الصيادة-لينا-الفصل-11

الصيّادة لينا – الفصل الحادي عشر: تجربة جديدة

لقراءة الفصل العاشر: الصيّادة لينا – الفصل العاشر: المرتزقة

لينا عادة لا تندهش بسهولة، لكنّها اندهشت كثيرا لأنّها لم تتوقّع منه اقتراحا كهذا. ندى ليست سيّافة ولا تملك أيّ مؤهّلات تجعلها تنضمّ لمجموعة مرتزقة.

“ما الّذي يمكنها أن تفعله؟” قالتها لينا بينما اكتفت ندى بالصمت فأجاب حسام قائلا “كنت أحتاج إلى شخص يشرف على المعاملات الورقية بما أنّ رجالي يتهرّبون من هذه الأعمال”

“فهمت” قالتها لينا بابتسامة وهي تشعر بأنّه حلّ أفضل من الحماية كما قال.

ظلّت ندى صامتة لا ترفع نظرها، وحينما سئم حسام من ذلك تنهّد بعمق وقال “أيمكن أن تنظري إليّ؟”

عرفت ندى بأنّه يتحدّث معها فرفعت نظرها وهي ترتعش، حينها قال بهدوء “ما أقترحه هو أفضل خيار لك إن كنت تريدين حماية نفسك وحماية ابنتك، ستتمكّنين من فهم طبيعة العمل في وقت قصير”

لم تجب ندى بشيء، ولم تحاول لينا التدخّل. في الواقع، لينا تفهم بأنّ ندى مرّت بتجربة صعبة، ومن الطبيعي أن تكون خائفة هكذا، لكنّها لا تستطيع أن تفهم تماما ما نوع المشاعر الّتي تشعر بها الآن. اكتفت لينا بمراقبة حسام الّذي تنهّد مرّة أخرى وقال كما لو أنّه على وشك المغادرة “معك حتّى الغد للتفكير في عرضي”

وقبل أن يهمّ بالوقوف، استجمعت ندى قوّتها وقالت “هل سيكون عليّ مغادرة القرية؟”

“ليس عليك ذلك” قالها حسام وهو ينظر إليها ثمّ أضاف “هذه القرية هي مركز مجموعتي لذلك نعود إليها كثيرا، يمكنك البقاء هنا والاعتناء بطفلتك، وسيكون معك مرافق طبعا”

عادت ندى لتشيح بنظرها عن حسام وهي تضغط على يديها بقوّة بسبب التوتّر فقال حسام بهدوء “يمكنك طرح الأسئلة”

رفعت ندى نظرها إليه ثمّ نظرت إلى لينا الّتي اكتفت بالابتسام، حينها عادت ندى لتنظر إلى حسام وقالت “هل سأكون مفيدة حقّا لك؟”

ابتسم حسام، وكانت تلك أوّل مرّة تراه الفتاتان يبتسم فيها، ثمّ قال “قمت بالبحث عن خلفيتك حينما طلب منّي ذلك الرجل قتلك، أعلم بأنّك متعلّمة وبأنّك تجيدين التعامل مع الناس، وهذا ما أحتاجه”

نظرت ندى إلى لينا وكأنّها تطلب رأيها فقالت لينا “أنا أضمن لك الأمان مع البرق، فسمعتهم طيّبة وتعاملت معهم شخصيا، لكن إن كنت لا تريدين هذا العمل فيمكنني البحث عن حلّ آخر”

كانت ندى تعلم بأنّها فرصة لا تعوّض، فهي بالفعل تحتاج إلى عمل لتعيل نفسها وتعتني بطفلتها، لكنّها تعلم أيضا بأنّ المرتزقة أشخاص أقوياء وقتلة، فحتّى لو كانت مرتزقة البرق مجموعة تتمتّع بالعدالة ولا تقبل إلّا الأعمال الشرعية، فلا يعني ذلك بأنّها لن ترى الدم إن انضمّت إليهم.

“هل سأحصل على أجر؟” قالتها ندى دون أن تنظر إلى عينيّ حسام مباشرة فأجابها قائلا “بالتأكيد، وسنكتب عقدا رسميا”

“أنا موافقة على العمل”

كان من الواضح بأنّ ندى متعبة وربّما كانت بحاجة لبعض الوقت لتقرّر خطوتها التالية في الحياة، لكنّ حسام تعمّد استعجالها لأنّه يعلم بأنّ الفرصة مناسبة لكليهما بما أنّها تحتاج للحماية وهو يحتاج شخصا لا يخونه.

وقف حسام وقال بهدوء “سأمنحك بعض الوقت إلى أن تتحسّن حالتك لتبدئي العمل بشكل رسمي، وخلال ذلك أنت تحت حمايتي”

ومباشرة نظر حسام إلى لينا وقال “هل يمكن أن نتحدّث في الخارج؟”

وقفت لينا واقتربت من ندى الّتي نظرت إليها فقالت “سأعود”

خرجت لينا مع حسام وابتعدا عن المنزل قليلا ثمّ قالت لينا “هل اخترتها لأنّها أضعف من أن تخونك أو لأنّك تشفق عليها؟”

حدّق حسام بالصيّادة قليلا ثمّ قال “الوضع مفيد لكلينا لذلك اخترتها”

“مممم” اكتفت لينا بالتحديق به فقال “إذن لماذا قمت أنت بمساعدتها؟ أكان ذلك شفقة؟”

فكّرت لينا قليلا مع نفسها ثمّ قالت “ربّما لأنّه كان واجبا عليّ مساعدتها، لا أعلم تماما”

ابتسم حسام وقال “إن قلت بأنّني كنت أبحث بالفعل عن طريقة لمساعدتها، هل ستندمين لأنّك تدخّلت وأضعتِ وقتك؟”

ابتسمت لينا بدورها وقالت “لا، كانت تجربة ممتعة”

حينما سمع حسام كلمة ‘ممتعة’ من لينا، عرف بأنّ الشائعات عن كونها لا تفهم المشاعر هي شائعات حقيقية. ندى كانت تعاني خلال أيّام المحاكمة ومواجهة زوجها، بينما كانت لينا مستمتعة لأنّها تشهد شيئا جديدا لم تره من قبل.

“إذن بما أنّني قد جعلتك تحصل على موظّفة كنت تحتاجها، سيكون عليك تلبية طلب لي” قالتها لينا بابتسامة جعلت حسام يستغرب ما قد تطلب فقال “ما الّذي قد تطلبه منّي الصيّادة؟”

“لنتبارز”

استطاع حسام في تلك اللّحظات القصيرة أن يفكّر في عدّة أشياء قد تطلبها، لكنّ طلبها كان أبسط بكثير ممّا توقّعه.

كانت لينا تعلم بأنّ الحصول على بعض الوقت مع زعيم البرق ليس سهلا، فنادرا ما يظهر وجهه حتّى خلال المهمّات، ولذلك شعرت بأنّها فرصة لا تعوّض.

ابتسم حسام وقال بعفوية “لا أمانع، لكن لا تتوقّعي أسلوب مبارزة أنيق كالّذي تتعلّمينه في الشرق”

شعرت لينا بالحماس حينما سمعت كلامه وقالت مباشرة “أتطلّع شوقا لرؤية أسلوب المرتزقة”

ما قصده حسام هو أمر يعرفه الكثير من السيّافين. فأسلوب المرتزقة في القتال هو أسلوب مختلف تماما عن أسلوب السيّاف، وذلك لأنّ المرتزقة يجمعون بين السيف والقتال الجسدي، وهو أسلوب يحتاج إلى سنوات من التعلّم وسنوات من الخبرة الميدانية، فلا يوجد مرتزقة لم يكن على وشك الموت مرّة على الأقلّ في حياته.

ركب كلّ من حسام ولينا حصانيهما ليجدا مكانا نائيا يتبارزان فيه، وقبل الانطلاق سمع حسام لينا تقول “لير” ليخرج نسرها الكبير.

حدّق حسام بلير بهدوء رغم أنّها المرّة الأولى الّتي يراه فيها، وقد تذكّرت لينا حينما قال لها رامز بأنّها إن التقت شخصا لا يندهش عند رؤية لير لأوّل مرّة، فذلك يعني بأنّه قد اختبر طاقة الظلام من قبل. في تلك اللّحظات حدّقت لينا بحسام بصمت وهي تنتظر فرصة لمسه.

وصل الاثنان إلى مكان مناسب وسط غابة صغيرة قريبة من القرية، حينها سحب حسام سيفه وقال “هل تستخدمين عادة سيفا حقيقيا؟”

“أحيانا” قالتها لينا بابتسامة عرف منها حسام بأنّها تتدرّب بسيف خشبي، حينما تنهّد وقال “سنبدأ بهدوء، إن رأيت بأنّ مهاراتك ضعيفة فلن أواصل”

توقّعت لينا بأنّه سيخشى مواصلة المبارزة لأنّه لا يريد تحمّل مسؤولية تعرّضها للأذى، حينها قالت بهدوء “موافقة”

بدأ الاثنان القتال بحركات يمكن توقّعها، وبعد فترة قصيرة أمسك حسام الصيّادة من ذراعها وسحبها نحوه قائلا “أنت أمهر ممّا توقّعت”

كانت حركة حسام خاطفة لم تتوقّعها لينا، لكنّها عرفت ممّا قاله بأنّه قرّر مواصلة المبارزة، وقبل أن تجيب بشيء، ترك حسام ذراعها بعنف وكادت أن تسقط لولا أن أسندت نفسها بالسيف في آخر لحظة.

ابتعد حسام قليلا وهو يحدّق بها بصمت، وفهمت لينا في تلك اللّحظة بأنّه بدأ يستخدم أسلوبه الحقيقي. لينا قويّة، لكنّها لا تستخدم قوّتها خلال المبارزة إلّا من خلال سيفها كما يفعل الكثير من السيّافة، ولهذا لم تستطع فعل شيء حينما أمسكها بتلك الطريقة.

ابتسمت لينا ابتسامة تعبّر عن سعادتها ووقفت لاستكمال القتال. دامت المبارزة بين الاثنين لبعض الوقت، وحينما انتهى القتال، مدّ حسام يده للينا الّتي كان قد أسقطها في آخر ضربة. أمسكت لينا يد حسام ووقفت وهي تحدّق بلير الّذي كان واقفا على شجرة قريبا منها، عرفت لينا من ردّ فعل لير بأنّ حسام نظيف من طاقة الظلام.

التقط حسام رداءه الّذي كان قد خلعه، وحينما همّ بوضعه سمع لينا تقول “ما رأيك أن تقوم بتعليمي كلّما التقينا؟”

استغرب حسام سؤالها وقال “وماذا سأحصل في المقابل؟”

“ماذا تريد؟” قالتها لينا بابتسامة فاقترب منها حسام وقال مبتسما “لا شيء حاليا، لكنّك تدينين لي بمعروف في المستقبل”

“لك ذلك”

لقراءة الفصل الثاني عشر: الصيّادة لينا – الفصل الثاني عشر: الأمير



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا