لقراءة الجزء الأوّل: الامبراطور والفارسة – قصّة جانبية – الجزء 01
بعد أن أنهى إيريك مقابلته مع الامبراطور، خرج إلى قاعة الانتظار إلى أن وصلت بوليانا ورافقته للخروج من القصر. وخلال سيرهما معا، قام إيريك بكسر الصمت حينما قال “هل تحبّين السفر؟”
استغربت بول سؤاله وأجابت بعفوية “لقد تنقّلت كثيرا خلال الحرب، لذلك أفضّل الاستقرار حاليا”
اكتفى إيريك بالصمت للحظات ثمّ قال “لقد دعاني الامبراطور لتناول الغداء غدا، هل ستكونين حاضرة؟”
“ربّما” قالتها بوليانا وهي تشعر بأنّ اهتمامه بها يتزايد. بول معتادة على مثل هذا الفضول، فهي المرأة الوحيدة الّتي استطاعت الحصول على اللّقب والمنصب من خلال مجهوداتها، وهي تعرف بأنّ الفضوليين عادة ما يحاولون البحث عن طريقة ما للتقليل من شأنها لأنّهم يكرهون رؤية امرأة في منصب رفيع.
عرف إيريك من ردّها بأنّها لا تريد لهذه المحادثة أن تطول، لكن بدلا من الصمت قال “هل أزعجتك؟”
التفتت بوليانا إليه مستغربة صراحته ثمّ ابتسمت وقالت “لم أقصد جعلك تشعر بهذا، لكنّني أتساءل لماذا تحاول فتح محادثة معي بينما أنت مجرّد ضيف عابر”
ابتسم إيريك بدوره وقال “أليس من الممكن أن تنشأ صداقة بيننا؟ أشعر بأنّنا نمتلك طريقة تفكير متشابهة”
كان كلّ من مرافقي إيريك وبوليانا على مقربة منهما، ولذلك فقد سمعوا المحادثة بشكل كامل. شعرت بوليانا بأنّه من الأفضل كسب هذا الرجل بما أنّه شخص مهمّ لدرجة أن يقابل الامبراطور، ولهذا قالت بعد قليل من الصمت “إذن هل ستقبل دعوتي إلى منزلي؟ أعتقد أنّه سيمكننا التحدّث بهدوء بعيدا عن القصر”
ابتسم إيريك سعيدا باقتراحها وقال من فوره “سيكون شرفا لي أيّتها الماركيزة”
في اليوم التالي، وبعد مغادرة إيريك القصر بعد مقابلته الامبراطور، تلقّت بوليانا سؤالا من إينو بمجرّد عودتها من مرافقة الضيف قائلا “لماذا قمتِ بدعوة ذلك التاجر؟”
لم تحضر بوليانا مأدبة الغداء مع التاجر والامبراطور لأنّها كانت مشغولة بأمور أخرى، ويبدو بأنّ إيريك قد تحدّث عنها.
قالت بول دون الكثير من التفكير “أليس من الجيّد كسب شخص مهمّ مثله؟”
“لست بحاجة لفعل شيء مثل هذا” قالها إينو وبعض الانزعاج باد عليه. من يراه يعتقد بأنّه لا يرغب بأن تقابل بوليانا ذلك الرجل، وهو استنتاج صحيح. إينو لا يريد رؤية بوليانا تتأذّى ثانية، وهو يخشى حدوث ذلك لأنّ إيريك يبدي اهتماما واضحا بها.
عرف لوسيوس في تلك اللّحظة بأنّ إينو قلق، حينها تدخّل قائلا “بول، ما يقصده إينو هو ألّا تتركي المجال للفضوليين لإرضاء فضولهم، ذلك التاجر يحبّ تجربة الأشياء الجديدة، وهو يراك الآن شخصا لم يقابل مثله من قبل”
كانت بوليانا تعلم بأنّ إيريك مهتمّ بها، لكنّها مع ذلك لم تمانع من إرضاء فضوله. ربّما تريد بول أن تثبت بأنّها تستطيع التعامل مع الشخصيات المهمّة الّتي تحتاجها الامبراطورية لأنّها ماركيزة ولها مكانة عالية.
ابتسمت بوليانا وقالت لتزيل القلق عن لوسيوس وإينو “لا داعي للقلق، إن أظهر عدم الاحترام فسأعرف كيف أتعامل معه دون إحداث ضجّة”
كانت بوليانا عنيفة في السابق، لكنّها تعلّمت بأنّ العنف لا يحلّ كلّ شيء، بل يجعلها تظهر بمظهر الضحيّة الّتي تحاول استجداء العطف. لكن بعد عدّة تجارب، أصبحت بول أكثر حكمة في التعامل مع من يحاول التقليل من شأنها.
لم يكن لوسيوس ولا إينو قلقين من احتمالية معاملتها للتاجر بطريقة عنيفة، بل كانا قلقين عليها من التاجر.
ابتسم لوسيوس وهو يعلم بأنّه لن يغيّر رأيها مهما فعل وقال “فقط كوني حذرة إلى أن يغادر المدينة”
بعد عدّة أيّام، جاء أخيرا موعد حضور إيريك إلى منزل بوليانا. حينما دخل إيريك إلى المنزل الفخم، قاده رئيس الخدم إلى غرفة الاستقبال حيث جلس هناك بانتظار وصول بول. لم يمض وقت طويل إلى أن رآها تدخل من الباب. كانت بوليانا ترتدي ملابس أكثر راحة من الملابس الرسمية الّتي كانت ترتديها في القصر. وقف إيريك لاستقبالها وقال بابتسامة “لديك منزل جميل”
ابتسمت بوليانا وقالت “أهلا بك إيريك”
جلس الاثنان معا وتبادلا بعد المحادثات البسيطة إلى أن قالت بوليانا “إذن متى ستسافر؟”
“هل سئمتِ منّي بهذه السرعة” قالها إيريك مبتسما فقالت بوليانا “أسأل فقط بما أنّك تسافر كثيرا”
“أنوي البقاء لبعض الوقت بما أنّني في عاصمة الامبراطورية ولديّ الكثير من المعاملات مع التجار هنا”
سمع الاثنان فجأة صوت ضحك طفل، حينها التفت إيريك إلى النافذة وقال “هل هو ابنك؟”
وقفت بوليانا واقتربت من النافذة قائلة بابتسامة وهي تنظر إلى جيرالد الّذي كان يلعب في الحديقة “لا أذكر متى أخبرتك بذلك”
وقف إيريك بدوره واقترب لينظر إلى الطفل وقال “أنت مشهورة، لذلك ستصلني أخبارك حتّى إن كنت لا أريد ذلك”
حدّق إيريك بالطفل لمدّة ثمّ قال “يبدو طفلا حيويا مثلك”
“اسمه جيرالد” قالتها بوليانا فقال إيريك “جيرالد إذن”
عاد الاثنان للجلوس فقال إيريك “هل يمكنني أن أسألك سؤالا شخصيا؟”
توقّعت بوليانا سؤاله ومع ذلك قالت “لا بأس”
حينها سأل قائلا “أحقّا لا تستطيعين الزواج بسبب مكانتك؟”
ابتسمت بول وقالت بهدوء “لماذا أنت مستغرب؟”
“أنت تعلمين بأنّني أسافر كثيرا، وقد رأيت العديد من النساء المتزوّجات في مناصب عالية، لذلك من الطبيعي أن أستغرب”
عرفت بول في تلك اللّحظة بأنّ تفكير إيريك مختلف لأنّه خالط العديد من الثقافات الأخرى، فحتّى لو كانت الامبراطورية مسقط رأسه، فقد تبنّى بالفعل تفكيرا مختلفا.
“إذن لماذا لم تتزوّج أنت؟”
ضحك إيريك حينما قامت بوليانا بتغيير الموضوع بتلك الطريقة ثمّ قال “لم أجد بعد من تجعلني أرغب بالزواج”
“حقّا؟” قالتها بول كما لو أنّها كانت تشكّ بإجابته فقال إيريك “هل وصلتك الإشاعات عنّي؟”
“أجل، يقولون بأنّك تملك امرأة في كلّ مدينة تزورها”
ضحك إيريك ثانية وشعرت بوليانا في تلك اللّحظة بأنّها ربّما تكون شائعات فقط، فابتسمت وقالت “أهي مجرّد شائعات؟”
توقّف إيريك عن الضحك وقال “أنا لست رجلا متلاعبا”
حدّقت بوليانا بإيريك وهي تشعر بأنّه يفعل ما كان يجب أن تفعله هي قبل عدّة سنوات، هو لا يشعر بأنّه يحتاج للدفاع عن نفسه.
ابتسمت بول وقالت “أصدّقك”
استغرب إيريك ما قالته، لكنّه عرف من نبرتها وملامح وجهها بأنّها تصدّقه فعلا.
ابتسم إيريك وقال بنبرة هادئة “إن كنت ستتزوّجين يوما فلا تقبلي إلّا برجل عظيم مثلك”
تذكّرت بوليانا في تلك اللّحظة ما قالته لها توري، بأنّها يجب أن تتزوّج رجلا عظيما. كانت بول تعرف بأنّه أمر مستحيل، ولذلك قبلت بذلك الرجل المخادع الّذي لا يملك اسما ولا عائلة لأنّه الشخص الوحيد الّذي من الممكن أن يقبل بها. ‘لكن حتّى ذلك القمامة كان يخدعني’ قالتها بول في نفسها وهي لا ترغب حقّا بتذكّر تلك الحادثة.
“أتعلم لماذا قمت بتبنّي جيرالد؟” قالتها بوليانا فجأة فاكتفى إيريك بالصمت ليمنحها فرصة مواصلة الكلام، حينها قالت “لأنّني أردت الحصول على عائلة، لأنّه بعد انتهاء تلك الحرب الطويلة، حصل جميع الفرسان على عائلات دون أن يخسروا ألقابهم كما لو أنّه أمر طبيعي، بينما لم أستطع الحصول على ذلك فقط لأنّني امرأة”
عرف إيريك في تلك اللّحظة بأنّ بوليانا رغم كلّ إنجازاتها، كانت تشعر ببعض الوحدة قبل مجيء جيرالد. لم يفكّر إيريك يوما بأن تكون العائلة أمرا مهمّا للغاية بالنّسبة لشخص ما، فقد كان يسافر كثيرا لكنّه يجد والديه وإخوته في انتظاره دوما، وكان ذلك أمرا عاديا بالنّسبة له.
أراد إيريك أن يسأل عن عائلة بوليانا، لكنّه شعر بأنّه من الأفضل ألّا يفعل. حينما رأت بول صمت إيريك وارتباكه، ابتسمت مستغربة من ردّة فعله. ربّما لأنّها اعتادت على حياة الجنود القاسية، فهي لو تتوقّع اهتماما كهذا بقصّتها الّتي تبدو تافهة في أعين الآخرين.
“أيمكن أن أشاهدك وأنت تستخدمين السيف؟”
كان ذلك طلبا مفاجئا من إيريك الّذي قرّر تغيير الموضوع، حينها وقفت بوليانا وقالت مبتسمة “لا أمانع”