تغطية الوجه في الإسلام

هل يجب على المرأة تغطية وجهها في الإسلام؟ (2)

أوردنا في المقال السّابق الأدلّة الّتي ذكرها الألباني عن تغطية الوجه ليؤكّد أن المرأة ليست ملزمة بتغطية وجهها، وسننتقل الآن إلى الأدلّة الّتي جاء بها التّويجري في كتابه ليثبت عكس ذلك. ثمّ سننتقل إلى ردّ الألباني عليه وعلى غيره في كتاب الردّ المفحم.

قد ترغب بقراءة: أصل عيد الحب وهل هو عيد ديني مسيحي أو عيد وثني؟

احصل على ثانوية الأشباح

ما الّذي قاله التّويجري في كتابه “الصّارم المشهور” عن تغطية الوجه؟

قبل أن نشرع في ذكر الأدلّة الّتي جاء بها، علينا أن نشير إلى أنّ التويجري يحاول في كتابه أن يدلّ على أنّ النّظر ممنوع إطلاقا من المرأة إلى الرّجل ومن الرّجل إلى المرأة، لذلك سنخلط هنا الأدلّة الّتي أوردها بشأن ذلك وبشأن ستر وجه المرأة.

1. حديث أمّ سلمة حينما أمرها الرّسول مع ميمونة أن يحتجبا من ابن أمّ مكتوم الأعمى قائلا لهما “أفعمياوان أنتما؟” في دلالة على أنّه لا يجب عليهما رؤيته. قال التّرمذي أنّه حديث حسن صحيح، وقال الحافظ ابن حجر أنّ إسناده قويّ.

2. حديث عائشة أنّها كانت تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. وهو حديث متّفق عليه. قال التّويجري أنّ النّووي قد قال عن هذا الحديث أنّها لم تكن تنظر إلى أجسادهم ووجوههم بل إلى لعبهم!

3. في تفسير آية لا يبدين زينتهنّ: ذكر التّويجري تفسير ابن مسعود الّذي قال: لا خلخال ولا شنف ولا قرط ولا قلادة، إلّا ما ظهر منها أي الثّياب. ثمّ ذكر تفسير ابن عبّاس الّذي رواه كثير من السّلف حيث قال: إلّا الوجه والكفّان والخاتم. وقد قال التّويجري أنّه يحتمل أن يكون ما في الوجه والكفّين من زينة، وليس الوجه والكفّان!

4. آية يضربن بخمورهنّ، وآية الجلباب، يقول التّويجري أنّ معناها تغطية الوجه، لكن لم يأت بما يدلّ على ذلك (إلّا قول للحافظ) ولا على أنّ الخمار يغطّي الوجه، لذلك سنذكر لاحقا ما جاء به الألباني كأدلّة على أنّ الخمار يغطّي الرّأس فقط، وما معنى أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ.

5. آية القواعد من النّساء اللّاتي يحلّ لهنّ وضع ثيابهنّ، جاء تفسيرها على أنّ المرأة العجوز لها أن تتخلّى عن الجلباب، وأورد التّويجري حديثا رواه البيهقي في سننه أنّهم دخلوا على حفصة بنت سيرين وهي تضع الجلباب منتقبة، فتلوا عليها الآية فقالت بأنّ تتمّة الآية تعني إثبات الحجاب “وليستعففن خير لهنّ”.

6. آية الجلباب. ذكر التّويجري كثيرا ممّن يفسّرون الجلباب ممّن قالوا يغطّي جميع الجسد. ثمّ ذكر من قالوا بشكل خاصّ أنّه يُقصد به تغطية الوجه أيضا وهم: محمّد بن سيرين عن عبيدة السّلماني والواحدي والقرطبي وأبو حيان والسدّي. ثمّ ذكر من قال أنّها المقانع، وشرح التّويجري المقانع على أنّها ما تغطّي به المرأة رأسها ومحاسنها!

أ. ذكر تفسير ابن عبّاس لهذه الآية والّذي رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، حيث قال أنّ النّساء أمرن أن يغطّين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.

ب. ذكر أنّ عمر كان إذا رأى أمة مختمرة نهاها عن التشبّه بالحرائر، ثمّ سرد كلاما كثيرا عن الفرق بين الحرّة والأمة في تغطية الوجه من عدمها، واختصاره أنّ الأمة لا يجب عليها، لكن يكون ضروريا إن خُشي منها الفتنة، وأحيانا يقول أنّها كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر ولا تفعل الإماء!

7. حديث بنت قيس الّتي أمرها الرّسول أن تعتدّ عند ابن أمّ مكتوم الأعمى، فيقول التّويجري أنّه دليل على تغطية الوجه لأنّه قال “إذا وضعت خمارك لم يرك” لأنّه يرى أنّ الخمار يغطّي الوجه أيضا.

8. حديث لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفّازين. رواه أحمد والبخاري وغيرهما، أورد التّويجري شرحه عن ابن تيمية أنّه قال لا يجب أن تلبس القفّازين والنّقاب فقط، لكن عليها أن تسدل على وجهها. وهو دليل أيضا أنّ المرأة غير المحرمة لا تكشف وجهها.

أ. ذكر حديث عائشة أنّها قالت كان يمرّ بنا الرّكبان ونحن محرمات فكنّا نسدل على وجوهنا ونكشف حينما يمرّون. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدّارقطني.

ب. ذكر التّويجري (أعتقد أنّه كان ينقله عن ابن القيّم) حديثا لعائشة قالت عن المحرمة أنّها لا تنتقب ولا تتلثّم وتسدل الثّوب على وجهها. لم يذكر التّويجري تخريج الحديث.

ج. استغربت نقلا ذكره التّويجري عن ابن القيّم أنّه قال: “كيف يحرم ستر الوجه في حقّ المرأة، مع أمر الله لها أن تدني عليها من جلبابها، لئلّا تُعرف ويُفتتن بصورتها”! نعلم أنّ الآية تقول “ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين” ولم تذكر الآية خشية الافتتان بالنّساء!

د. ذكر حديث فاطمة بنت المنذر أنّها قالت كنّا نخمّر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء. لم يذكر من نقل هذا الكلام.

9. حديث متلفّعات بمروطهنّ لا يعرفن من الغلس. شرع التّويجري في شرح التلفّع بالمرط وأنّه تغطية الوجه.

10. حديث عائشة أنّ آية ليضربن بخمرهنّ، قالت قامت النّساء إلى مروطهنّ فاعتجرن بها. حديث رواه ابن أبي حاتم.

11. حديث أنّ الرّسول ومعه جماعة مرّوا بفاطمة فقالوا “لا نظنّه عرفها”. رواه أحمد والنّسائي وغيرهما، وقال الحاكم صحيح على شرط الشّيخين لكن لم يخرجاه. يذكره التّويجري على أنّه دليل على تغطية فاطمة لوجهها لذلك لم يعرفها.

12. حديث عائشة أنّها قالت “تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها”. ذكر المؤلّف أنّ إسناده صحيح على شرط الشّيخين، ورواه أبو داود بلفظ “المحرمة” بدل المرأة.

13. حيث أنّ ابن عبّاس قال “تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به”، وقد تساءل الرّاوي عن كيفية ذلك فجاءه الجواب أن تضرب به على وجهها! (شخصيا لم أفهم هذا التّناقض هنا لكن سيتمّ تفسيره لاحقا) رواه أبو داود، وذكر أنّ إسناده صحيح على شرط الشّيخين.

14. أنّ فاطمة بنت المنذر روت عن أسماء بنت أبي بكر أنّها قالت “كنّا نغطّي وجوهنا من الرّجال”. رواه الحاكم وقال أنّه صحيح على شرط الشّيخين ولم يخرجاه.

15. حديث عائشة أنّها قالت في حادثة الإفك “خمّرت وجهي بجلبابي”. رواه أحمد والشّيخان.

16. حديث عائشة أنّها كانت مع أخيها عبد الرّحمان على البعير قالت “فجعلت أحسر عن خماري” من شدّة الحرّ. رواه أبو داود في مسنده.

الفرق بين كتاب الألباني وكتاب التّويجري في مسألة تغطية الوجه

عليّ أن أشير هنا إلى أنّني أخذت ممّا ذكره التّويجري تلك الأدلّة الّتي لها علاقة مباشرة بعدم جواز إظهار الوجه والكفّين، فالحقيقة أنّه قد سرد أحاديث كثيرة لا علاقة لها بالموضوع ولذلك تجنّبتها.

الفرق الّذي أريد أن أشير إليه هنا، قبل أن أنتقل إلى المرحلة القادمة من هذه المقارنة، هو أنّ كتاب الألباني منظّم جدّا يتّضح جليّا أنّه ينبع من محقّق أكاديمي إن صحّ التّعبير، فسرد الأدلّة منظّم وعلاقتها بموضوع تغطية الوجه بيّنة، كما أنّ مصدر كلّ دليل واضح مذكور بدقّة.

أمّا كتاب التّويجري فمليء بتكرار غريب وكأنّه يحاول حشو فكرة أنّ تغطية الوجه واجبة في عقل القارئ، فلم ينظّم ذكر الأدلّة ممّا أتعبني كثيرا وأنا أحاول أن أفهم الأسلوب الّذي يتّبعه.وحينما فرغت من كتابه وانتقلت إلى كتاب الردّ المفحم، وجدت أنّ الألباني قد لاحظ نفس ملاحظتي، فقد عدّد الصّفحات الّتي فيها تكرار مملّ لنفس الحديث أو لنفس الكلام، كما قال أنّ التّويجري يستعمل العاطفة كثيرا في كلامه، فكثيرا ما يقول “كيف لا تغطّي المرأة وجهها وهو أجمل ما فيها؟”، بينما كان يجب أن يهتمّ بالردّ العلمي.

سأضع في المقال القادم ردّ التّويجري على ثلاثة أحاديث استخدمها الألباني لدعم حجّته أنّ تغطية الوجه غير واجبة، كما سأورد أيضا ردّ الألباني على التّويجري وغيره وذلك في كتابه “الردّ المفحم”.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا