خرافات فيروس كورونا الجديد

خرافات فيروس كورونا الجديد كوفيد 19 الّتي انتشرت في العالم العربي

خرافات فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) انتشرت بانتشار الفيروس وانشغال العالم كلّه به، وقد بدأت تنتشر بين المسلمين كالعادة خرافات مضحكة مخجلة يستحي العقل أن يصدّقها. خرافات تشبه ما اعتدنا رؤيته من قبيل “حبة بطاطا مكتوب عليها اسم الله”، و”ان لم ترسلها لعشر أشخاص ستموت” وغيرها من الخزعبلات الّتي لازال المجتمع العربي يصدّقها ويتابعها رغم التّنبيهات الكثيرة على استخدام العقل قبل الانجرار وراءها.

وربّما أكثر سؤال يحيّرني هنا هو سبب عدم طاعة الفرد لربّه في أبسط الأمور، بينما يظهر إيمانه فقط في مثل هذه الخرافات بأن ينشرها ويكتب معها “سبحان الله”، وكأنّه يعتقد أنّه يتعبّد لله بهذه الطّريقة، والله هو من يطلب من الإنسان أن يفتخر بكونه يملك عقلا وبكونه يكتب ويقرأ فيتعلّم مختلف العلوم في هذه الأرض.

لكن لستُ هنا لأبحث عن إجابة لهذا السّؤال، بل لاستعراض بعض الخرافات الّتي انتشرت مع انتشار فيروس كورونا وأصبح تحدّي محاربتها لا يقلّ أهمّية عن تحدّي التصدّي للفيروس.

من أكثر خرافات فيروس كورونا انتشارا… الصين تفتح المساجد

انتشرت كثيرا على مواقع التّواصل صور للرّئيس الصّيني في أحد المساجد. وقد كتب مخترعو هذه الكذبة بأنّ السّلطات قد قرّرت فتح المساجد بعد انتشار كورونا خوفا ربّما من أفعالهم ضدّ المسلمين.

الحقيقة أنّ المساجد أصلا مفتوحة في الصّين دوما، ويمارس المسلمون هناك عباداتهم بشكل عادي. وتلك الصّورة المنشورة ليست إلّا صورة قديمة تعود لزيارة تفقدّية لأحد المساجد ليس إلّا. وتحقيق نشر تلك الصّورة موجود على موقع فتبيّنوا لمن أراد الاطّلاع.

وممّا ارتبط بمثل هذا الخبر الزّائف كذبة أخرى تقول أنّ الرّئيس الصيني يطلب من المسلمين الدعاء بأن يُرفع البلاء عن الصين. أو عن دخول 20 مليون شخص أو شيء من هذا القبيل دين الإسلام بسبب كورونا. وهي كلّها خرافات لا أساس لها من الصحّة. وكلّها عبارة عن أخبار مفبركة لقيت رواجا بين المتابعين واستمرّوا في نشرها دون محاول لإعمال العقل أو التّحقيق حتّى في صحّتها.

ولمن هو قلق بشأن الإيغور، فالأخبار الأخيرة أظهرت أنّ كثيرا منهم يعملون قسرا لصالح شركات كبرى عالمية. ولازال المعتقلون في معتقلاتهم. فلم يكن كورونا ولا غيره سبب لتغيير تعامل الصّين مع شعب الإيغور، فهو لازال يعاني.

قد ترغب بقراءة: لماذا يستغرق تطوير لقاح فيروس كورونا كوفيد 19 وقتا طويلا؟

احصل على ثانوية الأشباح

ثاني خرافات فيروس كورونا الجديد عن الصين أيضا… لا يصيب مناطق الإيغور

كذبة أخرى انتشرت تدّعي أنّ فيروس كورونا أصاب مختلف مناطق الصّين عدا مناطق الإيغور. وهي خرافة لا أساس لها من الصحّة، فالفيروس ضرب مختلف المناطق في الصّين دون تفرقة بين منطقة أو أخرى، ومناطق الإيغور من ضمنها.

خرافة أخرى لا تعني أيّ شيء سوى المزيد من الانجرار وراء العواطف. ولا أدرى متى يفهم المسلمون العرب أنّ الدّنيا لا تسير بهذه الطّريقة. إن لم نقم نحن بجهد لرفع الظّلم عنّا فلن يرسل الله وباء يصيب الأعداء ويتركنا. فالله يطلب منّا الأخذ بالأسباب، وإلّا لما اضطرّ الرّسول نفسه أن يحارب ويتلقّى كلّ ذلك الأذى الّذي لقيه في سبيل الرّسالة، إن كان الله سينصره ويحطّم له أعداءه دون الحاجة لبذل أيّ جهد.

والمظلوم نفسه مطالب ببذل الجهد لرفع الظّلم عنه مهما كان الحال. ونحن نقرأ في القرآن دوما تلك الآية عن المستضعفين، إذ يلومهم الله على عدم هجرتهم من بلاد الظّلم.

من خرافات فيروس كورونا الجديد المنتشرة… مجرّد لعبة

خرافة أخرى لا أدري لماذا تسكن بأذهان العرب، إذ يعتقدون بأنّ فيروس كورونا هو مجرّد لعبة سياسية وستنتهي حينما يرغب صانعها بذلك.

لم يستطع العلماء حتّى الآن تحديد سبب ظهور فيروس كورونا الجديد. ورغم أنّ الخفافيش بدت كأنّها المصدر الرّئيسي للوباء، إلّا أنّ العلماء قد وجدوا أنّه من المستحيل أن ينتقل الفيروس منها مباشرة إلى الإنسان، بل هناك وسيط مجهول لا يعرفونه.

ففيروس سارس مثلا الّذي انتشر بين سنتي 2002 و2003، كان قد انتشر عن طريق حيوان يدعى قط الزباد. وغالبا ما قد نقل هذا الحيوان الفيروس من الخفافيش إلى الإنسان. وتكمن المشكلة حسب العلماء في طريقة تفاعلنا مع تلك الحيوانات لكي نحمي أنفسنا من انتقال مثل هذه الفيروسات إلى البشر.

أمّا في حالة فيروس كورونا الجديد، فقد شكّ العلماء في حيوان يُدعى آكل النمل الحرشفي، إذ وجدوا تطابقا مع هذا الحيوان بعد إجراء التّحليلات. لكنّ النتائج لازالت غير مؤكّدة، ولازالت الأبحاث جارية لمعرفة السّبب الحقيقي خلفه.

انتشرت طبعا نسخ أخرى لم يتمّ إثباتها من قبل أيّ جهة رسمية، وهي خروج فيروس كورونا الجديد من أحد المختبرات الّتي كانت تجري أبحانا عن فيروس سارس. لكنّها تظلّ مجرّد خرافات ما لم يؤكّدها العلم.

هل هي حرب بيولوجية؟

هناك أيضا نسخ أخرى تقول أنّها حرب بيولوجية يجعلها كلّ طرف حربا موجّهة ضدّه. لكن لنوضّح الأمر جيّدا هنا، فالحروب البيولوجية كانت موجودة بالفعل، وقد تمّ استخدامها في الحروب العالمية من قبل. لكن حصل اتّفاق عام 1969 بين مختلف الدّول على الحدّ من هذا النّوع من الحروب لخطورته، وبدأت عمليات رقابة للتأكّد من عدم تطوير أيّ أوبئة قاتلة، والسّماح بمختبرات إجراء الاختبارات على الفيروسات لإيجاد علاج لها فقط.

لا أحد يستطيع معرفة الحقيقة بشأن هذا الأمر، فالأخبار تنتشر فعلا بانّ هناك مختبرات تقوم بتطوير فيروسات لاستخدامها في الحروب. وقد خُلقت شكوك من قبل بشأن فيروس سارس.

لكن ما لم يتمّ تأكيد هذه المزاعم من خلال تحقيق استقصائي فستظلّ مجرّد مزاعم لا صحّة لها.
ونحن نرى الآن كيف يعاني العالم كلّه مع هذا فيروس كورونا الجديد، فحتّى الدّول الّتي تتبادل الاتّهامات، وهي الصّين وأمريكا وإيران وإسرائيل، تعاني كثيرا بسببه، سواء بسبب خطر الموت أو بسبب الاقتصاد المتضرّر.

قد تقوم الدّول حقّا بمحاولة تطوير أسلحة بيولوجية لاستخدامها وقت الحاجة، لكن برأيي الشّخصي تظلّ هذه محاولات تشبه تطوير الأسلحة النّووية الّتي تُستخدم لاستعراض العضلات فقط، فحينما يتمّ استخدام تلك الأسلحة فسيكون العالم كلّه في خطر، بما في ذلك مستخدمها!

لا مهرب من القضاء والقدر!

ربّما هذه أخطر الخرافات المنتشرة على الإطلاق، وهو الاستهتار بالوباء لأنّه لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا، ولأنّ الأجل مكتوب وما إلى ذلك. وطريقة التّفكير هذه تشوّه دين الإسلام وليست منه في شيء.

فالله يشدّد علينا أن نتّبع الأسباب، أن نحاول دوما السّعي إلى ما نريده، وأن نحمي أنفسنا ونقدّر هذه الحياة الّتي قال عنها أن من أحيا نفسا فهو كمن أحيا النّاس جميعا.

إن سرنا بهذا المفهوم في التّعامل مع الوباء أو مع أيّ خطر يهدّد الحياة، فيمكنني أن أرمي نفسي أمام سيّارة وأقول أنّه إن كان أجلي قد انتهى فسأموت، وإن كان العكس فسأحيا! والأسوء أن تجد من يروّجون له بالقول أنّ الموت بالوباء يعني نيل الشّهادة، وكأنّما يشجّعون النّاس على تقبّل الموت!

لا شكّ أنّ هنالك خرافات أخرى لم تمرّ أمامي، وكلّ ما أتمنّاه هو أن ينضج العقل العربي قليلا في التّعامل مع مختلف هذه الخرافات الّتي تسخر من العقل والعلم والدّين.

قد ترغب بقراءة: لماذا يبدو العرب منافقين في بحثهم عن مثاليات لا يتحلّون بها؟

مصادر

السلاح البيولوجي، حين يصنع الإنسان قاتله

Mystery deepens over animal source of coronavirus



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا