في غابة مليئة بأشجار الصنوبر، لم تكن لينا تسمع سوى صوت الرياح والعصافير. كانت بقعة مناسبة لبعض الراحة. ترجّلت لينا عن فرسها وتركتها تتجول بحرّية دون قيد. كانت تلك روزي، فرس أصيلة تعشق مالكتها.
جلست لينا مستندة إلى جذع شجرة وأغمضت عينيها لتدخل في حالة استرخاء نادرة. بدت وكأنّ هالة خفيّة كانت تحيط بها، كأنّما تحميها، أو تحمي الآخرين منها.
ظلّت لينا على هذه الحالة لفترة إلى أن شعرت بحركة ما، بدا وكأنّ ثلاثة رجال يقتربون منها.
كانت الاحتمالات قليلة، إمّا قطّاع طرق أو رحّالة. لم توقف لينا جلسة استرخائها، ولم تقم بفتح عينيها.
وبالفعل، اقترب الرجال الثلاثة منها وقد اندهشوا حينما رأوها، كانت بالنسبة لهم رزقا يمكن استخدامه بعدّة طرق.
اقترب الرجال أكثر وقال أحدهم بابتسامة “لا تلومينا فما كان يحب أن تخرجي وحدك في مثل هذا المكان”
لم تكن لينا تنوي منحهم أيّ اهتمام، لكنّ عبارة الرجل أغضبتها وجعلتها تفتح عينيها. نظرت لينا إلى الرجال الثلاثة وقالت “مع أنّني أعلم بأنّك غبيّ ولن تستمع، لكنّني أنصحك ألّا تقترب”
خرجت ضحكة من فم الرجل ساخرا مما قالته وهمّ بالتقدم، وفجأة شعر بشيء حاد يقطع جسده وبدأ الدم يسيل من كلّ مكان في جسده.
واصلت لينا تحديقها بالرجل الذي سقط أرضا وقال مذعورا “الصيّادة؟ هل يعقل؟”
وتمتم رفيقاه بنفس الكلام بملامح مرتعبة.
هزّت لينا كتفيها وقالت بلا مبالاة “نصحتك لكنّك لم تستمع”
حاول الرجلان في الخلف الهرب، لكنّ صوت لينا أوقفهما حينما قالت “توقّفا”
تجمّد الرجلان في مكانهما فاستطردت “أنتم من قرية رين صحيح؟”
لم يستطع أيّ منهما الإجابة سوى بالإيماء فقالت “جيّد، القرية ليست بعيدة من هنا. خذا رفيقكما وعودا إلى القرية وأخبرا زعيمها بأنّني أطلب منه معاقبتكم على محاولة قطع الطريق”
تقدّم الرجلان بالفعل نحو رفيقهما الذي كانت تملأ الجراح جسده وقاما بمساندته ليقف. وحينما همّ الرجال بالمغادرة قالت لينا “إذا ما وصل إلى مسامعي بأنّكم لم تتلقّوا العقاب كما يجب، فلا تلوموا إلّا أنفسكم”
رحل قطّاع الطرق بهدوء وعادت لينا إلى جلستها. ربّما كان قطّاع الطرق أغبياء لأنّهم لم يتعرّفوا على لينا من ملابسها أو فرسها، لكنّهم بالتأكيد ليسوا أغبياء لدرجة إغضاب الصيّادة المشهورة بقوّة الظلام المرعبة.
نظرت لينا إلى السماء وقالت بصوت مسموع “لير” ليظهر طائر كبير يشبه النسر بلون رمادي مخلوط مع الأسود. لا أحد يعرف ماهية لير ولا من أين جاء، ولا أحد يعرف كيف يظهر ويختفي عندما تنادي الصيّادة باسمه. لكن ما يعرفه الجميع هو أنّه ليس حيوانا عاديا، ونظرته الغريبة تجعل كلّ من يلاقيها يشعر بقشعريرة في جسمه.
لير الذي حلّق في السماء مصدرا صوتا يشبه صوت النسر حطّ على كتف لينا الّتي داعبته بعطف بيديها وخدّها ثمّ قالت “لنذهب إلى الشرق”
لا تعلم لينا منذ متى بالضبط أصبح الذهاب إلى الشرق أمرا مبهجا. كانت قبل فترة قصيرة فقط تتجول في أنحاء القارّة دون الاهتمام بمنطقة معينة. ولأنّها تملك أصدقاء في مختلف المناطق، فهي تستمتع أينما ذهبت. منذ متى أصبح الشرق مميّزا؟
الشرق يضمّ شخصين بارزين بالنّسبة للينا، رامز سيّد الشرق، ورؤى الفتاة غريبة الأطوار. كلاهما شخص مقرّب من لينا، لكنّها لم ترغب حتى الآن بخوض رحلة التفكير في أيّ منهما يجذبها إلى الشرق، أو إن كانت تحبّ الشرق ببساطة. مثل هذه الأفكار تبدو معقّدة كثيرا بالنسبة للينا، لذلك عادة ما تركنها جانبا وتتعامل مع كلّ شيء بعقلية اللّونين الأبيض والأسود.
تملك لينا شعرا أسود مائل للبنّي وعينان ملوّنتان، وغالبا ما ترتدي طبقات من الملابس المتكوّنة من سراويل فضفاضة وقميص تشدّه بحزام على خصرها، إضافة إلى رداء ووشاح وحذاء عالٍ. لا يعلم أحد إن كانت تشعر بالحرّ والبرد مثل البشر الطبيعيين لأنّها لا تضيف ولا تنقص الكثير من القطع إلى ملابسها في العادة. أمّا عن لون ملابسها فهي غالبا ما تكون باللّونين الأسود والرمادي، مثل ألوان لير. لكنّها ترتدي أحيانا ملابس أنيقة في المناسبات الرسمية، ليس دائما بل على حسب مزاجها.
ركبت الصيّادة فرسها وواصلت طريقها إلى الشرق بينما تركت لير حرّا يحلّق في السماء. الجوّ دافئ نوعا ما لأنّ الصيف في أواخره، لكن بما أنّها خرجت من منطقة الشمال المعروفة ببرودتها فقد بدأ الجوّ البارد مبكّرا في هذه المناطق.
غالبا ما تستغرق رحلات الصيّادة بين المناطق من عشر أيّام إلى عشرين يوما أو أكثر، وهذا مع التوقّف على عدّة محطّات في الطريق. لينا تعشق الترحال، ولهذا هي لا تستقرّ في أيّ مكان أكثر من يوم أو يومين، ما عدا الشرق طبعا.
استغرقت رحلة لينا عدّة أيّام إلى أن وصلت إلى عاصمة الشرق أخيرا، وبمجرّد اقترابها من قصر سيّد الشرق نادت طائرها لير وقالت له وهي تربّت عليه “اذهب إلى رامز”
أصبح لير رمزا لوصول لينا إلى عواصم المناطق الخمسة، وذلك ليتمّ الترحيب بها بشكل رسمي. على الأقلّ هذا ما يريده الأمير، فلينا لا تهتمّ بهذه الشكليات. لكن في الشرق خاصّة، هناك دور آخر مهمّ للطائر لير، وهو إبلاغ رامز سيّد الشرق بوصول لينا. أصبحت عادة بين الاثنين، أو ربّما بين الثلاثة بما أنّ لير لا يلمس أيّ شخص آخر ما عدا رامز.
وبالفعل، بمجرّد أن وصلت لينا إلى بوّابة القصر، كان الفرسان في استقبالها إضافة إلى مدبّرة شؤون القصر. وبمجرّد أن ترجّلت عن فرسها سمعت صوتا يقول “أخيرا سأحصل على إجازة”
كان ذلك صوت رامز الّذي كان يسير نحوها حاملا لير على ذراعه.
انتقل لقراءة الفصل الثاني: الصيادة لينا – الفصل الثاني: رامز