ثانوية-الأشباح-الفصل-11

ثانوية الأشباح – الفصل الحادي عشر: دموع نجم

لقراءة الفصل العاشر: ثانوية الأشباح – الفصل العاشر: حيرة

أنا الآن أعرف سبب لقائي به، يحتاجني لأثبت للآخرين بأنّه ليس قاتلا، وأنا مستعدّة لفعل أيّ شيء لأجل نجم !

مشاعري مختلطة، وأخشى ألّا أستطيع فهمها أو حتّى التحكّم بها. تقبّلي لكلّ ما حصل مع نجم يُخيفني، وأحيانا يخيفني نجم نفسه! أحيانا أشعر بأنّ أمجد سيخونني ويفشي سرّ نجم، وأحيانا أشعر براحة غريبة اتّجاهه!

مضت أيّام ونحن نحاول إيجاد طريقة لإدانة فاضل الذّهبي ذاك، لكن لا شيء. نحتاج لوثائق أو شهود لنثبت بأنّه أقدم على تنفيذ سحر ما، وبأنّه طبّقه على ابنه وجعله يقتل. لكنّه فاضل الذّهبي! الوصول إليه صعب وجعل شخص يشهد ضدّه يُعدّ من سابع المستحيلات. النّاس يرفضون ذكر اسمه حتّى!

لا أدري أيّ نوع من الخوف هذا؟! أو لعلّه حبّ البقاء وحسب..!

صرنا نلتقي بنجم عدّة مرّات في اليوم، وخلال ذلك نحاول ترتيب الأحداث وإيجاد الحلول.

أمجد صار… مختلفا! أحيانا أشعر بأنّه يكره اهتمامي بنجم، وأحيانا أقول لنفسي لعلّه تغيّر وحسب. حتّى أنّه لم يعد يرمقني بتلك النّظرات المزعجة، والّتي تربكني دائما!

أشرفنا على إنهاء مشروع الفيزياء، واليوم سنضع آخر اللّمسات عليه.

اجتمعتُ بأمجد في المكتبة كما العادة، وبدأنا العمل مباشرة. لكنّني خلال ذلك عدتُ للشّرود الّذي صار يلازمني مؤخّرا.

-“تتّبعين أسلوبا أنانيا في اهتمامك”

استفقتُ على عبارة أمجد المبهمة، فالتفتُّ إليه محاولة فهم ما يرمي إليه. وجدتُه يحدّق إليّ ببرود ثمّ استطرد “أقصد نجم!”

أنانيا! ونجم!! ما الّذي يعنيه؟!

-“لا أفهم قصدك!”

-“أتعتبرينه إنسانا أم مجرّد لعبة مسلّية؟!”

-“أنا لا…”

-“لا أظنّ بأنّ فتاة مثلكِ تملك مشاعر متحجّرة، مع أنّني أكره قول هذا، لكن اعلمي أنّ نجم يتألّم في داخله، وعليكِ مساعدتُه إن كان يعني لكِ شيئا”

أمجد مهتمّ بأمر نجم! تصلح أن تكون نكتة الموسم!

منعتني الدّهشة من النّطق، وحين انتبهتُ إلى أنّ أمجد يجمع أغراضه قلت “لمَ تقول لي هذا؟ ظننتُك…”

الحقيقة بأنّني لم أستطع إنهاء عبارتي. عندها وقف أمجد، ثمّ ضرب الكرسي برجله ليعيده إلى مكانه وقال “لأنّني أشفق عليه!”

وبعدها رحل!

كان يبدو غاضبا حين قال عبارته الأخيرة. لكنّني لا أستوعب الموقف تماما، هل هو غاضب لأجل نجم أم أنّه غاضب منّي؟!

عموما… كلامه صحيح. أنا حتّى لا أسأل نجم عن حاله مثلا، لكنّني لا أقصد تجاهل ذلك إنّما أجد الأمر صعبا! لا أظنّه سيحبّ الظهور بمظهر ضعف أمامي، أو ربّما… أنا لا أريد أن أراه ضعيفا، ولعلّ هذا هو ما سمّاه أمجد بالاهتمام الأناني!

كان يٌفترض أن ننتهي من البحث اليوم، لكنّ أمجد ذهب و تركني! جمعتُ أغراضي وخرجتُ من المكتبة، وإذ بي أسمع صوتا غريبا ينادي اسمي.

كان صوتا خافتا و…

عليّ أن ألبّي نداءه. سرتُ وسرت والصّوت يزداد إلحاحا…

-“إلى أين؟”

ماذا؟! نجم أمامي وأمجد خلفي. حين تلفتّ حولي، وجدتُني في الرّواق المؤدّي إلى غرفة الأشباح! وكأنّني كنتُ نائمة!

وقبل أن أقول أيّ كلمة رأيتُ نجم ينظر إلى أمجد ثمّ قال له “كان عليك منعها من الوصول إلى هنا إن كنت لا تستطيع الإبتعاد عنها!”

-“أطبق فمك!”

اكتفى أمجد بهذه العبارة والّتي نطقها والغضب يجتاحه. شعرتُ بأنّ شجارهما هذه المرّة سيكبر وأنّ عليّ التدخّل!

التفتُّ إلى أمجد وقلت “أرجوك اذهب، أريد التحدّث مع نجم”

حدّق هو بي للحظات ثمّ قال بعفوية “افعلي ما يحلو لك”

وبعدها رحل. لم أتوقّع أن ينفّذ طلبي ببساطة!

اقتربتُ من نجم وأمسكتُ بيده ثمّ قلت “أبعدنا عن هذا المكان”

سآخذ بنصيحة أمجد وليكن ما يكن!

نقلني نجم إلى مكان ناء من الثانوية، ثمّ ابتسم بعد أن ترك يدي وقال “تتصرّفين بغرابة! هل هناك أيّ جديد؟!”

رمقته في تلك اللّحظة بنظرات تفحّصية ليس من عادتي استخدامها. تلك الإبتسامة! لا يُمكن لشخص مرّ بكلّ ما مرّ به نجم أن يبتسم ويمزح ويبدي كلّ تلك القوّة! عذرا نجم فأنا سأكسر قوّتك اليوم!

-“لمَ تتظاهر بأنّك غير مبال بكلّ ما يحدث معك؟ قتلت وربّما قتلت نفسك أيضا، ظهرت بعد عشر سنوات مجرّد طيف غير قادر على الخروج من منطقة محدّدة، وتخبرنا بأنّ والدك من سبّب لك كلّ هذا، ثمّ تبتسم؟! هل جعلتك السنوات العشر تفقد مشاعرك؟! لمَ لم تسألني عن والدتك مثلا؟ ألا تشتاق إليها؟ أم…”

-“اصمتي!”

دوّى صوته عاليا وهو يقولها! يبدو بأنّني أوصلتُه لقمّة غضبه، لكنّني لن أتوقّف.

-“لن تستفيد شيئا من كلّ هذا. إن… كانت لك مهلة قصيرة لتقضيها في هذه الحياة معي، فأفضّل أن تكون صادقا فيها”

حين انتهيتُ من كلامي، رأيتُ نجم قد أسند ظهره على الجدار ثمّ أخذ نفسا عميقا وظلّ صامتا. يبدو بأنّني نجحتُ في مسعاي.

اقتربتُ منه بخطوات حذرة، وحين وقفتُ أمامه نظر إليّ وقال “قتل المشاعر بالنّسبة لشخص مثلي هو الحلّ الأنسب. أحيانا أفكّر في السّبب الّذي أدّى بي إلى كلّ هذا، هل ارتكبتُ ذنبا ما لتنتهي حياتي وأنا لازلتُ مراهقا؟”

-“ليس عليك أن تفكّر في هذا، إنّما أخرج ما بنفسك وحسب”

حين قلتُ عبارتي الأخيرة، رأيتُ عينيه قد امتلأتا بالدّموع!

لم أستطع أن أقول شيئا إنّما اكتفيتُ بالتّحديق به، ثمّ قال بعد لحظات من الصّمت “أفكّر…كيف سيكون الوضع بعد أن أموت، أو ربّما بعد أن أعود لذلك. وأفكّر في مصير والدتي، ليس لها شخص سواي بعد أن انفصلت عن والدي. أتساءل كيف تقبّلت موتي وكلّ ما قيل عنّي، هذا وحده كاف لـ…”

لم أرد أن يصل الأمر به إلى كلّ هذا!

غطّى وجهه عنّي ورغم هذا أستطيع سماع أنفاسه الباكية!

عليّ أن أقول شيئا ما، أنا هنا لاخفّف عنه لا لأزيد ألمه.

-“أنا أعدك… أنّ والدتك ستكون تحت رعايتي من الآن فصاعدا… إن اختفيتَ أنت”

-“لا تتوهّمي ولا تجعليني أتعلّق بالسّراب، محال أن أبقى متواجدا على هذه الهيئة، أفضّل الموت الحقيقي على ذلك”

رفع رأسه إليّ وهو يمسح دموعه ثمّ ابتسم وأخذ يحدّق بي. لم يكن منّي إلّا أن أغوص في بريق عينيه الخضراوتين اللّتان تحكيان لي الكثير.

-“ليست مزيّفة، وجودكِ بجانبي واهتمامكِ بقضيّتي رغم أنّني من تسبّب لكِ بكلّ هذه الفوضى في حياتك… هذا يستحقّ منّي أن أبتسم”

أنا… لم أسعد بسماع عبارة كهذه من قبل!

وأكثر ما أخشاه الآن هو اليوم الّذي قد تختفي فيه!

لقراءة الفصل الثاني عشر: ثانوية الأشباح – الفصل الثاني عشر: أمجد يتغيّر



التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا