قراءة في كتاب أهداف التربية الإسلامية

قراءة في كتاب أهداف التّربية الإسلامية لـ ماجد الكيلاني

يُعتبر ثاني كتاب من سلسلة الدّكتور ماجد عرسان الكيلاني، أصول التّربية الإسلامية، مكمّلا للأوّل، فبينما عرّفنا في كتابه الأوّل حاجة التّربية إلى فلسفة تسير وفقا لها، وكيف يجب أن تنبثق هذه الفلسفة من التّعاليم الإسلامية لتعطي ثمارها، يوجّهنا في كتابه الثّاني إلى أهداف التّربية الإسلامية، وما الّذي نتوقّعه من هذه التّربية لنقول أنّها صحيحة تؤدّي عملها كما ينبغي.

قد ترغب بقراءة: تأمّلات في آية “كنا مستضعفين في الأرض”… مع حكاية شخصية تتعلّق بهذه الآية

احصل على ثانوية الأشباح

ما هي أهداف التّربية الإسلامية؟

يثير هذا الكتاب منذ قراءة عنوانه تساؤلا مهمّا، وهو ماذا نتوقّع من التّربية؟ لماذا نضع المناهج والقوانين والنّظم التّربوية ونجعل المتعلّم يسير في سلّمها عاما بعد عام كلّ تلك الفترة؟ ما الّذي تهدف إليه هذه التّربية؟ وهل يجب أن يكون لها هدف واضح؟ بل وهل يرى واضعوا هذه التّربية هدفا واضحا لها؟ وهل يفكّر المعلّم في الهدف وهو يقوم بدوره في عملية التّربية؟

والحقيقة أنّ الأسئلة لن تنتهي إذا ما تأمّلنا العنوان فقط، فهو وحده يقود إلى الكثير من التّفاصيل.

يخبرنا الدّكتور ماجد أنّ هدف التّربية يجب أن يكون الرقيّ بالإنسان والقدرة على التعرّف على ربّه في كلّ أحواله وإخلاص العبادة له. ومن ثمّ العيش لأجل ذلك الهدف والتّضحية في سبيله، أي التعرّف على المثل الأعلى.

وهذا الهدف طبعا يتفرّع لعدّة أهداف تتكامل مع بعضها، ويمكن أن نجعلها قسمين: أهداف تعليمية تُعني بما يجب أن يحصل عليه الفرد من علوم ومناهج، وقد سمّاها الدّكتور ماجد بالأهداف الوسائل، وأهداف تربوية تُعنى برقيّ الإنسانية وتعشّق المثل الأعلى، وهي ما سمّاها الكاتب الأهداف الأغراض.

وقد قام الدّكتور ماجد بتحليل لأهداف التّربية المعاصرة فوجدها تهتمّ بالأهداف الوسائل فقط، أي أن يقتصر هدف التّربية على توفير التّعليم والثّقافة للفرد، أو اكتسابه الشّهادة ليستطيع العمل وتوفير المال لعيش هانئ.

لكنّ هذه التّربية عرفت جدلا كبيرا بشأن الأهداف الأغراض، فمن يقول أنّ الهدف يجب أن يكون سعادة الإنسان، وبين من يعود إلى هدف أن يحصل الإنسان على العلم لأجل العلم فقط. لكنّ مصطلح “سعادة الإنسان” مصطلح لم يستطع التّربويون الاتّفاق عليه، فالسّعادة تختلف من فرد لفرد ومن مجتمع لمجتمع، لذلك ظلّ الاختلاف قائما، بينما ذهب بعضهم، وربّما هو التيّار الغالب، إلى القول بأنّه لا فائدة من البحث عن هذه الأغراض، فهي غير واضحة أو لا فائدة منها للعالم المحسوس، ويجب التّركيز على تمجيد العمل وتحسين الإنتاج.

الفرد الصّالح المصلح في أهداف التّربية الإسلامية

يرى الدّكتور ماجد أنّ أهمّ سبب لعدم القدرة على الاتّفاق على أهداف للتّربية يعود أساسا إلى عدم الاتّفاق على فلسفة تربوية محدّدة. وبعد أن كان قد حدّد ما هي هذه الفلسفة الّتي يجب الاعتماد عليها في الكتاب الأوّل، فقد جاء دور ذكر الأهداف الّتي يجب أن تعمل لأجلها التّربية، فحتّى حينما نقول أنّها يجب أن تسعى إلى الرقيّ بالإنسان، فلا يبدو ذلك واضحا دون تحديد كامل للتّفاصيل.

وقد بيّن لنا الدّكتور بنسق جميل كيف أنّ الأمر كلّه يعتمد على تربية الفرد الصّالح المصلح. ولفعل ذلك يجب أن نربّي في هذا الفرد قدراته العقلية، وأن نعلّمه كيف يعيش لأجل المثل الأعلى، وأن نقوم بتنمية خبراته الدّينية والاجتماعية والكونية، وأن نقوم بتربية الإرادة فيه، وأن نعلّمه كيف يستخدم القدرة التّسخيرية في حياته.

قد ترغب بقراءة: هل تعلم بأنّ حديث “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” هو حديث ضعيف؟

التّربية المعاصرة و أهداف التّربية الإسلامية

وطبعا بمجرّد أن نلاحظ هذه النّقاط المهمّة فسنحاول ربطها بأهداف التّربية المعاصرة، والّتي سنجد أنّها لا تجيد التّعامل معها بشكل جيّد، لذلك تظلّ التّربية عقيمة، إذ تولّد في الغرب فراغا روحيا وتساؤلات لا إجابة عنها، وتولّد في الدّول العربية عدم استفادة من العلم وتخلّفا واغترابا.

ففي الدّول الغربية يتمّ حصر العمل الصّالح والمثل الأعلى والإرادة في الإنتاج المادّي والشّهوات والرّغبات والمحافظة على الجسد البشري فقط، كما لا تهتمّ تلك التّربية بالخبرات الدّينية بل تهملها وتركّز على الخبرات الاجتماعية والكونية.

أمّا في المجتمعات الإسلامية فيتمّ تعريف العمل الصّالح على أنّه يخصّ ميدان العبادة الفردية فقط، وهو تضييق خاطئ له آثار خطيرة تجعل أثر الدّين ينحصر في المجتمع، إضافة إلى أنّ المثل الأعلى غير واضح تماما ممّا يخلق حيرة بين المتعلّمين. وعدا عن هذا، فإنّ تقليد المناهج الغربية في الدّول العربية لم يجلب معه نفس النّتائج، إذ نرى في الدّول العربية تلقينا للمعلومات، فيخرج المتعلّم حافظا لكن غير قادر على الاستفادة ممّا عنده لأنّه لم يتفاعل معه بالشّكل المطلوب خلال سنوات دراسته. وهي أزمة أخرى قد فصّلها الدّكتور ماجد في كتابه حينما تحدّث عن أزمة التّربية في الدّول العربية.

لا يمكن حصر كتاب بهذه الأهمّية في مقال واحد طبعا، لكن كان هذا تلخيصا لأهمّ ما احتواه، ويتّضح منه قدرة الكاتب على ترتيب الفكرة حيث يبدأ بالمشكلة ولماذا يجب أن نعالجها، ليصل إلى تفاصيل الحلّ وما يجب فعله، ثمّ يترك الأمر لكلّ قادر على فهم ما جاء فيه وتحويله إلى تطبيق في مجتمعه أو في دولته.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا