الزواج عن طريق الاختطاف

هل سمعتم من قبل عن الزواج عن طريق الاختطاف؟ تعرّفوا عليه هنا

إن كنتم لم تسمعوا من قبل بهذه العادة الغريبة، فلا شكّ بأنّكم ستصدمون لمعرفة تفاصيلها. فالزواج عن طريق الاختطاف، أو ما يسمّى بزواج الاختطاف، أو اختطاف العروس، هو عادة انتشرت قديما في بعض المناطق الآسيوية، وللأسف لازال معمولا بها إلى يومنا هذا.

وكما يوحي الاسم تماما، الأمر عبارة عن عملية خطف يتشارك فيها العريس المزعوم مع أهله، حيث يخطفون فتاة ما ويجبرونها على الزواج من ابنهم. واحزروا ماذا؟ لا يستطيع حتّى أهل الفتاة إنقاذها من مصيرها ذاك، لتكون النهاية ليس فقط رضى الفتاة بذلك الزواج بسبب ضغط التقاليد عليها، بل وينتهي في غالب الأحيان بانتحار الفتاة.

تحدث مثل هذه الجرائم في القوقاز وآسيا الوسطى ومناطق من أفريقيا. وتحديدا في دول مثل أرمينيا وأذربيجان وقيرغيزستان وإندونيسيا وكازاخستان وإثيوبيا وجنوب أفريقيا. وتحصل غالبا في المناطق الريفية الّتي لاتزال فيها العادات والتقاليد مسيطرة رغم تعلّم أبنائها ودخولهم الجامعات.

سأحكي لكم في هذا المقال تفاصيل الزواج عن طريق الاختطاف وما تفعله الفتيات حيال ذلك.

قد ترغب بقراءة: قصّة الشيخة لطيفة بنت حاكم دبي الكاملة وسبب حبسها

قد ترغب بقراءة: أسباب التحرش الجنسي الحقيقية ولماذا أصبح أمرا طبيعيا

كيف يحدث الزواج عن طريق الاختطاف؟

مقطع الفيديو أدناه هو أحد تقارير VICE بشأن مشكلة الزواج عن طريق الاختطاف. حيث استطاع الصحفي في هذا التقرير أن يصوّر عملية اختطاف عروس بشكل كامل، وذلك في إحدى المناطق الريفية في دولة قيرغيزستان. ويمكن ملاحظة علامات الحيرة والغثيان على وجه الصحفي وهو يستمع إلى آراء سكّان تلك المنطقة عن اختطاف الفتيات وإكراههنّ على الزواج. هذا عدا أنّ عملية الاختطاف جعلت ملامحه تتجمّد وهو يرى ذلك يحدث أمام عينيه، لكنّه لا يستطيع فعل شيء حياله سوى تصويره وإيصاله للنّاس.

ما يحدث ببساطة في عملية الزواج عن طريق الاختطاف، هو أنّ الشاب يختار فتاة ويخبر عائلته الّتي تقوم باختطافها له. ربّما تكون تلك الفتاة من معارف الشاب، وربّما تكون فتاة لمحها في الطريق فقط فقرّر أن يخطفها. أيّا كانت طريقة اختيار الفتاة، فالنتيجة واحدة وهو اختطافها وتزويجها له بالقوّة.

ولأنّ تقاليد تلك المناطق معفّنة بقدر ما هي عقول أهلها، فإنّ الفتاة لا تستطيع الهروب من المنزل بعد خطفها لأنّ التقاليد تخبرها بأنّها تقترف ذنبا كبيرا وبأنّها لن تتزوّج أو تنجب طوال حياتها إن هي غادرت ذلك المنزل. بل وحتّى أهل الفتاة لا يستطيعون إنقاذها إن تمّ اختطافها. إذ كلّ ما عليهم فعله هو الرّضى بذلك لأنّ المجتمع لن يرحمهم ولن يرحمها إن هي رفضت الزواج.

لا شكّ بأنّ عقل أيّ شخص خارج هذه المناطق سيتعطّل وهو يقرأ هذا الكلام. فكيف يمكن تصوّر زواج عن طريق الاختطاف؟ وكيف يمكن تصوّر أم أو أب يعلمان باختطاف ابنتهما وإكراهها على الزواج ولا يحرّكان ساكنا فقط لأنّها تقاليد؟ ليس هذا إلّا دليلا آخر على مدى خطورة العادات والتقاليد، فهي حينما تُحفر في أذهان أفراد مجتمع ما، فلن يكون التخلّص منها بالأمر السّهل.

وحينما تضطرّ الفتاة للرّضوخ ولا تجد منقذا لها من ذلّها، فإنّها تعمد إلى الانتحار. فكم من أسرة فقدت ابنة بسبب حالات الانتحار هذه، ولا تتمّ معاقبة أيّ طرف من قبل السّلطات، لتخسر الفتاة حياتها دون أن تأخذ العدالة مجراها.

فتيات استطعن النجاة من الزواج عن طريق الاختطاف

حينما يتمّ جلب الفتاة إلى منزل مختطفها، تجد في انتظارها كلّ أفراد العائلة ليتمّ الاحتفال بزواج ابنهم. ومن بين المنتظرين، يتكفّل بالفتاة نساء العائلة. فكما يُقال دوما، تتسبّب المرأة بالأذى للنّساء أكثر ممّا يقوم به الرجل. وتقول العادات بأنّه على كبيرة العائلة أن تلبس الفتاة شالا فوق رأسها، وحينها تصبح فردا من العائلة وتكتمل حفلة الاختطاف. لكنّ الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ.

فقد حكت بعض الفتيات كيف استطعن الهروب من عملية اختطاف من هذا النوع. فقد قالت إحداهنّ بأنّها رفضت أن يوضع الشال فوق رأسها إطلاقا، وقالت بأنّها ترغب بالرحيل. وفي الحقيقة، لا تصدّق النسوة الكبيرات في السنّ بأنّ الفتاة المختطفة ستخالف التقاليد وترحل فعلا، لذلك لا يتوقّفن عن محاولة إقناعها. لكنّ الفتاة الشّجاعة الّتي استطاعت الهرب أخبرتهنّ بأنّها لا تكترث بالتقاليد وبأنّ الأمر يتعلّق بحياتها. فقامت كبيرة العائلة بالانحناء لها لتوافق على الزواج. إذ تقول العادات بأنّ تجاهل انحاء كهذا سيجلب النحس على صاحبه. لكنّ الفتاة لم تكترث وغادرت ذلك المكان، واستطاعت أن تعيش حياتها كما ترغب هي.

وهناك قصص أخرى لم تكن بهذه البساطة، فهناك قصّة فتاة أخرى تمّ حبسها في منزل الخاطف حينما رفضت الفكرة كلّيا. وكانت الفتاة قد أخبرت عائلتها عن طريق رسالة نصيّة حينما تمّ اختطافها. وقد رفضت الفتاة أن تأكل وأصرّت على المغادرة. وبعد ستّة أيّام، استطاع والدها وأختها مع بعض أفراد منظّمة حقوقية تحريرها من مختطفيها.

والأسوأ في كلّ هذا هو أنّ السّلطات قد فعّلت قوانين صارمة ضدّ من يقوم بعملية اختطاف، لكنّ الأسر نادرا ما تقوم بتبليغ الشرطة خوفا من العار. وعمليات تحرير الفتيات بعد الاختطاف هي عمليات نادرة. إذ غالبا ما ترضخ أسرة الفتاة لضغوط عادات وتقاليد المجتمع، وتخشى من وصم ابنتهم بالعار إن هي رفضت ذلك الزواج. فما يكون من الفتاة سوى الرضوخ للأمر الواقع، أو الانتحار.

بعض الحقائق عن الزواج عن طريق الاختطاف

  • لم يتمّ تجريم الزواج عن طريق الاختطاف في قيرغيزستان إلّا في عام 2013، حيث وصلت العقوبة إلى السّجن مدّة 10 سنوات.
  • تقول الإحصائيات بأنّ حوالي 12000 فتاة يتمّ اختطافها سنويا في قيرغيزستان لأجل الزواج بالقوّة، غالبهنّ فتيات صغيرات تحت سنّ 18.
  • في إثيوبيا، تمّ تجريم الزواج عن طريق الاختطاف منذ 2004. وتصل العقوبة إلى السجن مدّة 20 عاما.
  • لم تقم الدول الأخرى، من بينها إندونيسيا، بسنّ أيّ قوانين لمكافحة هذه المشكلة.
  • يحدث الزواج عن طريق الاختطاف لأسباب ذكورية لا أكثر. أهمّها حينما لا يكون الشاب قادرا على دفع مصاريف الزواج. وأيضا حينما يكون على يقين بأنّ الفتاة لن تقبل الزواج به إن هو تقدّم لطلب يدها بشكل عادي لأنّه أقلّ مستوى منها.
  • المرأة هي أهمّ عامل في مشكلة الزواج عن طريق الاختطاف. فحينما تقوم أم المختطف بالموافقة على الفكرة، وحينما توافق أمّ الفتاة نفسها على ذلك وتقنع ابنتها بالرضى بالأمر الواقع. حينها تكون المرأة عاملا فاعلا في معاناة النساء.
  • رغم أنّه لا يتمّ أحيانا اغتصاب الفتاة إلّا بعد أن توافق على الزواج من مختطفها، إلّا أنّ حالات كثيرة يتمّ فيها السّماح للابن باغتصاب الفتاة. ما يجعل فرصتها في الهرب أقلّ بسبب الأذى النفسي الّذي تتعرّض له.
  • كثيرا ما تقوم أسرة المختطف بنقل الفتاة إلى قرية أخرى لمنعها من الهرب. كما يقومون بعزلها وبمنعها مع التواصل مع أهلها كي ترضخ بسرعة وتقبل بالأمر الواقع.

الخلاصة

الكتابة عن هذا الموضوع تسبّب نوعا خاصّا من الإحباط والاكتئاب، إذ لا يصدّق العقل كيف يتمّ التلاعب بالنّساء بهذا الشكل في هذا العالم. لكن مع ذلك، من الجيّد وجود فتيات شجاعات بدأن بالعمل لمكافحة ظاهرة الزواج عن طريق الاختطاف. ومن الجيّد وجود منظّمات حقوقية تهتمّ بالموضوع.

في ختام هذا المقال، سأقول ثانية بأنّ العادات والتقاليد مدمّرة مهما كان نوعها، وغالبا ما يكون أذاها على المرأة أكثر من الرجل. ولذلك نجد المجتمعات الّتي تقدّس العادات والتقاليد مجتمعات بائسة تعيش تحت ظلّ أفكار متخلّفة.

بعض المصادر المهمّة للاطلاع على المزيد

مصدر الصورة البارزة للمقال.

https://www.bbc.com/arabic/world-53490679

https://www.reuters.com/article/us-kyrgyzstan-women-bride-kidnapping-idUSKBN1AH5GI

https://www.thenewhumanitarian.org/feature/2007/02/23/ethiopia-surviving-forced-marriage

https://www.hrw.org/reports/2006/kyrgyzstan0906/3.htm



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا