هتلر

قراءة في كتاب “كفاحي” لأدولف هتلر

لا يمكن أن أصف كم كان ممتعا قراءة كتاب هتلر واكتشاف أفكاره الخلّابة. وأسفي الوحيد هو أنّ الكتاب يتوقّف عند سنة 1923. كان على هتلر أن يكتب المزيد ليخبر عن مسيرته إلى أن نهض بألمانيا بعد سبات طويل.

عليّ أن أذكر نقطتين قبل أن أدخل في سرد تفاصيل ما جاء في كتاب كفاحي:

أوّلا أنا لم أقرأ من قبل بعمق عن ألمانيا والحرب العالمية وكلّ تلك الأمور، ولم أسمح من قبل لعقلي بأن يكوّن تلك الصّورة المشوّهة الّتي يريد أعداؤه تلفيقها له على أنّه شخص مجنون.

وثانيا ولأنّني لم أقرأ بعد بالتّفصيل ما حدث من أحداث بعد عام 1923، فأنا سأتحدّث وفقا لأفكار هتلر في هذا الكتاب فقط.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب “الأمير” لنيقولا مكيافيلي

أفكار هتلر

يبدو جليّا من أفكار هتلر وكيف تحرّك، منذ شبابه إلى تشكيله الحزب الّذي نجح نجاحا كبيرا، بأنّه شخص عبقري حكيم وله الكثير من المعرفة. فقد كان يلاحظ منذ صغره ما يحصل في بلده ويصقل أفكاره بشأن كلّ الأخطاء الّتي ارتُكبت وكيف يجب إصلاحها. وخلفية هتلر أو لنقل عقيدته هي عقيدة تستحقّ الإعجاب، فقد كان يحمل رسالة واضحة المعالم، وهي بأن يجعل ألمانيا دولة عظيمة وأن يوفّر للشّعب الألماني العيش الكريم وأن يتبوّأ شعبه مكانة عظيمة بين الأمم. وقد يضيق البعض بتفكير هتلر العنصري وجعله العنصر الآري العنصر المتفوّق، بينما كان يرى أنّ بقيّة الأعراق هي أوضع منه. لكن علينا أيضا ألّا ننسى أنّه كان تفكير الجميع في ذلك الوقت بعد إنجازات داروين الّذي لازالوا يتعشّقونه، فلماذا عنصرية داروين مقبولة ولازالت تدرّس في جامعات الغرب، بينما عنصرية هتلر غير مقبولة؟

كانت نيّة هتلر وأفكاره واضحة وكان يسير بها بكلّ شفافية. والحقيقة أنّني لم أر في الكتاب أيّ أفكار عن نيّته احتلال العالم أو تدميره، بل كلّ ما كان يركّز عليه هو الحصول على أرض واسعة في أوروبا ليعيش فيها الشّعب الألماني بهناء. وقد كان يستغرب التّفكير في استعمار بلاد بعيدة كما فعلت فرنسا وبريطانيا، بينما يكون التوسّع هو الحلّ الأفضل لبناء دولة قويّة.

كان هتلر يحمل أخلاقا نبيلة في نفسه إن صحّ التّعبير، فقد كان يكره أن يرى الشّباب الألماني متعلّقا بقصص الحبّ. وكان يكره الإباحية الّتي بدأت تدخل ألمانيا كنوع من الفنّ. كما كان يكره العلاقات الجنسية خارج إطار الزّواج، فقد قال عنها أنّها تضيّع جهود الشّباب بدل التّركيز على ما هو مهمّ في الحياة، كما تضيّع المفهوم الأسري الّذي يجب أن يهتمّ به المجتمع. ومن بين المظاهر الاقتصادية أو المالية على الأخصّ الّتي لم ترق لهتلر، كانت ظاهرة البنوك الرّبوية وسيطرتها على المالية للدّولة.

هتلر واليهود

رأى هتلر أنّ مثل تلك الانحرافات في الأخلاق تدمّر الدّول وتدمّر الشّعوب، وأنّ استمرارها سيكون له أثر وخيم على الأمم. وقد عزا تلك الانحرافات إلى اليهود، وذلك بعد أن راقب مصدر دخول تلك الانحرافات إلى المجتمع الألماني.

كان هتلر يكره اليهود كرها شديدا، وجميعنا نعلم بأنّ هذا الكره هو تماما سبب تشويه صورة هتلر المتواصلة إلى يومنا هذا. وهتلر لم يخطئ في ملاحظاته، بل كانت ملاحظات ذكيّة للغاية. فقد سعى اليهود لتدمير قيم المجتمعات ولجعلها تلهث وراء سخافات لكي يستطيعوا تسييرها حسب ما يرغبون، وخلال ذلك استولوا على الأموال وأصبحوا الآمر النّاهي في مختلف الدّول الغربية. ومن الجدير بالإعجاب فعلا كيف تفطّن هتلر لخططهم في ذلك الوقت المبكّر، بينما كانت بقيّة الدّول تسير خلف خططهم مخدوعين بزيف اليهود وأكاذيبهم. ولو أنّه كان هناك أمثلة هتلر في كلّ مكان، لما كان اليهود الآن يسرحون ويمرحون في فلسطين كما يحلو لهم.

وقد تنبّه لأمر مهمّ أيضا بشأن اليهود، فقد قال أنّه لا يمكن أن ينخدع بوجود فريقين من اليهود، فريق يوالي الصّهيونية وفريق يقف ضدّها، وقد قال أنّه مجرّد تمويه من قبل اليهود. وشخصيا أميل لنفس الفكرة. فأنت كيهودي تعيش حياتك وحسب لا تهمّني. لكن كيهودي تحرّك الخيوط من خلف الطّاولات لأنّك تملك زمام المال في العالم، فهنا أعتبرك عدوّي، وأعتبرك ممّن حرّكوا الأحداث لاحتلال فلسطين.

تفكير هتلر العنصري

كان هتلر يسمّي دولته المستقبلية “الدّولة العنصرية”، فقد أرادها أن تقوم على أساس القومية وعشق العنصر الجرماني الّذي يجب أن يمثّل الأمّة الألمانية تمثيلا نقيّا. ولذلك كان يكره أن يمتزج أي دم آخر بالدّم الألماني، وكان يرى أنّ الأعراق الأخرى أوضع من العرق الآري وأنّه يجب ألّا يتمّ الاختلاط لكيلا يفسد العرق الآري. وكان يقدّس في تفكيره هذا فكرة أنّ الطّبيعة تختار الأقوى، ويرى أنّ العنصر الآري لطالما كان قويّا حاملا للواء إقامة الحضارة والتقدّم، على عكس بقيّة الأعراق. وبأنّ اختلاط الأعراق يخالف قوى الطّبيعة، وستكون عواقبه وخيمة.

إضافة لذلك، كان هتلر يرى أنّه يجب منع أصحاب الأمراض والإعاقات من الزّواج والإنجاب. لأنّ ذلك ينتج جيلا ضعيفا، بينما تحتاج الأمّة الألمانية إلى جيل قويّ. وكان يرى أنّه وسيلة نبيلة أن يتمّ منع مثل هؤلاء من إنجاب الأطفال. وكلّ ذلك كان ينتج طبعا من عقيدته بأنّ الحياة تسير حسب قوّة الطّبيعة، وأنّ الطّبيعة لن تقف مع الضّعيف، بل يجب أن يزول الضّعيف لكي يبقى القويّ.

وشخصيا لم يزعجني مطلقا هذا التّفكير. فلم يكن هناك من يستطيع تنوير هتلر بمدى شمولية الكون ليستطيع النّظر إلى الأمور من منطلق مختلف. وهتلر نفسه كان حبيس ألمانيا ومشاكلها. وأعتقد أنّه لو قُدّر له أن يطّلع على الأمم وكيفية نشأة الحضارات لاستطاع إصلاح نظرته العنصرية نحو الإنسان.

نظام الحكم في نظر الزعيم الألماني

فيما يخصّ طريقة الحكم، عبّر هتلر في كتابه عن كرهه الشّديد لنظام البرلمان ونظام تصويت الأغلبية. فهو أوّلا نظام يضيّع المسؤولية بين الأكثرية، وبهذا لا يوجد شخص محدّد يمكن محاسبته عند وقوع الخطأ. وثانيا كان البرلمان عبارة عن قاعة للصّراخ لا فائدة منها. فكلّ يصرخ لأجل وجهة نظره، ولا تخرج منه أيّ قرارات سليمة تراعي تقدّم دولة ألمانيا. وثالثا، كان البرلمانيون أنفسهم مجرّد أشخاص فارغين لا هم يملكون الحنكة اللّازمة للبتّ في السّياسة ولا لديهم التّعليم الكافي ولا شغف بخدمة الدّولة.

أمّا النّظام الّذي تبنّاه هتلر منذ وقت مبكّر هو أن يكون الأمر والنّهي للقائد الواحد، مع وجود مستشارين يستشيرهم في أمور الدّولة. لكنّ القرار الحاسم هو للقائد، والمحاسب الوحيد عند ارتكاب الأخطاء هو القائد. وهو نظام سليم إلى حدّ كبير مقارنة بفكرة الدّيمقراطية الغبيّة، وهو شبيه إلى حدّ كبير بالنّظام الإسلامي للحكم.

تحدّث هتلر كثيرا عن بداية تشكيله للحزب الوطني الاشتراكي وكيف استطاع قيادة الحزب مع رفقائه إلى النّجاح. وقد شرح الكثير عن معاداة الماركسية اليهودية لحزبه لأنّه كان يميل إلى إيقاظ الشّعب الألماني من الأوهام والنّهوض بالدّولة الألمانية. بينما كان اليهود يرغبون ببقائها نائمة بل وبتقسيمها إلى دويلات.

وقد وجد هتلر في نفسه، من خلال اجتماعات الحزب، أنّه خطيب لا يشقّ له غبار. وبهذا أصبحت خطاباته تتلقّى التّصفيق وتؤدّي إلى دخول المزيد من المؤيّدين إلى جماعة أنصار الحزب. وقد قاتل هتلر وحزبه كثيرا ليستطيع الوقوف على قدميه ومنافسة بقيّة الأحزاب في السّاحة. كما قاتلوا كثيرا ليستطيعوا تغيير الأفكار الخاطئة في أذهان الألمان، كتقبّل هزيمة الحرب العالمية الأولى.

للأسف توقّف الكتاب عند محاولة هتلر وحزبه الانقلاب سنة 1923، حيث تمّ حلّ الحزب ومصادرة أملاكه ومقاضاة أعضائه. وبهذا أدخل هتلر السّجن.

قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب سيكولوجية الجماهير لـ غوستاف لوبون

الخلاصة

أتمنّى حقّا لو أستطيع قراءة الأحداث اللّاحقة بلسان هتلر نفسه. ولا يبدو أنّني سأجد ضالّتي بسهولة، أي أن أقرأ عن تاريخ تلك الحقبة وكيف شقّ هتلر طريقة نحو قيادة ألمانيا دون أن يكون معها تعليقات تشويهية لهتلر بأنّه قاتل وأنّه عنصري وأنّه أكثر رجل مكروه في العالم. فكلّ هذه هي من شيطنة اليهود فقط. صحيح أنّ أفكار هتلر كان فيها بعض الخلل الّذي قد يؤدّي إلى نتائج وخيمة على مجتمعات أخرى. لكنّ السّبب الرّئيسي للهجوم عليه وتشويهه هو فضحه لليهود ولخططهم الدّنيئة، وهو أمر يجب أن يُشكر عليه.

وإن كان هتلر قاتلا فهل الدّول الأوروبية الأخرى أو الولايات المتّحدة هي دول بريئة؟ بل كلّها دول أرادت استعمار العالم في تلك الحقبة، ونحن المسلمون خاصّة عانينا من ويلات تحرّكاتها الاستعمارية. فلا أدري لماذا ندين هتلر ولا ندين كلّ تلك الدّول الّتي تعدّت على غيرها وقتلت وأحرقت ودمّرت دولا أخرى. وقد كنت بيّنت في مقال سابق عن السّلطان عبد الحميد الثّاني كيف أنّ اليهود هم من سعوا إلى إسقاط الخلافة العثمانية الّتي كانت سدّا منيعا أمام تحقيق مطامعهم في القدس. وبأنّ تقسيم الدّول العربية حسب القوميات الحالية وتمزيقها واستعمارها الّذي لا يزال قائما ليومنا هذا كلّه تخطيط من اليهود.



التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا