مقارنة بين فيروس كورونا كوفيد 19 وفيروسات سارس و ميرس و إيبولا و إنفلونزا الخنازير

تظهر جليّا الآن أهمّية إجراء مقارنة بين فيروس كورونا الجديد كوفيد 19 وأوبئة سابقة، وذلك بعد انتشاره الكبير في مختلف الدّول، والّتي جعلت إجراءات صارمة تدخل حيّز التّنفيذ في كثير منها. استطاع هذا الفيروس أن يعزل النّاس والمدن والدّول، وتسبّب في غلق ومنع كلّ التجمّعات بما في ذلك المساجد في بلاد المسلمين، ليصبح بذلك أشبه بكارثة لم نشهد لها مثيلا من قبل. وربّما لأجل حالات الطّوارئ الّتي أعلنت في دول مختلفة، تمّ وصف هذا الفيروس بأسوء أزمة صحّية في العصر الحديث من قبل رئيس وزراء بريطانيا، ولم تتردّد منظمة الصحة العالمية بدورها في وصفه بأنّه أزمة صحية عالمية كبيرة في عصرنا.

بالنّظر إلى كلّ هذه المعطيات، جرت مقارنات كثيرة لهذا الفيروس ولبعض الأوبئة المشابهة الّتي عرفناها من قبل والّتي حصدت أرواحا كثيرة، لكنّها ربّما لم تسبّب نفس الذّعر الّذي سبّبه وباء فيروس كوفيد 19 اليوم.

كنت قد كتبت من قبل مقالا عن الخرافات المتعلّقة بكوفيد 19 والمنتشرة في العالم العربي. لكنّني سأقدّم في هذا المقال تحليلا معمّقا ومقارنة بين فيروس كورونا الجديد وبين فيروسات حديثة لازلنا نتذكّرها، ولماذا يمكن القول عن فيروس كورونا الجديد بأنّه أزمة صحّية لا يجب الاستهانة بها.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: لماذا يستغرق تطوير لقاح فيروس كورونا كوفيد 19 وقتا طويلا؟

مقارنة بين فيروس كورونا كوفيد 19 وبين بعض الأوبئة الحديثة

لا شكّ أنّنا نتذكّر انتشار فيروسات سارس وميرس وإيبولا وانفلونزا الخنازير من قبل، والّتي لم تصل كلّها إلى حدّ تسميتها بـ “الجائحة” من قبل منظّمة الصحّة العالمية لأسباب سنعرفها الآن من خلال الجدول التّالي:

الفيروسمعدّل الوفياتالانتقالعدد الدولمدّة انتشار الوياءعدد الوفياتالعلاج
سارس15 بالمئةعن طريق الرذاذ والأسطح29حوالي 9 أشهر (2002)774لا يوجد
ميرس35 بالمئةالاتصال القريب بين الأشخاص27منذ 2012858لا يوجد
إيبولا50 بالمئةعن طريق التعرض لسوائل
الجسم من المصاب
10عامين تقريبا (2014)11325يوجد
H1N10.02 بالمئةمثل الانفلونزا العادية206 (كل العالم تقريبا)حوالي 9 أشهر (2009) أكثر من 284 ألفيوجد
كوفيد 193.4 بالمئةعن طريق الرذاذ والأسطح170منذ ديسمبر 20198273لا يوجد

مقارنة بين فيروس كورونا كوفيد 19 و فيروس سارس وفيروس ميرس

يتّضح لنا من خلال الجدول أعلاه أنّ كلّا من فيروسي سارس وميرس لم ينتشرا في دول كثيرة. فقد بدأ فيروس سارس من الصّين، ثمّ انتقل إلى دول أخرى. بينما انطلق فيروس ميرس من السّعودية وانتشر بشكل أكبر في الدّول العربية.

لكلا الفيروسين معدّل وفيات مرتفع، وهو ما يجعلهما أخطر بكثير من فيروس كورونا كوفيد 19. لكنّ معدّل الانتقال البطيء لهما قد أدّى إلى الانتشار في بلدان أقلّ، وهو ما يجعلهما أقلّ خطورة من كوفيد 19، والّذي ينتقل بسرعة رهيبة وقد انتشر في مختلف أنحاء العالم خلال مدّة وجيزة.

فيروسات سارس وميرس وكوفيد 19 كلّها فيروسات من نفس الفصيلة، وتُسمّى فيروسات كورونا. وهي فيروسات تنتقل في الغالب من الخفافيش إلى الإنسان، عن طريق حيوان آخر كوسيط.

وهذا الوسط هو قط الزباد في سارس، والجمال في ميرس، وتدور الشكوك حول آكل النمل الحرشفي في حالة كوفيد 19.

من الجدير بالذّكر أيضا أنّه لازالت هناك اكتشافات لحالات من فيروس ميرس إلى يومنا هذا، لكنّها قليلة ونادرة.

فيما يخصّ العلاج، لم يسبق أن استطاع العلماء إيجاد علاج لفيروسات كورونا. ولأنّ إيجاد لقاح يتطلّب وقتا أقلّه سنة كاملة، فإنّ جهود إيجاد علاج لها تتلاشى حينما تنتهي الأزمة بانحسار الوباء، إذ يتوقّف تمويل الأبحاث لإيجاد علاج. ولهذا ظلّ كلّ من سارس وميرس دون لقاح ليومنا هذا.

طبعا لم تقم منظمة الصحة العالمية بتصنيف سارس و ميرس على أنّهما جائحة، وذلك لأنّ الانتشار الجغرافي لكليهما لم يكن كبيرا.

مقارنة بين كوفيد 19 وفيروس إيبولا

نلاحظ من خلال الجدول أنّ معدّل وفيات فيروس إيبولا مخيف، فهو يبلغ 50 بالمئة، ويتعدّاها أحيانا.

انطلق فيروس إيبولا من غينيا سنة 2015، ثمّ انتشر في البلدان الأفريقية. لكن لم تكن تلك المرّة الأولى، بل كانت أسوء فترة لهذا الوباء.

فقد ظهر فيروس إيبولا لأوّل مرّة سنة 1976 في أفريقيا. ليعرف ذروته خلال وباء عامي 2014 و2015.

مصدر فيروس إيبولا هي حيوانات أفريقيا مثل القرود والشمبانزي والغوريلا وخفافيش الفاكهة. حيث ينتقل من الحيوانات إلى الإنسان عن طريق سوائل تلك الحيوانات كالدم.

طريقة انتقال إيبولا بين البشر مشابهة لطريقة انتقاله من الحيوانات إلى الإنسان، فهو يعتمد على سوائل الجسم كالدم واللّعاب والقيء وما إلى ذلك. ويمكن لسوائل ميت بفيروس إيبولا أن تسبّب العدوى أيضا.

من الجدير بالذّكر أنّ إيبولا لازال موجودا، إذ تمّ العثور على حالات في الكونغو خلال سنتي 2018 و2019.

لكن الأمر الجيّد هو أنّه قد تمّ تطوير لقاح لهذا الفيروس وقد أطلق عليه اسم rVSV-ZEBOV .

فالفرق إذن بين كوفيد 19 وإيبولا واضح، فرغم أنّ إيبولا أخطر بكثير، إلّا أنّ طريقة انتقاله تحدّ من انتشاره، لذلك لم يصبح جائحة.

مقارنة بين فيروس كورونا كوفيد 19 و انفلونزا الخنازير

أقرب جائحة إلينا الآن هي جائجة انفلونزا الخنازير (H1N1)، والّتي ظهرت سنة 2009.

التّشابه بين كوفيد 19 وانفلونزا الخنازير هي في انتشارهما الواسع الّذي شمل العالم كلّه. فقد قالت منظمة الصحة العالمية أنّه من المحتمل أنّ عدد المصابين بانفلونزا الخنازير خلال الجائحة كان بالملايين، أي أضعاف الأرقام المبلّغ عنها.

إذن لماذا لم نهلع خلال جائحة انفلونزا الخنازير كما يحدث اليوم مع كوفيد 19؟ الجواب يتمثّل في معدّل الوفيات. فغالبا ما قد أصيب الكثير من البشر حول العالم بإنفلونزا الخنازير خلال جائحة 2009، لكنّهم تعافوا منه دون أن ينتبهوا للإصابة أصلا. فمعدّل الوفيات منخفض جدّا بحيث يقلّ عن معدّل الوفيات بالانفلونزا الموسمية.

تمّ العثور على لقاح لإنفلونزا الخنازير مع بداية تلاشيه. واليوم، يتمّ تضمين لقاحه ضمن لقاح الانفلونزا الموسمية، لأنّه أصبح فيروسا موسميا بدوره يصيب العديد من البشر في العالم سنويا.

قد ترغب بقراءة: أصل اللهجات العربية… نظرة على كيفية نشأة اللهجات العربية الحديثة

الخلاصة

لا يجب أن نستهين بفيروس كورونا كوفيد 19، كما لا يجب أن نرتعب أيضا. فمعدّل وفيات كورونا كوفيد 19 يثير القلق حتما، وطريقة انتشاره الّتي يصفه العلماء من أجلها بأنّه فيروس محبّ للكثرة ينتشر من خلاها مقلقة أيضا. وبدلا من التّساؤل عن سبب عدم هلعنا خلال أوبئة سابقة، علينا أن نفهم أنّ كوفيد 19 ليس كغيره.

أرجو أن تكون هذه المقارنة، الّتي اعتمدت فيها على مصادر علمية موثوقة هي WHO و CDC ، مفيدة للتّفرقة بين مختلف الأوبئة الّتي عرفناها حديثا، ولفهم سبب الإجراءات الصّارمة الّتي نمرّ بها والّتي يجب علينا التقيّد بها لإنهاء هذه الجائحة، والّتي يضمن كلّ العلماء نجاحها إذا ما تمّ التحلّي بها، والصّين خير مثال لذلك.

في الأخير أترككهم مع هذا المخطّط الّذي يشمل مختلف الأوبئة الّتي مرّت على البشر خلال التّاريخ والّتي استطاع الإنسان تحديدها، والّتي تظهر أنّ الوباء هو سنّة من سنن الله في خلقه، ولن يكون كوفيد 19 آخر ما سيحلّ بالبشر.

الأوبئة عبر التّاريخ. المصدر موقع Visual Capitalist



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا