لقراءة الفصل السادس: الصيّادة لينا – الفصل السادس: المبارزة
لم تستطع لينا رؤية لؤيّ بالأمس لأنّه لم يكن في القصر، وكان هذا أوّل لقاء لهما منذ مجيئها. يملك لؤيّ شعرا أحمر وعينان حمراوتان، ورغم أنّ الأساطير تدور حول العيون الحمراء، إلّا أنّ لؤيّ لا يبدو مخيفا على الإطلاق، فشخصيته الجذّابة وابتسامته تجعله محطّ إعجاب، هذا عدا عن إعجاب الفتيات الواضح به أينما ذهب.
وقف لؤي حينما دخل رامز ولينا وقال مبتسما وهو ينظر إلى لينا “سعيد برؤيتك”
بادلته لينا التحيّة بينما انتبه رامز إلى الطعام الموضوع على الطاولة فقال “ألم تتناولي طعامك بعد؟”
جلست لينا إلى الطاولة وقالت بعفوية “استيقظت متأخّرة بسبب شخص ما”
ضحك لؤيّ رغم أنّه حاول كتم الضحك ثمّ قال “عادة يسيء الناس فهم جملة كهذه”
نظرت لينا إلى لؤيّ ثمّ إلى رامز فقال رامز كأنّه يحاول منعها من التحدّث “أخبرتك ألف مرّة أن تنتبهي لكلامك”
ابتسمت لينا وقالت وهي تستعدّ للأكل “لا يهمّ”
ضحك لؤيّ ثانية فضربه رامز على كتفه قائلا “اصمت”
جلس لؤي إلى الطاولة وقال “لا أعتقد بأنّه من اللّطيف تركها تأكل وحدها أليس كذلك؟”
تنهّد رامز وجلس بدوره ليشاركهما الطعام ثمّ قال “استعدّ للذهاب إلى القرى الغربية اليوم، سيرافقك ريان وبعض الفرسان”
“علم”
“وحاول ألّا تتغزّل بالفتيات”
“أنا لا أتغزّل” قالها لؤيّ مبتسما ثمّ أضاف “كلّ ما أفعله هو المجاملة، ألست ترسلني لهذا السبب؟”
“ربّما عليك أن تقلّل من المجاملة إذن، لا أعتقد بأنّك تريد أن تطاردك إحداهنّ كما حصل في المرّة الماضية”
نظرت لينا إلى لؤيّ للحظات ثمّ قالت “رامز عليك استدعائي إن قامت فتاة ما بمطاردته، أعتقد بأنّه سيكون منظرا ممتعا”
“انظروا من تتحدّث” قالها لؤي ثمّ واصل قائلا بابتسامة “أليس الأمير يطاردك أيضا؟”
“ممم” صمتت لينا للحظة ثمّ قالت “ربّما، لكنّه يزعجني حينما أزور قصره فقط، لا يطاردني إلى منزلي كما حصل معك”
قاطع رامز المحادثة قائلا “لؤيّ، ليس لديك النهار بأكمله”
أطلق لؤيّ نفسا عميقا ثمّ وقف قائلا “فهمت فهمت”
وقف رامز بدوره بينما واصلت لينا تناول طعامها بهدوء. ذهب رامز إلى مكتبه حيث رتّب بعض الأوراق في ملفّات وقدّمها للؤيّ قائلا “كالعادة، أريد معرفة كلّ صغيرة وكبيرة”
“لك ذلك” قالها لؤيّ وغادر مباشرة. يقوم رامز يمثل هذه الجولات التفقّدية بشكل دوري، حيث يذهب بنفسه أحيانا بينما يرسل لؤيّ أو عماد في أحيان أخرى. منطقة الشرق من أكثر المناطق المزدهرة والمنظّمة، والفضل يعود لرامز الّذي يعمل بتفان لضمان تسيير حياة شعبه على أفضل ما يكون.
بعد أن غادر لؤيّ عاد رامز ليجلس إلى جانب لينا وقال وهو يسند ذراعه على خدّه “هل سنقوم اليوم بالتحقّق من جبل الظلام؟”
كانت لينا قد انتهت بالفعل من إفطارها فأرخت جسدها على الكرسي وقالت “ألم ترسل ريان للتوّ في مهمّة؟”
“يمكننا الذهاب نحن الاثنان فقط”
حدّقت لينا برامز للحظات ثمّ قالت “هل تحاول إبعادي عن ريان؟”
“بل أحاول إبعاده عنك أيّتها الذكيّة”
“لا يبدو لي بأنّه مهتمّ لأمري كثيرا بعد أن رفضته” قالتها لينا بعفوية فردّ رامز قائلا “لازال يحتاج لبعض الوقت”
ابتسمت لينا وقالت ساخرة “يا لك من شخص لطيف”
ابتسم رامز ووقف قائلا “من الأفضل أن نذهب مبكّرا ونعود مبكّرا”
في الواقع، لم يكن رامز يمزح، بل كان يحاول فعليا إبقاء لينا بعيدة عن ريان. ريان شخص لا يظهر مشاعره بسهولة، فهو فارس حديدي جامد في أغلب الأحيان. ورامز يعرف بأنّ هذا النوع من الرجال لا يقع في خدعة الحب بسهولة، وإذا ما وقع فلن يخرج بسهولة. ريان كان جادّا حينما كان معجبا بلينا وحينما طلب الزواج منها، لكنّه عرف متأخّرا بأنّ لينا ليست مثل أيّ فتاة، فهي تسمّي كلّ من تلتقيه بصديق، ولا تفهم أيّ معنى آخر للعلاقات البشرية، بل ربّما لا تفهم حتّى معنى كلمة صديق، كلّ ما تعرفه هو أنّها تستمتع بصحبة من تلتقيهم. أراد ريان أن يحافظ على الأمل ويحاول انتظار لينا لعلّها تفتح قلبها له، لكنّ محادثة مع عماد جعلته ينسى تلك الفكرة كلّيا.
ذهب رامز إلى مكتبه ورنّ الجرس الموضوع عليه، وبعد لحظات دخل أحد الحرّاس فقال رامز “استدعي من ينظّف الطاولة وأرسل شخصا لاستدعاء سامي”
“علم”
خرج الحارس من فوره وعاد رامز إلى مكتبه بينما انتقلت لينا لتجلس إلى الكرسي أمام مكتبه. دخلت الخادمات لتنظيف الطاولة ثمّ غادرن بسرعة، ولم يعد يُسمع صوت سوى صوت القلم والأوراق. حدّقت لينا برامز الّذي عاد إلى العمل، وحينما اكتفى من تحديقها رفع نظره إليها وقال “ما الأمر؟”
ابتسمت لينا وقالت “ليس عليك أن تقلق”
تجمّد رامز للحظة ثمّ أطلق نفسا عميقا وقال “أعلم بأنّ قلقي لن يفيد بشيء، خاصّة وأنّك تزورين جبال الظلام في المناطق الأخرى دون تواجدي”
“رامز، أنا أفعل هذا منذ ثلاث سنوات”
“أعلم” قالها رامز ثمّ وضع قلمه وقال وهو يعبث بشعره بارتباك “أنا فقط أشعر بأنّ شيئا ما سيحصل إن واصلت تجاهل فقدانك للسيطرة على نفسك”
“ألم تقم بإملاء شروطك عليّ بالأمس، يجب أن تكون سعيدا بهذا الإنجاز” قالتها لينا ساخرة فقال رامز مبتسما “كنت على وشك دفع حياتي ثمنا لذلك الشرط”
“على أيّ حال” قالتها لينا وكأنّما تحاول تغيير الموضوع ثمّ أضافت “لن أخلف وعدي، سأضع طلبا رسميا عند زعماء المناطق الأخرى لاستدعائك إذا ما لم يستطيعوا التواصل معي لأيّ سبب”
“كنت على وشك طرح هذه الفكرة عليك”
ابتسمت لينا وقالت “من الأفضل أن أقدّم أنا الطلب، يعلم الجميع بأنّ علاقتي مع زعيم الشرق متينة ولن يعترض أيّ منهم”
“جيّد” قالها رامز وواصل عمله إلى أن سمع طرقا على الباب. كان سامي نائب قائد الفرسان على الجهة الأخرى من الباب، وقد كان يرتدي زيّ الفرسان الرسمي. انتظر سامي إلى أن سمع صوت رامز يقول “ادخل” ليدخل إلى المكتب.
لقراءة الفصل الثامن: الصيّادة لينا – الفصل الثامن: جبل الظلام