وفاة المخرج المبدع حاتم علي

حاتم علي إلى رحمة الله… لماذا حصل هذا المخرج المبدع على كلّ هذا الصدى؟

وفاة المخرج المبدع حاتم علي كانت حتما خبرا مفاجئا. ورغم أنّني شخصيا لم أشاهد إلّا القليل من إنتاجاته. إلّا أنّني أعترف بأنّه قدّم إرثا كبيرا جدّا لا يُنسى. وقد ساهمت إنتاجاته المهمّة في تعليم الشعوب عن حقيقة تاريخهم ومصيرهم المشترك. ولا شكّ أنّ التغريبة الفلسطينية، تلك الرائعة الّتي لا أملّ مشاهدتها، هي أهمّ ما قدّمه هذا المخرج. حيث استطاع أن يحكي بطريقة جميلة مبدعة كلّ ما عاناه الفلسطيني خلال النكبة.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: كفالة مجهول النسب في الإسلام، بين التعسّف ونظرة المجتمع السوداء

وفاة المخرج المبدع حاتم علي جعلتنا نتذكّر أفضل ما قدّمه

ربّما قد توقّفت مؤخّرا عن مشاهدة المسلسلات. لكنّ الزمن الجميل جعلنا جميعا نشترك في مشاهدة روائع لم تتكرّر. وكلّها كانت من إخراج حاتم علي.

فمسلسل أحلام كبيرة كان واحدا من روائع ما قدّمه. حيث ظهرت فيه صورة حياة العائلة العادية الّتي يحاول أفرادها جاهدين إيجاد الحب والعيش الكريم. وقد كان كلّ جزء منه جميلا بكلّ ما للكلمة من معنى. فتصوير حياة تفاعل الأشقّاء مع بعضهم وتفاعل الأب والأم مع الأبناء. كلّ ذلك كان له لمسة مميّزة تزرع الدّفء في المشاهدين.

ومسلسل الزير سالم كان بدوره رائعة من روائع المخرج حاتم علي. إذ احتوت كلّ مشاهده على جمال البادية وتعقيدها في نفس الوقت.

هذا عدا عن المسلسلات التاريخية المهمّة الّتي أخرجها حاتم علي، والّتي عرّفت الشعوب العربية بتاريخها الكبير. ونذكر عمر وربيع قرطبة وغيرها من الأعمال.

لكن ما ترك أثرا خاصّا في نفسي كان مسلسل التغريبة الفلسطينية. فحكاية النكبة وحكاية ضياع فلسطين. وحكاية الأمل الّذي لم يمت والحياة الّتي كان يجب أن تتواصل رغم الصّعاب. كلّ جزء من التغريبة كان يلامس روح المشاهد العربي الّذي يحلم بأن يشارك يوما في تحرير فلسطين.

والجزء الأهمّ بالنّسبة لي كان نهاية الحكاية. وقد جسّد دور تلك النّهاية المميّزة حاتم علي نفسه. فبعد أن حاول في دوره “رشدي” أن يبحث عن الحلول عن طريق الدبلوماسية والقلم والسياسة وغيرها. عرف رشدي في النهاية بأنّ الحلّ الوحيد لاسترجاع الحقّ يكمن في البندقية وحسب. ولا شيء يمكن أن يعيد الحقّ لأصحابه إلّا استخدام القوّة. فما أخذ بالقوّة لا يُسترجع إلّا بالقوّة. وما كان من رشدي سوى أن هرع إلى بندقية خاله وأبيه من قبل. وقد كانت بالفعل أروع نهاية تجسّد ما تحتاجه فلسطين لتتحرّر ممّن اغتصبها.

قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب الهزيمة لكاتبه كريم الشاذلي

هل سيؤثر غياب حاتم علي على الدراما بشكل عام؟

شخصيا لستُ مؤهّلة للإجابة عن هذا. وذلك بسبب ابتعادي عن مشاهدة المسلسلات بشكل عام. لكن الدّراما تقوم حتما بقولبة عقول الشعوب. فالمسلسلات السورية خاصّة دخلت كلّ منزل في الوطن العربي. ولا زلت أتذكّر كيف تقوم الفتيات الصغيرات حينما يلعبن خارجا بتقليد ما يرينه فيها وباللهجة السورية أيضا.

ولأجل هذا تكون الدراما سلاحا ذو حدّين. فلم أحبّ يوما تلك المسلسلات السخيفة الّتي تظهر النساء على أنّ شغلهنّ الوحيد هو الثرثرة والنميمة وكره بعضهنّ البعض. فهذا ممّا يؤثّر سلبا في الفتيات الصغيرات ويجعلهنّ يكبرن بفكرة سلبية عن المرأة. وربّما يملن لتقليد ما يرينه في الحياة. وبنفس الوقت، تظهر الشاب هائما على وجهه لأجل الزواج كما لو أنّه كلّ همّ الحياة. وتكرّس أيضا لسيطرة الآباء والأمّهات على الأبناء وتسيير حياتهم كما يحلو لهم. بينما يجب أن تكبر الأسرة على التفاهم.

ومن الناحية الإيجابية. يمكن أن تعلّم الدراما الشعوب عن تاريخها الضائع، مثل إنتاجات حاتم علي المميّزة. كما يمكن أن تزرع في مشاهديها أفكارا إيجابية عن الحياة والمثابرة فيها. ويمكن أن تلفت الانتباه إلى القضايا المهمّة في المجتمع وتطرح حلّا لها. وتكون هذه الطريقة أفضل طريقة لقولبة العقول من أيّ طريقة أخرى لإصلاح القضايا في المجتمع. وفعل هذا يحتاج إلى كاتب شجاع ومخرج شجاع له هدف من خلال ما ينتجه.

ولهذا تماما يكون الإخراج أمرا مهمّا جدّا لإيصال الرسالة المرغوبة. فلو تمّ إخراج نهاية التغريبة بأيّ طريقة أخرى غير تلك، لما تركت تلك اللقطة خلفها صدى كبيرا ورسالة كبيرة للوطن العربي. ولهذا أيضا هي خسارة حتما وفاة المخرج حاتم علي. لكنّها سنّة الحياة.

الصورة البارزة للمقال



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا