الصيادة-لينا-الفصل-13

الصيّادة لينا – الفصل الثالث عشر: الاتفاقية

في الشرق كان رامز جالسا في مكتبه حينما تنهّد بعمق وقال “أخبرتها بألّا تحشر أنفها فيما لا يعنيها”

“انظروا من يتكلّم” قالها عماد الّذي كان يجلس على الكرسي مقابل المكتب، ويجلس أمامه لؤي.

رفع لؤيّ نظره عن الأوراق الّتي كان يعمل عليها وقال مبتسما وهو ينظر إلى رامز “يبدو بأنّها تشبه أباها، لقد ربّيتها بشكل جيّد”

“اخرس” قالها رامز بينما ضحك لؤي.

كانت الأخبار قد وصلت إلى مسامع رامز بأنّ لينا قد تدخّلت بشأن قضيّة طلاق في المنطقة الوسطى، ولهذا كان منزعجا من تدخّلها في ذلك. فرامز يعلم بأنّ لينا تتصرّف بناء على شعورها بالفضول في كثير من الأحيان، وهو يتمنّى منها أن تتوقّف عن فعل ذلك، فالفضول يقتل القطّة كما يُقال.

لكن من جهة أخرى، يعرف رامز في نفسه بأنّه ربّما بالفعل قد أثّر على لينا، فكما قال لؤي، هي تسأله دوما وتأخذ منه النصيحة فيما يخصّ التعامل مع النّاس، ولهذا ربّما ساعدت المرأة لأنّها رأت كيف يساعد رامز من يحتاج إليه.

شعر رامز بنوع من السعادة والفخر، لكنّه لم يرد إظهار تلك المشاعر أمام لؤيّ وعماد.

“لكن ماذا لو بدأت لينا تشعر بالمشاعر مثل البشر وقبلت بالزواج من الأمير؟” قال لؤيّ بشكل مفاجئ.

تذكّر كلّ من رامز وعماد ذلك المنظر حينما شاهدا الأمير أمامهما يحاول التودّد إلى لينا، وقال كلاهما بنظرة اشمئزاز “مقرف”

لم يكن أيّ من رامز وعماد وحتّى لؤيّ يطيق الأمير رائد، فمجرّد رؤيته يتودّد إلى لينا بطريقة مبتذلة جعلتهم يضعونه في خانة المكروه دون سبب.

عاد رامز إلى العمل وقال بعفوية “يستحيل أن تقبل لينا بشخص مقرف مثله”

“يستحيل أن تتزوّج تلك الفتاة أصلا” قالها عماد فردّ رامز مباشرة قائلا “صحيح”

حدّق لؤيّ بهما ثمّ قال بابتسامة “ربّما”

بحلول المساء، تمّت دعوة لينا لمقابلة الملك في غرفة الاستقبال، وقد كان رائد هناك أيضا. لا يبدو الملك كبيرا في السن، لكنّه لم يعد شابا حتما. يملك الملك شعرا أسود وعينين عسليتين، ويرتدي ملابس رسمية بألوان زاهية، لكنّها ليست مبهرجة مثل ابنه.

جلست لينا مع الملك والأمير وتحدّثوا قليلا عن الأمور الرسمية، وحينما شعرت لينا بأنّ الوقت مناسب قالت وهي تنظر إلى الملك “هناك طلب رسمي أريد تقديمه”

“تفضّلي” قالها الملك مباشرة وهو يتوقّع المزيد من الاقتراحات، أو ربّما الأوامر، فيما يخصّ جبال الظلام، لكنّ لينا فاجأته حينما قالت “أريد توقيع اتفاقية مع جميع زعماء المناطق لاستدعاء رامز سيّد الشرق في حال ما لم يستطيعوا التواصل معي”

لم يكن الملك وحده من كان متفاجئا، فقد شعر رائد بالقلق من جهة لأنّ كلامها يشير إلى احتمالية اختفائها في أيّ وقت، وبالخيبة من جهة أخرى لأنّها تعلن بصوت مرتفع بأنّها مقرّبة من سيّد الشرق.

“ما الّذي يعنيه هذا الكلام؟” قالها رائد وعلامات الدهشة لم تغادر وجهه فقالت لينا “لا أعتقد بأنّني قلت كلاما غير مفهوم”

حاول رائد الردّ عليها فقاطعه الملك قائلا بهدوء “سأطلب من مساعدي إعداد الطلب وسأقوم بإرساله إلى زعماء المناطق الأخرى”

يبدو بأنّ الملك كان يعرف بأنّ لينا لن تشرح أكثر من ذلك، ولهذا السبب أيضا قامت لينا بتقديم طلبها إليه وليس إلى الأمير، فهي تعرف بأنّ رائد سيحاول الاستفسار وسيزعجها بالأسئلة.

بعد انتهاء المحادثة، خرجت لينا ولحقها الأمير مباشرة. حاولت لينا تجاهله لكنّه لحق بها ووقف أمامها قائلا “ألا يمكن أن تشرحي لي ما الّذي يحدث؟”

تنهّدت لينا بعمق وقالت “لم يحدث شيء بعد، لكن في حال ما حصل شيء ما فسأحتاج لرامز، هذا كلّ ما في الأمر”

في الواقع، لم تكن لينا تعلم تماما كيف سيستطيع رامز المساعدة، لكنّها كانت تثق بأنّه سيجيد التصرّف. صحيح بأنّها لم تكن راضية تماما عن فكرة الاستعانة برامز، لكنّها تعرف بأنّه سينفّذ ما برأسه وسيخرجها من أيّ مشكلة حتّى وإن لم تكن تريد الخروج منها.

بدت علامات الإحباط على وجه رائد حيث قال “لماذا هو؟”

فكّرت لينا قليلا وقالت في نفسها ‘هل هذا الأحمق يشعر بالغيرة؟’

وحينما انتبهت بأنّه ينتظر منها ردّا قالت “لست بحاجة للردّ على هذا”

اكتفى رائد بالصمت فقالت لينا “إذن أراك غدا” وغادرت من فورها بينما ظلّ هو واقفا هناك.

كان رائد يعلم دوما بأنّ لينا كانت مقرّبة من رامز، لكنّها تؤكّد ذلك لأوّل مرّة، وتفعل ذلك أمام جميع زعماء المناطق. لقد كانت صعبة المنال من قبل، أمّا الآن فتبدو بعيدة جدّا. دارت أفكار كثيرة برأس رائد وهو يسير في الرواق لا يعلم إلى أين يذهب.

في صباح اليوم التالي، كان البرنامج بأن تذهب لينا للتحقّق من جبل الظلام، ثمّ تواصل رحلتها مباشرة. عادة ما يطلب منها الأمير البقاء، وأحيانا تلبّي طلبه، لكنّه لم يفعل هذه المرّة.

استيقظت لينا مبكّرا واتّجهت إلى ساحة التدريب كعادتها، فهي تحبّ دوما أن تبدأ يومها بالتدرّب على السّيف كلّما استطاعت. حينما وصلت إلى ساحة التدريب، كان رائد هناك بالفعل، وبمجرّد أن رآها قال مبتسما “كنت بانتظارك”

كانت ساحة التدريب هذه خاصّة بالأمير فقط، ولهذا لم يكن هناك أيّ أحد فيها سوى أحد المرافقين الّذي خرج من الساحة بمجرّد أن ظهرت لينا. كانت لينا تقوم أحيانا بالاطّلاع على تدريبات الفرسان الآخرين، لكنّها لم تشعر بالحاجة للاقتراب أكثر من أيّ أحد. 

ابتسمت لينا بدورها واقتربت منه قائلة “ظننتك سترفض التدرّب معي”

“لست طفلا لأفعل ذلك”

قالها رائد بعفوية وبدأ الاثنان المبارزة بسيوف خشبية. لم تكن لينا مرتاحة كثيرا للأمير منذ أوّل لقاء لهما، لكنّها لا تستطيع سوى الشعور بالراحة حينما يكون على طبيعته بعيدا عن التلاعب والألغاز. وقد كان وقت القتال بالسيف معه من أفضل الأوقات بالنّسبة للينا، فعدا عن كونه سيّافا ممتازا يضاهي رامز، تحبّ لينا الملامح الّتي تعلو وجهه والّتي تعبّر عن استمتاعه بوقته معها.

حينما انتهت المبارزة قال الأمير وهو يقوم بإبعاد شعره عن وجهه “يبدو بأنّك ستصبحين سيّافة ماهرة في وقت قصير”

“ربّما لأنّني أتدرّب مع الأفضل فقط”

ابتسم الأمير واقترب من لينا قائلا “إذن ستغادرين اليوم؟”

“صحيح”

“فهمت، لقد قمت بالفعل بتحضير فرقة لمرافقتنا إلى جبل الظلام، لذلك سننطلق بعد قليل”

“وماذا عن طلب الأمس؟”

“كلّ شيء جاهز، لنذهب إلى مكتبي وسأريك الاتّفاقية”

ابتسمت لينا وشكرت الأمير، ثمّ سار الاثنان معا للعودة إلى القصر. يبدو بأنّ الأمير يفضّل التظاهر بأنّ شيئا لم يحدث بالأمس، وقد كان ذلك مناسبا للينا الّتي لن تمنحه سوى خيبة الأمل إن واصل محاولة معرفة سبب تلك الاتّفاقية. شعرت لينا بأنّ طلبها هذا سيسبّب عاصفة في جميع المناطق، لكنّها وعدت رامز ولم يعد بالإمكان التراجع. 

مرّت عدّة أيّام إلى أن وصلت رسالة من المنطقة الوسطى، وبالتحديد من الملك، وقد جاء فيها تفاصيل الاتفاقية الّتي تلزم زعماء المناطق باستدعاء رامز في حال تعذّر الوصول إلى الصيّادة. حينما اطّلع عماد ولؤيّ على تفاصيل الاتفاقية نظر عماد إلى رامز بوجه غاضب وقال “هل جننت؟”



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا