وحرق 288 قرية على الأقلّ تعود للروهينغا، إضافة إلى عمليات اغتصاب واسعة.

أدّت تلك الإبادة العرقية إلى هروب الروهينغا ولجوئهم إلى بنغلادش، حيث يتواجد فيها حاليا حولي 90 ألف لاجئ. إضافة إلى دول أخرى مثل ماليزيا والهند وإندونيسيا. ويُعتبر مخيّم الروهينغا المكتظّ في بنغلادش أكبر مخيّم لاجئين في العالم. حيث يعيش فيه اللاجئون حياة مزرية وقاسية، وهم عرضة لمختلف الأمراض، وغير قادرون على الوصول إلى المياه النقيّة، أو إلى التعليم.

لماذا لا يتحرّك المجتمع الدولي لمساعدة الروهينغا؟

تبقّى الآن في ميانمار حوالي 600 ألف شخص من الروهينغا، لازالوا يعيشون نفس الحياة البائسة. وهناك مخاوف من تعرّضهم لعمليات إبادة جماعية في أيّ لحظة من قبل البوذيين في ميانمار.

ندّدت الأمم المتحدة ومنظّمة حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات بما تعانيه هذه الأقلّية. لكنّ رئيسية ميانمار ظلّت تنكر وجود عمليات إبادة. وذلك رغم عدد اللّاجئين الكبير، ورغم صور القمر الاصطناعي الّتي تظهر القرى المحروقة، ورغم اعترافات رجلين كانا من ضمن الجيش الّذي ارتكب مجزرة 2017.

رئيسة ميانمار أون سان سو تشي، والّتي حصلت على جائزة نوبل من قبل، ظلّت تدافع عن الجيش وتنكر أيّ مجازر بحقّ الروهينغا. وقد قامت أيضا بمنع الصّحفيين من التقرّب من الروهينغا، كما منعت مراقبين من الأمم المتحدة من الوصول إلى راخين للاطلاع على أحوال الروهينغا هناك. وقد تمّ سجن هذه المجرمة مؤخّرا حينما انقلب الجيش على السّلطة في البلاد. ولكنّ رحيلها لا يعني بأنّ مشكلة الروهينغا ستحلّ، فالجيش لن يكون أرحم منها.

مع عجز المنظّمات الحقوقية عن فعل أيّ شيء لمساعدة المسلمين في راخين، قامت بعض الدول بتطبيق عقوبات على كبار قادة الجيش في ميانمار. ومن بين تلك الدول نذكر الولايات المتحدة وكندا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي وأستراليا. كما كانت غامبيا قد تقدّمت بأوّل دعوى قضائية ضدّ ميانمار، وذلك نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.

وكانت الأمم المتحدة قد اقترحت على مجلس الأمن أن يطبّق قانون حظر الأسلحة على ميانمار، لكنّ الصين وروسيا كالعادة كانا بالمرصاد ورفضا ذلك.

الخلاصة

كانت هذه هي قصّة الروهينغا من بدايتها إلى يومنا هذا. وكما قلت في بداية المقال، لا يبدو بأنّ هنالك أيّ أمل لهم حاليا في الحصول على حياة كريمة. فحتّى اللّاجئون في بنغلادش يعيشون حياة صعبة، وقد قامت السلطات مؤخّرا بترحيلهم إلى جزيرة نائية لا أمل لهم في الحياة فيها. كما ترفض بنغلادش الآن أن يصل إليها لاجئون آخرون، ما يجعل إمكانية الهرب من ميانمار أصعب من قبل.

وطبعا لا تحرّك دول إسلامية غنيّة ساكنا. فليس صعبا إيجاد حلّ لمليون مسلم إن قرّرت الدول التعاون لإنقاذهم من ميانمار، لكنّه أمر لن يحدث أبدا. فنحن نعرف بأنّ دول المنطقة كلّها لا تتحرّك بموجب الإسلام، بل بموجب المصلحة فقط. وحينما لا تكون لهم أيّ مصلحة، فسيتجاهلون مشكلة الروهينغا تماما كما يتجاهلون مشكلة الإيغور، وغيرها من أزمات المسلمين.

مصادر مهمّة مضمّنة في نصّ المقال لمن أراد الاطّلاع على المزيد.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا