لقراءة الفصل الثامن: ثانوية الأشباح – الفصل الثامن: الأشباح
متى تهتزّ ثقة الإنسان بنفسه؟ حينما يفشل؟ حينما يشعر بالضّعف!
لا، ليست الإجابة الّتي أريدها. ربّما بالنّسبة لي، تهتزّ الثقة عندما نخطئ!
لفترة ظننتُني وصلتُ للقمّة، ظننتُني بلغتُ من الثقة بنفسي ما يكفل لي التّناغم مع ذاتي، ما يسمح لي بالتمسّك بالخيارات الصّحيحة دائما. لكن ما لم أعرفه وما لم أحسب له حسابا هو ذاك الشّيء المسمّى بالمشاعر. وكأنّها نسمات ريح تدغدغ النّفس وتجعلها تحلّق معها عاليا. تلك النّسمات قادرة على خداع النّفس وجعلها فريسة للوهم، وما بعد الوهم…!
استيقظتُ في اليوم التّالي بعد ليلة مليئة بالكوابيس! وآخر ما رأيتُ كانت صورة لنجم وأمجد وهما شبحان يحاولان التهامي!!
حين خرجتُ من غرفتي، وجدتُ بأنّ أختي أمل في المنزل، أتساءل متى جاءت!
بمجرّد أن رأيتُها شككتُ في الموضوع، وحين سألتُ والدتي أكّدت شكوكي. تشاجرت مع عامر بحدّة لدرجة أنّها تركت منزلها ليلا! هذه أوّل مرّة يحدث فيها هذا. لوهلة تمنّيتُ لو أتحدّث معها وأسألها عمّا حدث، لكنّ بريق عينيها الدالّ على بكائها منعني من ذلك، تبدو محطّمة!
خرجتُ من المنزل واتّجهتُ للثانوية كعادتي. وحين وصلتُ وجدتُ الطلّاب متجمّعين أمام البوّابة الرّئيسية والّتي كانت مغلقة. مكثنا بعض الوقت ونحن نتساءل عمّا يحدث، وإذ بأحد العاملين في إدارة الثانوية قد وصل بسيّارته، فخرج منها وقال “هناك ظروف تمنعنا من فتح الثانوية الآن، ستتواصل الدّروس بشكل طبيعي بعد الظّهر، أبلغوا الجميع بذلك”
غريب! لكن… كلّ جوارحي تخبرني بأنّ الأمر متعلّق بحادثة الأمس!
تحدّثتُ مع حنين وبقيّة صديقاتي للحظات، إلى أن رأيتُ أمجد يحدّق بي، واضح بأنّه يريد التحدّث معي!
تركتُ الفتيات وهو بدوره ابتعد عن أصدقائه واقترب منّي. بقينا صامتيْن للحظات ثمّ قال “هل لهذا علاقة بما حدث أمس؟”
-“أرجوك أبقِ الأمر سرّا، لا أستطيع أن أخبرك بشيء حاليا”
-“لا تنسي أنّكِ لم تدفعي لي بعد!”
هه! وأنا من ظننتُ أنّه قد تجاوز ذلك!
الثّمن! أعلم ما يريده أمجد منّي، سيطلب منّي أن أكون مرافقته كما يفعل بالفتيات دائما، كلّما ملّ واحدة يغيّرها بأخرى!
بدأ قلبي يخفق بشدّة وأنا أنتظر منه أن يقولها، لو فعل فأنا لا أضمن نفسي، قد يصل بي الأمر إلى ضربه حتّى!
فجأة سمعتُه يضحك لأخرج من شرودي، حدّقت به مستغربة من تصرّفه إلى أن قال “لا تقلقي، أنا لن أطلب أيّ شيء. ليس نبلا مفاجئا إنّما انتِ مختلفة، تملكين قدرا عاليا من الأدب والحياء ولا يمكنني تجاوز ذاك و الإساءة إليك”
يقول ليس نبلا ثمّ يقول لا يمكنني الإساءة إليك! ألديه انفصام في شخصيته؟!
على أيّ حال كلامه مريح رغم أنّه محرج!
تركني بعدها دون أن يلحّ على معرفة ما أخفيه، كانت مواجهة سهلة على عكس ما توقّعت! لكن مع ذلك يبدو لي صمته أمرا غريبا!
عدتُ إلى المنزل ووجدتُ بأنّه عليّ مواجهة أمر مختلف هناك!
عامر زوج شقيقتي كان في المنزل، ووالدتي تقف أمامه وهي تقطر خجلا!
حين سمعتُ حديثهما، عرفتُ بأنّه جاء ليصالح أمل، لكنّها رفضت مقابلته وأغلقت الباب على نفسها!
انصرفت والدتي متحجّجة بأنّها ستحضّر له شيئا ليشربه، وخلال ذلك نظرتُ إليه وقد بدا لي محطّما هو الأخر، ثمّ قلت “أيمكن أن أعرف ما الّذي حدث بينكما؟”
يا للسّخرية! أريد حلّ مشكلتهما وأنا أحتاج من يحلّ مشاكلي!
ارتبك عامر قليلا حين طرحتُ عليه سؤالي، ثمّ قال “أحد زملائنا في العمل طلب من أمل أن تعمل معه كثنائي في أحد المشاريع، و… كان قد سألها الزّواج قبل أن أتقدّم أنا إليها، لهذا غضبتُ حين وافقت على العمل معه واتّهمتُها!”
-“بالتّأكيد، الغضب سهل عندكم وتتحمّل النّساء العواقب!”
رأيتُ عامر يرمقني بنظرات استغراب حين سمع عبارتي، لم أقصد أن أقولها علنا!
شعرتُ بالحرج أمامه وتمتمتُ بعبارة اعتذار، عندها قال بنبرة هادئة “أعترف بأنّ الغضب أعماني هذه المرّة، سيطرت عليّ غيرتي و لم أنتبه إلى أنّني جرحتُها”
انتابني شعور في تلك اللّحظة بأنّه عليّ التدخّل.
-“أستطيع جعلك تقابلها، لكن لا دخل لي بما يحدث حين تراك، استخدم مهارتك لتجعلها تسمعك”
وبالفعل صعدتُ معه إليها، أعلم بأنّه موقف مزعج لها، لكنّني أقوم بما يصبّ في مصلحتها. طرقتُ باب غرفتها وفتحت لي دون أن تشكّ بما ورائي، وبمجرّد أن تَراجعَت عن الباب دخل عامر خلفي!
الصّدمة! توقّعتُ أنّها ستصرخ عليّ لأنّني تلاعبتُ بها لكنّها لم تفعل، إنّما قرّرت مغادرة الغرفة بصمت!
وقبل أن تصل إلى الباب أمسكها عامر وقال وهو ينظر إليها “أنا هنا لأعتذر”
و… نفجرت هي بالبكاء!
أعلم بأنّ أمل فتاة رقيقة، لكن ليس لهذه الدّرجة. شكّه فيها بتلك الطّريقة جرحها كثيرا!
وكما يُقال، عندما تبكي النّساء تتحطّم قوّة الرّجال! انهار عامر أمامها مباشرة! مسح دموعها بيديه واعتذر منها أكثرمن مرّة محاولا إرضائها بكلّ الطّرق الممكنة!
وما كان عليّ سوى أن أنصرف وأتركهما، حمدا لله أنّهما تصالحا بسرعة و بسلاسة!
بعد الظّهر، عدتُ إلى الثانوية. وخلال أوّل حصّة تمّ استدعاء أمجد! الأمر يتعلّق بحادثة الأمس لا محالة!
شعرتُ بالقلق وراحت الأفكار تتضارب في رأسي، ثم طلبتُ إذنا بالخروج ووقفت منتظرة في الرّواق عودة أمجد. وبعد لحظات رأيتُه قادما على وجهه علامات الغضب، نظر إليّ ثمّ قال “تعالي”
ودخل القاعة المجاورة لصفّنا.
هناك خطب ما، وأنا لا أستطيع منع نفسي من الاضطراب!
حين دخلتُ أغلق هو الباب بقوّة ثمّ التفت إليّ بعينان تشعّان غضبا وقال بحدّة “سايرتك في لعبتكِ السّخيفة ونفّدتُ ما طلبتِه منّي دون أن أجادل، لكن أن يصل الأمر إلى الإعتداء على أحدهم…؟!”
أنا لا أفهم ما يقول لكنّني أفهم شيئا واحدا، أمجد يبدو مخيفا للغاية!
قبل أن أنطق بحرف اقترب منّي أكثر وقال بصوت عال “تمّ العثور على الحارس مصابا إصابات بالغة ليلة أمس، يُفضّل أن تبدئي الشّرح وإلّا…”
وقبل أن يكمل تهديده سمعتُ صوتا يقول “ابتعد عنها!”
كان ذلك نجم! لكن ليس ذاك ما استغربتُه بل نظرات أمجد وهو يحدّق ناحيته و كأنّه يراه. لم أكد أستوعب المشهد و إذ بأمجد يقول “من تكون؟!”
لقراءة الفصل العاشر: ثانوية الأشباح – الفصل العاشر: حيرة