الاكتئاب

شرح شامل لما هو الاكتئاب وما هي حلوله الممكنة

كثيرا ما يسمّى الاكتئاب بمرض العصر، فهو مرض نفسي وجسدي في نفس الوقت، ولا يُفهم الكثير عن آلية عمله رغم الدّراسات الكثيرة عنه. وكثيرا ما يقال بأنّ الاكتئاب لا علاج له، لكنّ ذلك أمر غير صحيح. فباستخدام الطرق السليمة للعلاج، وبمقاومته والرغبة في الخروج منه، يمكن علاج الاكتئاب بشكل تام. سيحاول هذا المقال شرح الاكتئاب وأسبابه والعلاجات المستخدمة النفسية والطّبية والمستوحاة من الطبّ الشعبي ومن التغذية وأثر التديّن في العلاج، فتابعوا معي قراءة هذا المقال.

ما هو الاكتئاب؟

الاكتئاب ليس مجرّد حالة نفسية عابرة من الشعور بالحزن أو الكآبة أو عدم الرغبة في فعل أيّ شيء. فجميع البشر يمرّون بمراحل مشابهة لكنّها سرعان ما تختفي لتعود الحياة إلى طبيعتها. لكنّ الاكتئاب هو حالة مستعصية من الشعور بالحزن وعدم القيمة وعدم الاستمتاع بأيّ شيء في الحياة. ويكون هذا الاكتئاب خفيفا أو متوسّطا أو شديدا، كلّ حسب حالته.

حسب منظّمة الصحّة العالمية، فإنّ حوالي 3.8 بالمئة من سكّان العالم يعانون من الاكتئاب، ويؤدّي ذلك إلى انتحار أكثر من 700 ألف شخص سنويا. وكثيرا ما لا يتمّ علاج حالات الاكتئاب بالطريقة الصحيحة. فكما جاء عن منظّمة الصحّة العالمية، هناك حالات اكتئاب لا يتمّ تشخصيها على أنّها اكتئاب فتظلّ دون علاج، بينما هناك حالات لأمراض أخرى يتمّ تشخصيها على أنّها اكتئاب وتوصف لها مضادات الاكتئاب. وهو ما يُفهم منه بأنّ تشخيص الاكتئاب يجب أن يكون حذرا من قبل مختصّ محترف، وألّا يقوم به المريض على نفسه لأنّه قد يتوهّم بأنّه يملك أعراض الاكتئاب بينما تكون أعراض مرض آخر.

يؤدّي الاكتئاب إلى صعوبات نفسية وجسدية في الحياة اليومية، بحيث يصبح العمل أو الدّراسة أمرا صعبا. أمّا عن أعراضه فهي كثيرة ومختلفة من شخص لآخر، أهمّها الشعور بالحزن والفراغ وبأنّ الحياة لا قيمة لها والشعور بالذنب ولوم النفس والتفكير في الانتحار. أمّا بقيّة الأعراض فلا يجب الاعتماد عليها، حسب رأيي الشخصي، إلّا أن يتمّ عرضها على طبيب مختصّ. فتلك الأعراض، مثل نقص النوم أو الشعور بالتعب وما إلى ذلك، قد يكون سببها أمرا آخر كمرض عضوي مثلا.

يمكن تقسيم أنواع الاكتئاب كما يلي:

Single episode depressive disorder: ويعني ذلك حدوث الاكتئاب مرّة واحدة واستمرّ منذ بدايته.

Recurrent depressive disorder: وهو أن يعاني المريض من حلقتين من الاكتئاب أو أكثر، بحيث يأتي ويذهب.

Bipolar disorder: أو ما يسمّى باضطراب ثنائي القطب، وهو أن يعاني الشخص من الاكتئاب ثمّ من حالة من الهوس (mania) تكون على شكل ارتفاع مفرط في المزاج والطاقة وتقييم النفس، ثمّ يعود الاكتئاب وهكذا.

ما هي الأسباب الّتي تقود إلى الاكتئاب؟

عادة ما يكون الاكتئاب ناتجا عن أحداث حصلت في حياة الشخص، مثل صدمة ما أو فقدان العمل أو المرض أو موت شخص عزيز أو صعوبة العيش وما إلى ذلك. لكن هناك بالفعل حالات من الاكتئاب تحصل دون حادث معيّن، ويكون سببها إمّا خلل في كيمياء الدماغ أو خلل في الهرمونات أو سبب جيني وراثي. ويكون عادة سبب حصول خلل في كيمياء الدماغ إمّا بسبب أمراض عضوية في الجسم، أو بسبب تأثيرات خارجية كالقلق ونمط الحياة.

علاقة الاكتئاب بالقلق والدوبامين والسيروتونين

الدوبامين والسيروتونين هي عبارة عن ناقلات عصبية لديها عدّة مهام أهمّها جعل مزاج الشخص معتدلا وسعيدا بشكل عام. فبينما يساعد الدوبامين على منح الإنسان اللّذة من خلال التحمّس للقيام بالأشياء والشعور بالمتعة بعد الحصول على الأشياء، فإنّ السيروتونين يساعد على استقرار نفسية الإنسان ليشعر بالسعادة والرضا بشكل عام.

وغالبا ما يوجد خلل في هذه الناقلات العصبية عند مرضى الاكتئاب، إذ يقود الارتفاع المفرط أو الانخفاض المفرط لأيّ منهما إلى الاكتئاب، لكنّها ليست العامل الأساسي، بل هي نتيجة بحدّ ذاتها.

فمثلا لطالما تمّ الاعتقاد بأنّ انخفاض السيروتونين هو سبب الاكتئاب الرئيسي، وكان يتمّ العلاج على أساس ذلك، لكنّ الباحثين انتبهوا لاحقا إلى أنّ هناك عملية معقّدة لحصول الاكتئاب يساهم فيها انخفاض السيروتونين، لكنّه ليس الآلية الوحيدة. كما قد لوحظ أيضا بأنّ انخفاض الدوبامين يؤدّي إلى نقص الحافز بشكل عام للقيام بالأشياء، بينما ارتفاعه يؤدّي إلى الإدمان. ويبدو بأنّ هناك علاقة بين الدوبامين والسيروتونين، فارتفاع أحدهما يؤدّي إلى نقص الآخر. إذ يؤدّي نقص السيروتونين أحيانا إلى الإنتاج المفرط للدوبامين، ما يؤدّي إلى الإدمان ونقص الشعور باللّذة مع الوقت.

فمثلا كثيرا ما نرى مشاهير يملكون كلّ شيء، حسب ما نرى، إلّا أنّ الأمر ينتهي بهم بالانتحار بسبب الاكتئاب. ويكون هذا عادة بسبب خلل في الدوبامين والسيروتونين، بحيث تختفي لذّة الاستمتاع بما كان ذلك الشخص يستمتع به من قبل. كما لا ننسى بأنّ الشخص المشهور يتعرّص للقلق من خسارة شهرته، والقلق قاتل.

فالقلق عامل مهمّ أيضا في كلّ الأمراض، وهو عامل مهمّ حينما نتحدّث عن الاكتئاب. فالقلق المفرط يؤدّي إلى ارتفاع الكورتيزول في الجسم، وهو الهرمون الّذي يتمّ إفرازه في الجسم كردّ دفاعي عند مواجهة القلق، وهذا الارتفاع يؤدّي بدوره إلى خلل في بقيّة عمل وظائف الجسم. ومن بين الوظائف المتأثّرة، نجد بأنّ إنتاج كلّ من السيروتونين والدوبامين يقلّ، ما يؤدّي إلى الاكتئاب.

قد ترغب بقراءة: أضرار مستحضرات التجميل… لنتعرّف معا على حقيقة الموضوع

كيف تتمّ معالجة الاكتئاب؟

يمكن علاج الاكتئاب وهناك بالفعل طرق فعّالة لذلك، لكنّها تتطلّب دوما مجهودا من المريض قبل كلّ شيء. فأوّل خطوة نحو علاج الاكتئاب تكون بتغيير نمط الحياة ووجهات النظر. فجميع النّاس يمرّون بمراحل صعبة في الحياة، لكن تختلف ردّات فعلهم نحوها. فالمرض الّذي جعل شخصا ما مكتئبا قد جعل شخصا آخر متحفّزا للحياة عازما على تحدّي مرضه وتقديم الأفضل. لذلك يتعلّق الأمر أساسا بمدى استعداد الشخص لتقبّل ما حدث معه والتكيّف معه وإيجاد الحلول والبدائل.

العلاج النفسي

أوّل ما يفعله الطّبيب المعالج لمرض الاكتئاب هو أن يراقب حالة المريض وينتظر فترة من الزمن لتقييم تحسّن الحالة من عدمها. والخطوة الثانية تكمن في العلاج النفسي من خلال ما يسمّى بالعلاج بالكلام. وأشهر هذه الطرق المستخدمة في علاج الاكتئاب هي العلاج السلوكي المعرفي، وهي طريقة فعّالة خاصّة لحالات الاكتئاب الخفيف والمتوسّط.

العلاج الدّوائي

يتمّ اللّجوء إلى العلاج بالأدوية إن كانت حالة الاكتئاب مستعصية ولها آثارها السّلبية على الحياة اليومية. وأشهر العلاجات المستخدمة للاكتئاب هي مضادات الاكتئاب المسمّاة “مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية”. فما تقوم به هذه الأدوية هو ببساطة رفع مستوى السيروتونين في الجسم. لكن كما قلنا سابقا، ليس انخفاض السيروتونين هو المؤثّر الوحيد لحصول الاكتئاب. كما أنّ مثل هذه الأدوية خطيرة، ولهذا لا يتمّ اللّجوء إليها إلّا كخيار أخير. حيث أوصت منظّمة الصحّة العالمية باتّباع العلاج النفسي والاستمرار فيه والابتعاد عن جعل مضادات الاكتئاب خيارا سهلا.

العلاج بممارسة الرّياضة

وجدت كثير من الدّراسات بأنّ ممارسة الرّياضة لها نفس تأثير مضادات الاكتئاب، ولهذا أصبح الأطبّاء ينصحون مرضى الاكتئاب بممارسة الرّياضة كنوع من العلاج قبل الانتقال إلى استخدام مضادات الاكتئاب. ويعود سبب ذلك إلى أنّ الرّياضة تحفّز إنتاج نواقل عصبية مهمّة مسؤولة عن الشعور بالسعادة، وهو ما يحسّن حالة المريض بشكل عام. وهناك حالات يتمّ فيها العلاج من خلال الرّياضة إضافة إلى استخدام مضادات الاكتئاب، ما يمنح نتائج أفضل.

أضرار أدوية الاكتئاب والبدائل

يعترف الطبّ بأنّ أضرار أدوية الاكتئاب قد تفوق منافعها، خاصّة على المدى الطويل. فعدا عن الأعراض الجانبية المزعجة الّتي تحتاج إلى أسابيع ليعتاد عليها الجسم، هناك مخاطر أخرى وأضرار طويلة الأمد لهذه الأدوية. ومن ضمن أهمّ مخاطر أدوية مضادات الاكتئاب نذكر:

  • خطر ارتفاع السيروتونين أكثر من المعدّل الطبيعي لينتج عنه اختلال عدّة وظائف في الجسم.
  • خطر الإصابة بمرض السكّري.
  • التفكير بالانتحار.
  • الشعور بالبلادة بشكل عام.
  • نوبات الصرع.
  • زيادة نسبة الموت بنسبة 33 بالمئة.
  • زيادة نسبة الإصابة بسكتة قلبية أو نوبة قلبية بنسبة 14 بالمئة.

العلاج بالتغذية السليمة

من المهمّ أن ندرك بأنّ كثيرا من الأدوية بشكل عام تسبّب أضرارا جانبية وأضرارا طويلة الأمد، ولهذا يجب أن يكون خيار الدّواء الخيار الثاني، وأوّل خيار هو محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه. وقد تمّ إجراء دراسات أثبتت أهمّية إصلاح الجسم للتخلّص من الأمراض، منها مرض الاكتئاب. فقد وجدت الدّراسات بأنّ هناك رابطا وثيقا بين التغذية السليمة وحصول الجسم على كفايته من الفيتامينات والمعادن وبين انخفاض نسبة حصول الاكتئاب. كما يمكن أيضا لتحسين التغذية أن يساعد على التخلّص من الاكتئاب.

من الواضح بأنّ الأنظمة الغذائية الحديثة مضرّة بالجسم بشكل عام، وهي عامل أيضا لحدوث الاكتئاب ولصعوبة محاربته حينما يُصاب به الإنسان. وبشكل عام، السكّريات والجلوتين والأطعمة المصنّعة وزيوت القلي والأطعمة السريعة تسبّب خللا بالجسم يزيد من نسبة الإصابة بالاكتئاب. بينما يجب الاهتمام بغذاء معتدل متوازن غنيّ بالخضر والفواكه، حيث أظهرت الدراسات بأنّه يساعد على الشعور بشعور جيّد ويقلّل من خطر الإصابة بالاكتئاب.

العلاج بالفيتامينات والمعادن

لا يجب أن ننسى دور المعادن والفيتامينات في علاج الاكتئاب. فهناك بالفعل دراسات قد استخدمت مكمّلات من الفيتامينات والمعادن لعلاج الاكتئاب بنجاح. وهذه قائمة بهذه الفيتامينات والمعادن الفعّالة في علاج الاكتئاب:

  • المغنيسيوم يساعد على محاربة الاكتئاب، ونقصه يؤدّي إلى الإصابة بالاكتئاب. وقد وجدت الدّراسات بأنّ غالبية الأشخاص لا يحصلون على كفايتهم من المغنيسيوم من الأكل اليومي، ولهذا من الشائع جدّا أن يُصاب المرء بنقص المغنيسيوم دون أن يدرك ذلك.  
  • فيتامين D3 بدوره عامل مهمّ، فقد وجد بأنّ نقص فيتامين D3 يؤدّي إلى الاكتئاب، وبأنّ استخدامه كعلاج يساعد على محاربة الاكتئاب.
  •  لفيتامين B بمختلف أنواعه أهمّية كبيرة في محاربة الاكتئاب وتحسين المزاج. فقد وجدت الدّراسات بأنّ فيتامين B3 أو ما يسمّى بالنياسين يحارب الاكتئاب بنسبة عالية.
  • التريبتوفان هو حمض آميني، وهو بدوره مساعد على علاج الاكتئاب. ويمكن الحصول عليه من التغذية، كما يتمّ وصفه كمكمّل لعلاج الاكتئاب. فهذا الحمض يتحوّل في الجسم إلى سيروتونين، ما يساعد على محاربة الاكتئاب.
  • أوميغا 3 أو ما يسمّى بزيت الحوت هو أيضا محارب للاكتئاب، ويتمّ التركيز عليه عند وصف المكمّلات لعلاج الاكتئاب لأهمّيتة ولحاجة الجسم له.
  • فيتامين C له دور مهمّ في تعديل المزاج والشعور الجيّد، ولهذا يتمّ استخدامه أيضا لعلاج الاكتئاب.
  • معدن الزنك أيضا له دور في محاربة الاكتئاب، كما يؤدّي نقصه في الجسم إلى الشعور بالاكتئاب.

ورغم أنّ بعض الأطبّاء لا يتّجه إلى وصف الفيتامينات والمعادن كعلاج للاكتئاب، إلّا أنّه من المهمّ أن يناقش المريض مع طبيبه هذه الاحتمالات وأن يجرّب العلاج بالمكمّلات قبل أن يتّجه إلى مضادات الاكتئاب الخطيرة. فمن بين الأمور المفهومة والّتي تجعل استخدام الفيتامينات والمعادن حلّا ناجعا، وجدت الدّراسات بأنّ القلق الدّائم يجعل الكورتيزول مرتفعا بشكل مفرط، وهذا الارتفاع يؤدّي بالجسم إلى التخلّص من المعادين والفيتامينات بشكل كبير، ما يسبّب النّقص، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إشباع ذلك النّقص.

وهناك بالفعل دراسات كثيرة جمعت بين بعض هذه الفيتامينات والمعادن لعلاج الاكتئاب. كما شارك الكثيرون ممّن استخدموا هذه العلاجات تجاربهم في التخلّص من الاكتئاب أو تقليله. وطبعا يجب أن يتمّ العلاج بجرعات محسوبة كي لا يحصل تسمّم في الجسم بسبب تراكم فيتامين أو معدن معيّن فيه.

العلاج بالأعشاب

هناك أيضا أعشاب لها تأثيرها في معالجة الاكتئاب ولها شهرتها في هذا المجال بحيث شارك الكثيرون تجاربهم معها وكيف أنقذتهم من هذا المرض. وقد حصلت هذه الأعشاب على دراسات كشفت عن فاعليتها، ومن أهمّ هذه الأعشاب:

  • عشبة القدّيسين أو ما يسمّى بعشبة القدّيس جون هي علاج مشهور للاكتئاب، وفعاليتها مساوية لفعالية مضادات الاكتئاب.
  • الروديولا، وتباع عادة على شكل أقراص، فهي مساعدة في رفع الطاقة والمزاج والقدرة على مقاومة القلق، ولهذا يتمّ استخدامها لعلاج الاكتئاب.
  • الأشواجاندا، وتباع بدورها على شكل أقراص أو مسحوق، وهي أيضا عشبة واعدة تساعد على علاج الاكتئاب وعلى محاربة القلق من خلال تعديل مستوى الكورتيزول في الجسم.
  • الزنجبيل أحد المشروبات الواعدة لمحاربة الاكتئاب ولصحّة الجسم بشكل عام.
  • الكركم علاج مشهور للاكتئاب، وقد وجدت الدّراسات بأنّ فعاليته مساوية لمضادات الاكتئاب.
  • عشبة الماكا هي عشبة واعدة لعلاج الكثير من الأمراض المرتبطة خاصّة بخلل الهرمونات، وقد وجدت الدّراسات بأنّها محاربة للاكتئاب.
  • الجينسينغ هو أحد العلاجات المشهورة في الطب الشعبي وله فوائد كثيرة، وقد وجدت الدّراسات بأنّه فعّال في علاج الاكتئاب ومقاومة القلق.

تأثير الجانب الإيماني على الاكتئاب

لا شكّ بأنّ التديّن هو عامل مهمّ في تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب وفي علاج الاكتئاب. حيث وجدت الدّراسات بأنّ الاكتئاب يقلّ بين أوساط المتديّنين. فقد تمّ إجراء 444 دراسة على الأقلّ بين عام 1962 وعام 2011 عن أثر التديّن على الاكتئاب. وقد وجدت 60 بالمئة من تلك الدّراسات بأنّ الاكتئاب أقلّ بين أوساط المتديّنين، وبأنّهم أكثر قدرة على الخروج منه بسرعة.

ونحن كمسلمين نعلم أثر الدّين في حياة المرء. فقد قال الله تعالى “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” وقال أيضا “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا“. ولهذا يتّضح جليّا بأنّ الدّين له أثر كبير على شعور الإنسان بالراحة والطمأنينة.

لكن من المهمّ الانتباه إلى نقطة مهمّة وهي عدم استخدام الدّين كأداة فارغة وتوقّع النتائج. فمثلا لا تفيد قراءة القرآن يوميا دون قلب حاضر راغب في القرب من الله. ولهذا لا يجب الاعتماد على قراءة سورة معيّنة من القرآن لعلاج الاكتئاب دون تدبّر تلك السورة وفهم ما فيها والانتفاع بها. فحينما نقول بأنّ للتديّن أثره على شعور الإنسان بالسعادة، فيعني ذلك تديّن القلب والجوارح، والعمل وفقا له كتأدية العبادات وفعل الخير وما إلى ذلك، ولا يعني أبدا مجرّد ترديد كلمات بقلب فارغ أو مشغول بالدنيا.

إضافة لذلك، من المهمّ أن يفهم الإنسان سبب أثر التديّن على الشعور بالسعادة والرضا، ولنضع عدّة أسطر تحت كلمة رضا.

فالدّين يعلّمك بأنّك عبد لله نزلت لهذه الدّنيا لتكون خليفته في الأرض ولتعبده كما يجب، وستعود إلى موطنك الحقيقي، إلى الجنّة، يوما ما. وقد فرض الله على الإنسان منذ خلقه سنّة حياة واضحة للابتلاء فيها جزء واضح. فالإنسان لن يكون إنسانا دون ابتلاء، لأنّ حياته أصلا قد بدأت بابتلاء كبير وهو خروجه من الجنّة بسبب مخالفته لأمر خالقه. ولهذا يكرّر الله في القرآن بأنّ الصّبر هو مفتاح الحياة السّعيدة الهانئة.

فإن صبر الإنسان على ابتلائه ورضي واحتسب ما ضاع منه لله، فإنّ ابتلاءه سيكون خفيفا وسيخرج منه أقوى وسيحصل على العوض من الله أكبر ممّا كان يتمنّى. فهي سنّة الله في الحياة وجميعنا قد جرّبناها بطريقة أو بأخرى. ولهذا فإنّ عامل الرّضا عامل مهمّ جدّا، فحينما يكون الإنسان راضيا بما أعطاه الله وبما أخذه منه، فسيؤدّي به ذلك الرّضا إلى الهدوء والسّلام النفسي، وهو ما يعني قلقا أقلّ ثمّ جسما سليما لا يعاني من الاكتئاب ومن الأمراض. وعلى العكس، إن كان الإنسان ساخطا على كلّ شيء حوله، فلن يضرّ إلّا نفسه.

ولهذا أيضا علّمنا الله أمرا مهمّا حينما قال “وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا“. وهي طريقة فعّالة في علم النّفس أن تقوم بكتابة دفتر النّعم بحيث تضع فيه كلّ نعمة أنعمها الله عليك، وستجد بأنّك فعلا لن تستطيع عدّها. فبهذه الطريقة سيشعر الإنسان بأنّ ما فقده أو ما أصابه ليس سوى جزء يسير ممّا منحه الله له دون جهد منه.

وللابتلاء دوما هدف لا يعيه إلّا من يفكّر بإيجابية ويبتعد عن التفكير السّلبي. ودون أن نذكر قصص الناجحين في الحياة بحيث لا تجد أحدهم قد نجح إلّا وقد مرّ بمحنة قاسية جعلته أقوى، دعونا نذهب للقرآن. فسورة الكهف الّتي نقرأها كلّ يوم جمعة فيها دليل مهمّ يجب أن يجعلك تشعر بالرضا والطمأنينة وتحمد الله كلّما قرأته. فقصّة أصحاب السفينة المساكين الّتي أعابها الخضر كي لا يأخذها الملك الظالم، وقصّة الطفل الّذي مات كي لا يعذّب والديه المؤمنين بطغيانه حينما يكبر، وقصّة اليتيمين الّذين حفظ الله لهما كنزهما إلى أن يكبرا لأنّ أبوهما كان رجلا صالحا. هذه القصص كلّها توضّح بأنّ الابتلاء ليس إلّا في صالح الإنسان، وإنّما الإنسان يستعجل بالسخط ويوقع نفسه في الهمّ والغمّ لأنّه لا يستطيع الصبر إلى أن يفهم الحكمة من الابتلاء.

الخلاصة

أرجو أن يكون مقالي هذا مفيدا لفهم ما هو الاكتئاب وما هي آليات علاجه. فالاكتئاب يحدث نتيجة ابتلاءات الحياة غالبا، ولهذا لا يمكن فهمه على أساس نفسي فقط، ولا على أساس جسدي فقط، فهو خليط بين هذا وذاك. وقد حاولت الدّراسات كثيرا أن تفهم آلية عمل الاكتئاب بشكل دقيق لعلاجها، لكنّ ذلك ليس ممكنا. فكلّ حالة لا تشبه الأخرى، وكلّ حالة لها سببها. وبسبب مخاطر أدوية الاكتئاب، يظلّ العلاج النّفسي أفضل حلّ، مع اللّجوء إلى الأعشاب المهدّئة والتغذية السليمة والحصول على الفيتامينات والمعادن اللّازمة لتحسين المزاج وزيادة مقاومة الشعور بالاكتئاب.

فمن المهمّ أن نفهم بأنّ الاكتئاب يحتاج إلى العلاج الخارجي تماما كما يحتاج إلى المقاومة النفسية. فبما أنّ هناك نواقل عصبية وهرمونات يحصل فيها خلل عند حدوث الاكتئاب، فلا بدّ من مساعدة الجسم على تصحيح ذلك الخلل سواء من خلال التغذية أو الأعشاب أو من خلال تغيير نمط الحياة والحصول على المساعدة من الأهل والأصدقاء.

وأهمّ ما يجب التركيز عليه هو الرّضا والوعي بأنّ الابتلاء ليس سوى جزء عادي جدّا من الحياة. فأفضل طريقة تكون بأن يغيّر الإنسان منظوره للأشياء وأن ينتبه بأنّ الحياة كبيرة جدّا أكبر من مشكلته، وبأنّه يستطيع أن يجد السّعادة في أمور أخرى، وبأنّ ابتلاءه ليس إلّا مقدّمة لخير قادم، وبأنّ بعد العسر يسرين، وبأنّ الله يبشّر الصّابرين بكلّ خير.

أنصحكم بمشاهدة هذا الفيديو الجميل والمفيد للدكتور كريم علي عن الاكتئاب، كما قد جمعتُ أسفله المصادر الّتي استخدمتها لكتابة هذا المقال.

المصادر

Depression, WHO

Overview – Clinical depression

Serotonin vs. Dopamine: What Are the Differences?

Serotonin vs. dopamine: A guide to the two mood-regulating hormones and how they can affect your health

Is the Comparison between Exercise and Pharmacologic Treatment of Depression in the Clinical Practice Guideline of the American College of Physicians Evidence-Based?

Long-term antidepressant use: patient perspectives of benefits and adverse effects

Side effects – Antidepressants

Antidepressants may raise death risk by a third

Evidence of the Importance of Dietary Habits Regarding Depressive Symptoms and Depression

Rapid recovery from major depression using magnesium treatment

Vitamin D and Depression: Where is all the Sunshine?

Niacin and Depression

The Effects of Dietary Tryptophan on Affective Disorders

Omega-3 fatty acids and the treatment of depression: a review of scientific evidence

High Vitamin C Status Is Associated with Elevated Mood in Male Tertiary Students

Effects of Zinc Supplementation in Patients with Major Depression: A Randomized Clinical Trial

St. John’s wort

Rhodiola rosea therapy for major depressive disorder: a study protocol for a randomized, double-blind, placebo- controlled trial

A Prospective, Randomized Double-Blind, Placebo-Controlled Study of Safety and Efficacy of a High-Concentration Full-Spectrum Extract of Ashwagandha Root in Reducing Stress and Anxiety in Adults

Antidepressant-like effect of dehydrozingerone from Zingiber officinale by elevating monoamines in brain: in silico and in vivo studies

Curcumin in Depression: Potential Mechanisms of Action and Current Evidence

Maca reduces blood pressure and depression, in a pilot study in postmenopausal women

Effects of ginseng on stress-related depression, anxiety, and the hypothalamic–pituitary–adrenal axis

Religious and Spiritual Factors in Depression: Review and Integration of the Research



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا