الصيادة-لينا-الفصل-5

الصيّادة لينا – الفصل الخامس: في قبضته

لقراءة الفصل الرابع: الصيّادة لينا – الفصل الرابع: فوضى

تجمّدت لينا في مكانها وهي تسمع صوت اقتراب رامز من الباب، وحينما قام بفتحه قال مباشرة “هل نسيت كيفية طرق الباب؟”

حدّقت لينا برامز للحظات ثمّ أشاحت بنظرها عنه فقال “ادخلي”

دخلت لينا وجلس كلاهما فقال رامز “تأخّرتِ كثيرا”

“كنت مع رؤى” 

“توقّعت ذلك”

“أعتذر، لم أعرف بأنّك تنتظرني”

استغرب رامز من اعتذارها المفاجئ ثمّ قال مبتسما “لا بأس، لكن ألّا يجب أن تنظري إليّ وأنت تتحدّثين؟”

رفعت لينا رأسها والتقت عيناها بعيني رامز فقال دون أن تختفي ابتسامته “أعلم بأنّك تشعرين بالذنب، لكن لديّ شرط قبل أن أسامحك”

كانت لينا تعتقد بأنّها ربّما قد حطّمت علاقتها مع رامز إلى الأبد، لكن أن تسمع منه بأنّه مستعدّ لمسامحتها بهذه السهولة جعلها تشعر بأنّ روحها قد عادت إليها. لكن في نفس الوقت، شعرت لينا بالخوف من هذا الشرط، فهناك أشياء كثيرة لم تخبر بها رامز عن حياتها ونشأتها وقواها الغريبة، وهي أمور لازالت لا تستطيع البوح بها.

أخذت لينا نفسا عميقا وقالت “ما هو الشرط؟”

“أخبريني عمّن تبحثين”

ابتسمت لينا ابتسامة مرتبكة فأضاف رامز “أنا لن أسألك عن أشياء لا تستطيعين إخباري بها، بل سأنتظر إلى أن تخبريني بها بنفسك، لكنّني أملك الحقّ في معرفة السّبب الّذي جعلك تشكّين بي”

“فهمت” قالتها لينا بهدوء ثمّ تنهّدت براحة وقالت “هل أنت بخير؟”

“أنا بخير، اختفى الصداع تماما”

“سعيدة بسماع هذا”

أرادت لينا أن تعتذر ثانية لكنّها شعرت بأنّ تكرار الاعتذار سيجعله فارغا لا معنى له. في الواقع، ربّما تفهم لينا الآن لأوّل مرّة معنى الاعتذار، رأت حالات كثيرة أمامها لأشخاص يعتذرون، لكنّها لم تستطع فهم ما يشعرون به تماما. أمّا الآن فهي ربّما تفهم نوعا ما ذلك الشعور، إنّها الحالة الّتي تتمنّى فيها لو لم يحدث ما حصل أصلا، وتشعر فيها بالعجز لأنّها لا تستطيع إعادة الزمن إلى الوراء.

حدّقت لينا برامز لبعض الوقت ثمّ قالت “لم تكن الوحيد الّذي مرّ بتجربة سيّئة”

تفاجأ رامز من كلام لينا غير المعتاد. لينا الّتي لا تظهر عادة أيّ مشاعر والّتي تبدو منفصلة تماما عن الحياة الطبيعية تبدو الآن محطّمة كلّيا. كان رامز يرغب في نفسه بأن يراها نادمة لكي يشعر بأنّ مكانته في نفسها مكانة عالية ولم تكن وهما، لكنّه لم يرغب بأن يصل الأمر لهذا الحدّ.

“لينا” قالها رامز وأتبعها بلحظة صمت ثمّ أضاف “أخبريني بما حدث”

“لا أعرف من أين أبدأ” صمتت لينا قليلا ثمّ واصلت قائلة “هناك شخص ما عليّ العثور عليه، يحمل هذا الشخص طاقة الظلام مثلي تماما لكنّني لا أعرف عنه أيّ شيء، كلّ ما أعرفه هو أنّه رجل. أحاول عادة أن ألمس كلّ من أقابله لاستشعار طاقة الظلام لأنّني لا أستطيع الشعور به دون فعل ذلك. لكنّ احتمال فشل عملية اللّمس هو احتمال كبير، فحينما يحمل شخصان هذه الطاقة سيؤدّي ذلك إلى تحييدها، وهذا يعني بأنّ كلا الشخصين لن يستطيع الشعور بالطرف الآخر”

“إذن فقد قمت بلمسي من قبل للتأكّد بأنّني لست من تبحثين عنه؟”

“أجل، كان ذلك في بداية لقائنا. لكن كما قلت من قبل، قد لا تكون طريقة صحيحة”

“أهذا يعني بأنّك تشكّين بكلّ من تقابلين؟”

“أجل، كلّ ما عليّ فعله هو انتظار فرصة إظهار هذا الشخص لنفسه”

“لماذا تبحثين عن هذا الشخص؟”

“ذلك…” تردّدت لينا قليلا ثمّ استطردت “هو الشخص الّذي جعلني على ما أنا عليه، وهو من قام بفتح جبل الظلام، وأيضا…”

بدت لينا مرتبكة كثيرا لكنّ رامز لم يرغب بمقاطعتها فواصلت قائلة “غالبا سيحاول هذا الشخص استغلال قوّتي”

“ما هو هدفه؟”

“الاستمتاع برؤية الناس مهووسين بقوّة الظلام إلى أن يتمّ سحبهم إلى الجبل، لا أستطيع أن أفكّر في سبب آخر لما يفعله”

“فهمت” قالها رامز بهدوء ثمّ أضاف “إذن ما كان سبب ما حدث اليوم؟”

“حينما سألتني إن كنت أبحث عن شخص ما، شعرت فجأة بالخوف، بدا لي وكأنّ الشخص الذي كنت أبحث عنه يسخر منّي لأنني لم أستطع العثور عليه حتى الآن. كان الأمر مفاجئا ولم أستطع السيطرة على نفسي.”

“رغم أنّك تعرفين ماضييّ؟”

“فكّرت في ذلك، وفي كلّ الوقت الّذي أمضيناه معا، لكنّني لم أستطع طرد تلك الفكرة من رأسي”

توقّفت لينا عن الكلام قليلا ثمّ أضافت “لم أقل هذا من قبل، لكنّني في الواقع أفقد السيطرة تماما حينما يتعلّق الأمر بالظلام”

“لاحظت ذلك” قالها رامز وسط دهشة لينا ثمّ أضاف “إذن أعتقد بأنّني سأضيف شرطا آخر”

لم تستطع لينا الاعتراض فواصل رامز قائلا “إن حصل أيّ أمر خطير متعلّق بالظلام مثل عثورك على هذا الشخص، سيكون عليك استدعائي. عليك فعل هذا حتى لو كنت في أقصى الغرب”

شعرت لينا بأنّها في قبضة رامز ولن يكون بإمكانها سوى الرضوخ فقالت “فهمت”

“هل أنت منزعجة؟” قالها رامز مبتسما فابتسمت لينا بدورها وقالت “أنت في موقع قوّة، لذلك لا ألومك على استغلال هذه الفرصة “

ضحك رامز بينما تنهّدت لينا واكتفت بالصمت فقال رامز “إذن ما هي تلك الطريقة التي قمت بها للتأكد بأنّني لا أملك طاقة الظلام؟”

“جعلت لير يضع بعضا من طاقة الظلام في مجرى الطاقة في جسدك، إن كنت تملكها فسأشعر بها على الفور من خلال لير”

“فهمت، لهذا شعرت بصداع غريب”

مدّ رامز يده إلى الطاولة الموضوعة أمامه وهمّ بسكب كوب من الماء ثمّ نظر إلى لينا وسأل قائلا “نسيت أن أسألك إن كنت قد أكلت”

قدّم رامز كوب الماء إلى لينا الّتي أمسكته وقالت “تناولت بعض الحلوى في مقهى رؤى”

“صديقتك تلك غريبة الأطوار حقا، هل يأكل الناس شيئا حلوا وقت العشاء!”

“لا أعلم، كان المقهى مليئا بالزبائن”

“لا شكّ أنهم غريبو الأطوار مثلها”

شربت لينا الماء وانتبهت بأنّ حلقها كان جافّا للغاية. لم يكن رامز يحتاج للكثير من التفكير ليعرف بأنّها كانت بحاجة إلى الماء، فقد كانت متوتّرة منذ بداية الحديث. رامز قائد حقيقي، وقد تعلّم من والده كيف يقرأ النّاس وكيف يهتمّ بشعبه وبالأشخاص المهمّين في حياته. 

صمت كلاهما لبعض الوقت ثمّ قطع رامز الصمت قائلا “لا تقلقي لقد سامحتك، لكن لا يجب أن يتكرّر ذلك”

لم تعلم لينا في تلك اللّحظة إن كان عليها الشعور بالراحة أو القلق، فهي تعلم بأنّ نبرة رامز الحازمة تعني بأنّه إن أخطأت بحقّه ثانية فلن تكون هناك فرصة أخرى. ورغم أنّها على ثقة بأنّها لن تعيد نفس الخطأ، إلّا أنّ الشعور بأنّها في قبضته أمر مزعج قليلا. لطالما كانت لينا حرّة تفعل ما يحلو لها ولا تحتاج لوضع حساب لأيّ شخص، حتى رامز الّذي كانت تشعر بالراحة معه.

لقراءة الفصل السادس: الصيّادة لينا – الفصل السادس: المبارزة



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا