أزمة المرأة الشرقية

أزمة المرأة الشرقية… إليكم السبب الرئيسي للمجتمع الشرقي الذكوري

ربّما لم يفكّر البعض في هذا المصطلح من قبل، لكنّ أزمة المرأة الشرقية هي حقيقة في مجتمعنا. وقد كتبت مقالا عن أزمة الرجل الشرقي تحدّثت فيه عن مختلف مظاهر هذه الأزمة وأسبابها. ومن أهمّ هذه الأسباب هي المرأة الشرقية. فالمرأة أمّا وأختا وزوجة تعمل على قولبة أزمة الرجل الشرقي في مختلف مراحل حياته. ثمّ ماذا تفعل هذه المرأة الشرقية؟ تقوم بدورها طبعا الّذي عهدناه، وهو أن تشكو المجتمع الذكوري وتلعب دور الضحية بامتياز في أزمة هي من صنعها.

سأتحدّث في هذا المقال عن أزمة المرأة الشرقية، وكيف أنّ رضاها بدور الضحية وتربيتها الخاطئة هي ما جعلت مجتمعنا مليئا بالأزمات. وكيف يجب أن تحارب المرأة على مختلف الجهات بحزم إن أرادت الخروج من أزمتها وإصلاح المجتمع.

احصل على ثانوية الأشباح

أزمة المرأة الشرقية تبدأ بالأم

تقوم المرأة كأم ببناء المجتمع كلّه، رجالا ونساء. ولهذا لها كلّ القدرة على بناء مجتمع صالح أو مجتمع مليء بالأزمات. وللأسف لازالت الأم في المجتمع الشرقي تفعل نفس الشيء جيلا بعد جيل. تربّي ذكرا متأزّما متسلّطا ينقصه العطف والحنان. وتربّي أنثى دونية تكمن قوّتها الوحيدة في دموعها أو في جسدها، وفخرها الوحيد في قدر العدس الّذي تعدّه للغداء.

فالأم تقترف جريمة بحقّ أبنائها في مجتمعاتنا. وجريمتها في حقّ ابنتها تكون بتربيتها على أن تكون أنثى فقط، لا شخصا كاملا حرّا. فتكبر البنت وهي تعتقد بأنّ مهمّتها هي خدمة المنزل. وتكبر وهي تنتظر بفارع الصبر أن تتزوّج ويصبح لديها ما يسمّى “مملكة حوّاء”. ويا له من مصطلح سخيف، حيث جعلوا الحياة كلّها للرجل، ومنحوا المرأة ذلك البيت الصّغير ليكون حياتها كلّها.

وبهذا تكبر الفتاة على التفكير بأنّ الحياة كلّها عبارة عن رجل وعن بيت. ولا تحاول التفكير في حياة غير هذه. وحينما تحصل أخيرا على ذلك الرجل، تًصدم بالحقيقة المرّة. وهي حقيقة أنّها لن تحصل من ذلك الرجل المتأزّم بدوره على أيّ شيء. وستجد بأنّها مجرّد أداة جنسية لا أكثر. ولهذا تيأس المرأة من فكرة الحياة الوردية مع الزوج، فتلتفت لأبنائها وتعيش لأجلهم.

ولأنّها كبرت متأزّمة، فستزرع تلك الأزمات في أبنائها بدورها. فستجعل ابنها رجلا في سنّ مبكّرة وتنهره إن أظهر أيّ ضعف. وستجعل من ابنتها كائنا ضعيفا يجب أن ينتظر العون من الرجل دوما. ولن تجرؤ على إخبار ابنتها بأنّ بيت الزوجية الوردي كان خدعة بالنسبة لها. إذ تقرّر بأنّ حظّها لم يكن جيّدا فقط، ويجب أن يكون حظّ ابنتها أفضل منها. فتزرع فيها نفس الأفكار بأن تعتبر الزوج الحياة كلّها، وبأنّه سيكون كمصباح علاء الدين، يحقّق لها كلّ ما ترغب به في الحياة.

قد ترغب بقراءة: كيف يحاول العالم العربي إقحام الدين حينما يتعلّق الأمر بعادات وتقاليد محضة

بعض مظاهر أزمة المرأة الشرقية

لازلنا نرى ذلك الاجتماع النسوي حينما يسألن عن إحدى الفتيات ويعرفن بأنّها قد حصلت على مهنة في منصب رفيع. فيكون السؤل المباشر “وهل تزوّجت؟”. إذ لا تستطيع المرأة الشرقية أن تتقبّل بأنّه من الممكن النجاح في الحياة دون زواج. فلو قارنت هذه المرأة بين رئيسة دولة غير متزوّجة وبين فتاة عادية متزوّجة ولها ستّ أطفال، فستعتبر الفتاة المتزوّجة ناجحة أكثر. فهذا هو مقياس المرأة الشرقية الّذي كبرت عليه. وليس سهلا عليها أن تغيّره.

فالمرأة الشرقية تتمنّى أن تكون حرّة وأن يتمّ معاملتها من قبل الرجل كشخص وليس كأداة جنسية. لكنّها لا تستطيع الاعتراف بذلك لأنّها تعتقد بأنّه من الصعب الحصول على تلك المكانة. ولهذا تواصل هذه المرأة انتقاد كلّ من لا تتزوج.

ومن أهمّ هذه المظاهر أيضا هو لعب المرأة دور الضحيّة. فهي تحبّ أن تكون ضحيّة ذكورية المجتمع. ولذلك لا تحاول بأيّ طريقة أن ترفع الظلم عنها. لأنّها لا تتخيّل نفسها مكرّمة، بل يجب أن تكون ضحيّة دوما. ولهذا نرى نساء يقبلن الزواج من أيّ شخص، ولو كان غير مناسب من مختلف النواحي، فقط ليتمّ اعتبارهنّ ناجحات من قبل المجتمع. ويحدث هذا خاصّة للنّساء ممّن تجاوزن عمرا معيّنا ويخشين من العنوسة.

ولهذا أيضا نرى نساء يُضربن من قبل أزواجهنّ بسبب وبدون سبب، لكنّهنّ لا يلجأن للقضاء ولا حتّى للأهل. إذ يكون دور الضحيّة هنا أهمّ من استعادة الكرامة.

ولهذا أيضا نرى نساء يقبلن سيطرة الرجل عليهنّ بخنوع. إذ طالما اعتقدن بأنّ جنّة الدنيا على الأرض بالنسبة للمرأة تتمثّل في رجل. فطالما ذلك الرجل يحبّها، لا بأس أن تتخلّى عن العمل والأحلام لأجله. لكنّها سرعان ما تصطدم بواقع اختفاء ذلك الحبّ بعد الزواج. فتعيش المرأة نادمة على ترك الأحلام مقابل حياة باردة كالثلج.

كثيرا ما تدفن المرأة حيّة في هذا المجتمع

لقد وضعت اللّوم كلّه على المرأة، بسبب خنوعها من جهة، وبسبب تعليمها لأولادها نفس التعاليم المنحرفة، والّتي تعلم هي يقينا بأنّها خاطئة، لكنّها لا تستطيع أن تعترف بذلك، مثلها مثل الرجل الشرقي.

لكن لا ننسى طبعا بأنّ هذا المجتمع الّذكوري الّذي أنتجه المرأة، وهذا الرجل الشرقي المتأزّم الّذي قامت ببنائه، يعملان على دفنها حيّة في الحياة. فهناك نساء يرغبن بالخروج من هذه الدوّامة ويرغبن بالحصول على الحقّ في الحياة، لكن لا يستطعن ذلك. وأذكر هنا ما تتعرّض له المرأة السعودية من قهر، إذ يتمّ اعتبارها قاصرا لا يُسمح لها بفعل شيء دون إذن رجل، ولو كان ذلك الرجل ابنها.

فالعيش في بيئة مغلقة كهذه يصعب الإفلات منها هو حتما بلاء على أولئك النّساء، وكلّ ما عليهنّ فعله هو محاولة الخروج من حالة الدونية تلك، ولهنّ أن يحاسب الله كلّ من استعبد إماء الله اللّاتي ولدن أحرارا. فحقّهنّ إن ضاع في الدّنيا، فلن يضيع في الآخرة.

ولازلت أتذكّر قصص فتيات استطعن الهروب من السعودية ولجأن إلى دول أخرى. وكيف خرجت تلك الفتيات من الإسلام. ثمّ تجد المجتمع يعتبرهنّ ضالّات منحرفات يبحثن عن الفسوق. لكنّ هؤلاء الذكور، ممّن ينعتن الفتيات بهذه الصّفات، لم يجرّبوا العيش في قفص، فإن جرّبوا ذلك فسيتصرّفون بأسوأ من ذلك. وما نتيجة خروج تلك الفتيات من الإسلام إلّا لأنّهنّ صدّقن طوال حياتهنّ بأنّ الإسلام يعتبرهنّ دونيات وبأن لا حياة في دين يحرم المرأة من كلّ شيء. وأدعو الله لهنّ النجاة ودخول الإسلام الحقيقي.

قد ترغب بقراءة: الوسطية في الإسلام وكيف ينظر إليها المسلم المتشدّد والمسلم الكيوت

لكن في المقابل، هناك مجتمعات يلعب فيهنّ القانون دوره على أكمل وجه.

ومع ذلك لا تتوجّه المرأة إلى القانون، لأنّها ببساطة تخشى من نظرة المجتمع إليها. وهنا تظلم المرأة نفسها بنفسها. فعلى المرأة أن تفهم بدورها معنى قوامة الرجل على المرأة، والّتي قد شرحتها في مقال سابق. فهي تعني أن يقوم الرجل بشؤون المرأة وأن يحميها ويكون سندا لها. ولا يدخل فيها مطلقا أن يتحكّم في حياتها أو يسجنها.

فعلى المرأة أن تفهم بأنّه لا طاعة لزوج ظالم، ولا طاعة لأب ظالم، ولا حقّ لأخيها عليها، بل هي من لها حقّ على أخيها بأن يهتمّ بها ويحميها. فقوامته واجب عليه، وليست حقّا له كما يفهمها مجتمعنا الّذي يحوّل المفاهيم حسب رغبة الأقوى.

وأنا أعلم بأنّ هذا الكلام يبدو غريبا بالنّسبة للمرأة الّتي تشعر بأنّ تمرّدها على الرجال يعني الكفر حسب ما خدعها به بعض رجال الدين المتعصّبين. وسيظنّ الرّجل بأنّني أحرّض النساء على التمرّد. لكنّها الحقيقة شئت ذلك أم أبيت أيّها الرجل وأيّتها المرأة. وأبسط مثال كنت قد ذكرته في مقال القوامة، يتمثّل في أنّ المرأة إن جاءها خاطب ترضاه ولم يوافق وليّها على تزويجها فقط لأنّه يعتقد بأنّه يتحكّم في حياتها. فهنا يجب على المرأة أن تلجأ إلى القاضي ليقوم بتزويجها. فحتّى الأمر الوحيد في الإسلام الّذي يجعل فيه الرجل وليّا على المرأة، لا يحقّ لهذا الوليّ أن يسيء استخدام هذا الدّور. فهو وليّ ليقوم بعقد النكاح فقط، وليس له أن يجبرها على شيء. فما بالك ببقيّة أمور الحياة الّتي لا يحقّ لأحد أن يتدخّل فيها، بل للمرأة مطلق الحرّية بأن تتصرّف في حياتها كما تشاء؟

خلاصة القول

لعلّ أزمة المرأة الشرقية أكبر بكثير من أزمة الرجل الشرقي. فالمرأة من تنتج الرجال والنساء. وهي من تنتجهم متأزّمين بسبب رفضها الاعتراف بأنّها عاشت حياتها بشكل خاطئ وعاشت خدعة كبيرة اكتشفتها بعد الزواج فقط. ولا شكّ بأنّ عودة المرأة إلى الطريق الصواب ليست سهلة. بل تحتاج لتعليم لها ولزوجها لكيفية تربية الأبناء تربية سليمة، فيتمّ كسر حلقة المجتمع المتأزّم.

ويمكن الاطّلاع من هنا على مقالي عن أزمة الرجل الشرقي، فكلا الأزمتان تكمّل إحداهما الأخرى. كما يمكن الاطلاع على مقالات مهمّة لتفهم المرأة مكانتها الحقيقية في الإسلام، وأذكر مقالي عن ضرب المرأة في القرآن، ومقالي عن تعدد الزوجات، ومقالي عن نشوز الزوج، ومقالي عن تغطية الوجه.



التعليقات

  1. قرأت المقالين، هذا حقيقة يرتبط بفهوم النجاح أولاً،
    ما هو النجاح وما مقياسه؟ ما الذي ترنو إليه المرأة وما الذي يسعى إليه الرجل؟ ما معنى تحقيق الذات؟ وعلى أيّ صعيد؟
    الأجدر أن يبحث كلٌ منهما عن دوره في هذه الحياة وما أُنيط به، إذاً لسقط الخلاف.

    1. لا أعتقد بأنّك فهمت المغزى من المقال أبدا للأسف. أنا أتحدّث هنا عن أزمة مجتمع يدور في دوّامة من الأخطاء في التربية ثمّ يشكو منها دون أن يحاول كلا الطرفان الخروج منها. أنا أتحدّث عن عادات وتقاليد متجذّرة في الأذهان تجعل مجتمعاتنا بائسة تخرج أجيالا مشوّهة نفسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا