ثانوية-الأشباح-الفصل-4

ثانوية الأشباح – الفصل الرابع: سرّ الغرفة

لقراءة الفصل الثالث: ثانوية الأشباح – الفصل الثالث: المواجهة

في اليوم التّالي لم أكد أصدّق بأنّ فترة الغداء قد حانت لأتسلّل مرّة أخرى لذاك الممرّ. بخطوات مسرعة اتّجهتُ إليه لكن…لم يظهر شيء!

مررتُ بجانب المكان المعتاد لظهور الغرفة دون أن أجدها. انتظرتُ بعض الوقت مترقّبة رؤية نجم لكن لا شيء!!

شعرتُ بخيبة أمل كبيرة، لماذا لم يظهر؟

واصلتُ السّير في ذاك الممرّ إلى أن وصلتُ في نهايته إلى قاعة رياضية، لم أكن أعرف بوجودها من قبل!

عدتُ أدراجي وكلّي أمل بأن يستوقفني نجم كما فعل في المرّات السّابقة، لكن لم يحصل شيء…!!

كان عليّ أن أعود للمطعم وأجرّب في الغد.

وبالفعل عدتُ إلى الممرّ في اليوم التّالي والّذي يليه إلى أن انتهي ذاك الأسبوع دون فائدة!

ما الّذي يحصل؟ أتُراه يتهرّب منّي؟ أم أنّني كنتُ أتوهّم رؤيته؟ ولمَ أشعر بهذا الفراغ في داخلي؟ وكأنّني فقدتُ شخصا عزيزا عليّ؟ لم أره إلّا لبضع لحظات فلم أنا متعلّقة به؟!

الأفكار تتضارب في رأسي، ولا أدري تماما إلى أين ستصل بي. حتّى في المنزل لاحظت والدتي شرودي الدّائم، وقد تُعتبر هذه نقطة سوداء في سجّلي!

في عطلة نهاية ذاك الأسبوع، جاءتني حنين وطلبت منّي الخروج معها للتسوّق لكنّني رفضت. منذ متى أرفض الخروج مع حنين؟ أظنّني بدأتُ أفقد صوابي!

كنتُ أرغب بشدّة بأن أزور منزل السيّدة نورة، لذلك خرجتُ متّجهة إليه. لكنّني لم أجد سببا مقنعا للزّيارة!!

توقّفتُ متردّدة أمام منزلها لا أدري إن كان عليّ أن أدخل أو أن أعود وأنسى الموضوع، وخلال وقوفي ذاك رأيتُ حسام، هذا ما كان ينقصني!

لم يكن ليضيّع الفرصة فاقترب منّي قائلا “مرحبا آنستي”

متملّق! فيما يخصّ الكلام المعسول فلن أجد شخصا يتفوّق عليه!

تحدّثتُ معه بارتباك واضح، ثمّ انصرفتُ متحجّجة بأنّني مضطرّة للعودة إلى البيت. المزعج ضيّع عليّ فرصة دخول منزل والدة نجم!

في تلك اللّيلة عاهدتُ نفسي على نسيان شبح نجم ذاك، سأنسى ما حدث ولن أتّجه إلى ذاك الممرّ ثانية. عليّ أن أتصرّف بحزم مع ميولي لاكتشاف قصّة الغرفة المخفية!

مع بداية الأسبوع التّالي، شعرتُ بأنّني بدأت بالعودة لطبيعتي.

كانت لدينا في ذاك اليوم حصّة نمضيها في مكتبة الثانوية، وطبعا علينا أن نغتنمها للقيام ببحوثنا.

مرغمة جلستُ مع أمجد وبدأنا العمل على مشروع الفيزياء. كنتُ أحوّل نظراتي بين شاشة الحاسوب وبين الكتاب أمامي، أمّا هو فلم يرفع بصره عنّي. هل يظنّ بأنّني موضوع البحث مثلا؟!

شعرتُ بأنّ الغضب في داخلي ينمو شيئا فشيئا، ولو خرج فسأقلب الطّاولة على رأسه!

واصلتُ القراءة محاولة السّيطرة على نفسي، وحين اكتفيت أغلقتُ الكتاب بقوّة ثمّ التفتّ إليه وهممتُ بالصّراخ، إلى أن رأيتُ نجم!

كان واقفا عند آخر رفّ للكتب، يضع يديه في جيبيه ويحدّق إليّ بابتسامته.

لوهلة نسيتُ غضبي وشعرتُ بسعادة غريبة قد تسلّلت إلى قلبي!

نظر إليّ أمجد، ثمّ التفت إلى مكان نجم ليرى ما الّذي يلفتُ انتباهي، لكنّه طبعا لم يره. لا أحد قادر على رؤيته غيري!

وقفتُ ثمّ وضعتُ الكتاب الّذي كنتُ أقرؤه أمام أمجد، وقلتُ بلهجة ساخرة “افعل شيئا مفيدا ريثما أعود”

اتّجهتُ نحو نجم بخطوات هادئة، وحين صرتُ قريبة منه تحرّك من مكانه ليقف خلف الرفّ. فهمتُ مباشرة ما يقصد، يريدني أن أتحدّث إليه في مكان لا يراني فيه الآخرون فيظنّون بأنّني أتحدّث مع نفسي!

حين وصلتُ إلى آخر الرفّ، وجدتُه واقفا هناك بانتظاري! أجل… لم يهرب منّي هذه المرّة!

حين وقفتُ أمامه، غيّر من ملامحه ليرمقني بنظرات حادّة قال بعدها “ما الّذي فكّرتِ فيه خلال الأيّام الماضية؟”

يا للثّقة الّتي يتحدّث بها! وكأنّه غاب عنّي عمدا ليرى ردّة فعلي!

لأوّل مرّة أجدني أقف كالبلهاء ولا أجد ما أقول، لأوّل مرّة أشعر بأنّ أفكاري مكشوفة لشخص ما!

خلال صمتي القاتل عاد نجم ليبتسم وخفّف من حدّة نظراته، أهذا ما يسمّى بالمزاجية!

لم أكد أرتّب أفكاري و إذ به يقول “قابليني في الممرّ كما هي العادة وفي نفس الوقت”

لازلتُ غير قادرة على النّطق بكلمة واحدة حتّى وأنا أسمع منه ما يشبه إلقاء الأوامر!

وقبل أن يختفي قال “نحتاج للتحدّث”

وبعدها رحل، الآن فقط أشعر بأنّ دقّات قلبي عادت لتنتظم من جديد.

هل أنا حمقاء أم غبيّة؟! انتظرتُ رؤيته عدّة أيّام، وعندما ظهر لم أقل له شيئا. بدوتُ بليدة وكأنّني لا أجيد التّعبير!

لكن لحظة! هل أعطاني موعدا لمقابلته؟! هل أحلم أم أنّني أتعامل مع شبح بكلّ هدوء؟ لماذا أتقبّل الفكرة بهذه البساطة؟!

على أيّ حال، فترة الغداء ستحين قريبا، وسأحاول الحصول على أجوبة منه.

رجعت إلى أمجد وأنا لا أستطيع إخفاء سعادتي. لم يكن تصرّفا حكيما إذ كان من المفترض بأنّني غاضبة من تصرّفاته الّتي لا تطاق!

جلستُ وعدتُ للعمل، وقد فرحتُ لأنّ أمجد بدأ يركّز على البحث. صحيح بأنّه مزعج، لكنّه متفوّق ويحبّ التعمّق فيما يدرسه. على الأقلّ سأرتاح من نظراته للحظات بما أنّه مشغول!

حين انتهت الحصّة، قام أمجد بنسخ العمل الّذي أنجزناه على أقراص، ثمّ قدّم إليّ واحدا وقال “ما رأيك بتحدّي؟”

استغربتُ سؤاله فاستطرد قائلا “لقد توقّفنا عند تحليل المعادلة، فما رأيك أن يقوم كلّ منّا بتحليلها دون اللّجوء إلى مساعدة؟ وفي المرّة القادمة سنرى من منّا الأقرب إلى الحلّ الصّحيح”

كان طلبه غريبا بالنّسبة لما اعتدتُه منه، لكنّني لم أستطع الرّفض!

آخر حصّة لنا قبل فترة الغداء كانت حصّة التّاريخ. رغم أنّني كنتُ أحبّ حكاياه الّتي تشبه قصص جدّتي، إلّا أنّني لم أستطع التّركيز بسبب توتّري!

وأخيرا وفي فترة الغداء، دخلتُ كما العادة مع صديقاتي ثمّ خرجتُ دون أن ألمس طعامي. التّضحية بصحّتي في سبيل مقابلة الشّبح!

دخلتُ الرّواق، وبمجرّد أن سرتُ بضع خطوات شاهدتُ الغرفة كما في أوّل مرّة، بابها مفتوح جزئيا ليتسلّل منه ظلّ شخص ما.

وصلتُ إليها، وقبل أن أحاول فعل أيّ شيء ظهر نجم..

الغريب أنّه لم ينظر إليّ، بل اقترب من الغرفة وأغلقها، ظننتُه سيفتحها!

بعدها التفت إليّ بنظرات مخيفة وقال بحدّة “تريدين إحداث كارثة؟”

لم كلّ هذا الإنقلاب؟! أنا لا أفهم حتّى ما يقصد.

بالكاد استطعتُ استخدام حبالي الصّوتية لأقول “ما الّذي تقصده؟”

عندها ردّ عليّ بمزيد من الحدّة قائلا “لا تتحاذقي عليّ، ما الّذي ستكسبينه من إطلاق سراحها؟”

ما الّذي يقوله؟ لم يرميني بهذه الألغاز؟!

اكتفيتُ بالصمت محدّقة به وأنا أشعر بالخوف إلى أن اختفى واختفت معه الغرفة.

يا إلهي… سأصاب بالجنون!

بدأ قلبي يخفق بشدّة ليس خوفا وحسب، بل غضبا ممّا تلقّيتُه منه، ثمّ صرختُ دون وعي قائلة “ما الّذي تقصده؟!”

ما الّذي فعلتُه؟ كان صوتي مرتفعا واحتمال بأنّ أحدهم قد سمعني وارد جدّا.

عدتُ أدراجي وأنا أشعر بالإهانة. كنتُ متحمّسة لمعرفة قصّته، لكنّه قابلني باتّهامات لم أفهم حتّى معناها!

حين رأتني حنين ورأت ما بي من الحزن، اقتربت منّي وداعبت شعري كما تفعل معي دائما ثمّ قالت “ما خطبك أسيل؟ لا تقولي بأنّ أمجد قد تمادى معك ثانية؟!”

في تلك اللّحظة قلتُ لنفسي ساخرة ليته كان أمجد، لكان الأمر أهون بكثير!

لوهلة كدتُ أن أسرد لها ما يحدث معي لكنّني عدلتُ عن ذلك.

مع انتهاء ذاك اليوم وخلال خروجنا من الثانوية، رأيتُ نجم يحدّق إليّ من خلال إحدى نوافذ الصفّ الّذي أدرس فيه!

أطرقتُ قليلا مع نفسي ثمّ قلتُ لها ‘أنا أسيل و لن أسمح لذاك الولد بأن يتلاعب بي’

طلبتُ من حنين أن تسبقني وقلتُ بأنّني نسيتُ كتابا وعليّ إحضاره.

سأواجهه! شبحا أو أيّا كان فسأواجهه. لا يمكن أن أسمح له بأن يخرّب حياتي!

دخلتُ القسم  ووجدتُه واقفا هناك فاقتربتُ منه وحاولتُ لمسه !

أعلم بأنّها خطوة جريئة، لكنّني بحاجة لأتأكّد إن كان بمقدوري لمسه أم لا.

لم يحرّك هو ساكنا، وحين وضعتُ يدي على ذراعه وجدتُني أشعر بها، هذا جيّد!

تسلّلت ابتسامة من بين شفتيّ دون أن أشعر، وقلتُ محاولة استفزازه “بما أنّني أستطيع لمسك فهذا يعني بأنّني أستطيع تحطيم عظامك! لذلك أنصحك أن تشرح لي ما تريده منّي تماما!”  

لقراءة الفصل الخامس: ثانوية الأشباح – الفصل الخامس: القاتل



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا