لقراءة الفصل السابع: الصيّادة لينا – الفصل السابع: هدوء
تتمثّل مهمّة الصيّادة لينا الرئيسية في التحقّق من جبال الظلام الخمسة الموزّعة على مناطق القارة. تقع هذه الجبال في عاصمة كلّ منطقة، ولم تكن تلك صدفة مطلقا. فمنذ حوالي ثلاثين عاما، بدأت جبال الظلام تطلق طاقة غريبة لم يفهم أحد ما هي، وكلّما أصابت تلك الطاقة أحدهم جعلته كالمهووس بها، وينتهي به المطاف بدخول الجبل وعدم الخروج مرّة أخرى. حصدت جبال الظلام أرواح الكثيرين، ولهذا قرّر الملك تغيير عواصم جميع المناطق إلى حيث يوجد الجبل، وذلك ليستطيع زعيم كلّ منطقة التعامل مع ما يحدث من نشاطات في الجبل. كان تغيير العواصم أمرا صعبا استغرق وقتا طويلا، لكنّه كان أمرا مفيدا للتعرّف أكثر على ماهية هذه الجبال.
طاقة الظلام لم تكن تجعل الناس مهووسين فقط، بل وتمنحهم قوّة هائلة، وهو ما حاول الكثيرون استغلاله من خلال ترويض هذه الطاقة، لكنّ ذلك لم ينجح، وظهرت موجة جديدة من التضحيات المتعمّدة بالبشر من أجل تجربة ترويض طاقة الظلام. كانت القارة في فوضى كبيرة، ورغم أنّ زعماء المناطق تعهّدوا أمام الملك بمحاسبة كلّ من يحاول استغلال تلك الطاقة الغريبة، إلّا أنّ بعضهم كان وراء تلك الأفعال. ولم تهدأ الأمور فعليا إلّا بعد ظهور لينا.
انطلقت فرقة صغيرة مكوّنة من أربع فرسان مع رامز ولينا إلى جبل الظلام، وهو لا يبعد عن المدينة كثيرا. لم يرغب رامز بإخراج نائب قائد الفرسان معه، فمع غيابه وغياب ريان، يجب أن يكون هناك من يستطيع حماية القصر في حال حصل شيء ما. في الواقع، ليست هناك حاجة لاصطحاب الفرسان، فلينا يمكنها أن تدافع عن نفسها بكلّ سهولة، لكنّه بروتوكول رسمي متّبع من قبل جميع المناطق نظرا لأهمّية دور الصيّادة في الحفاظ على الأمن.
لم يمض وقت طويل إلى أن وصلت الفرقة إلى الجبل. جبال الظلام عبارة عن جبل يتخلّله كهف لا أحد يعرف إلى أين يأخذ، أو ربّما لا أحد يعرف سوى لينا، فعلى الأقلّ هذا ما تناقلته الشائعات لفترة بعد ظهور لينا لأوّل مرّة. يبدو الجبل من بعيد جبلا عاديا، لكنّ اقتراب أيّ شخص منه ولمسه يؤدّي إلى إطلاق طاقة الظلام. ولهذا يحيط بالجبل عدد من الفرسان لحمايته، وقد كانت تلك ترتيبات الصيّادة الّتي فرضتها على جميع المناطق، مع تبديل المناوبة بين الفرسان والحفاظ على الحراسة طوال الوقت، حتّى في اللّيل.
قبل ظهور الصيّادة، كانت جبال الظلام تطلق طاقة الظلام وتصيب بها الناس بشكل عشوائي. لكنّ لينا استطاعت إغلاق طاقة الجبال، ولهذا تقوم بتفقّدها دوريا للتأكّد بأنّها لازالت مغلقة.
ترجّل الجميع عن الأحصنة بينما توجّه رامز إلى قائد حرّاس الجبل لتفقّده. جالت لينا ببصرها نحو الجبل ثمّ نادت على لير، ليظهر نسرها الفاتن.
حلّق لير عاليا ثمّ عاد إلى لينا ووقف على ذراعها، وتوجّهت نحو الجبل بينما انتظرها البقيّة بعيدا. وصلت لينا إلى الجبل ووضعت يدها عليه، وبعد فترة ابتسمت وداعبت لير. لم يكن أحد يفهم ما تفعله لينا، فكلّ ما يعرفونه هو أنّها تقوم بلمس الجبل لتفقّده.
ظلّ رامز يحدّق بلينا طوال الوقت بصمت، وبمجرّد أن عادت من الجبل ركبت حصانها مباشرة قائلة “لنعد”
هذا ما يحدث دائما، كلّما زارت لينا الجبل تعود منه صامتة، ورامز لا يجرؤ على إفساد تلك اللّحظات لأنّه لا يعرف تماما ما يعني لها الظلام، لكنّه يستطيع أن يفهم بأنّ علاقتها به علاقة معقّدة.
أمضى لؤيّ وريان يومين خارج القصر لإنجاز مهمّة تفقّد المناطق، وهي مدّة قصيرة لأنّها مناطق قريبة. حينما عاد كلاهما مع الفرسان إلى القصر، استقبلهم رامز أمام بوّابة القصر قائلا “عمل جيّد جميعكم”
تحدّث رامز مع لؤيّ وريان لبعض الوقت بشأن العمل، ليقاطع لؤيّ فجأة الحديث قائلا وهو ينظر إلى حديقة القصر الجانبية “أعتقد أنّها فقدت ما تبقّى من عقلها أخيرا”
التفت كلّ من رامز وريان إلى حيث ينظر لؤي، وكان منظرا معتادا لكنّه لا يزال مثيرا للإعجاب.
كانت لينا مستقلية على أحد المقاعد في الحديقة بينما يتدلّى رأسها تقريبا من حافّة الكرسي، وقد كانت تنظر جانبا إلى شيء ما، وتجمع ذراعيها معا.
شعرت لينا باقتراب رامز لكنّها لم تحرّك ساكنا إلى أن غطّى أشعّة الشمس وقال “ألم أخبرك ألّا تستلقي بهذه الطريقة أمام الآخرين؟”
“أنت تحجب الشمس” قالتها لينا بعفوية فابتعد رامز قليلا ثمّ التفت إلى حيث تنظر لينا وقال “ما الّذي يثير فضولك بشأن تلك المرأة؟”
كانت لينا تنظر إلى سيّدة جالسة في الجهة الأخرى من الحديقة مع طفلها الصغير بين ذراعيها. لا شكّ بأنّها أحد زوّار القصر أو سكّانه المؤقّتون.
“لا شيء محدّد” قالتها لينا ثمّ حوّلت نظرها إلى رامز وقالت “لقد اعتاد الناس على رؤيتي لذلك لا داعي لإزعاجي في كلّ مرة”
ابتسم رامز ولم يعد راغبا بمجادلتها فابتسمت لينا بدورها وقالت “ما رأيك بتناول العشاء معا خارج القصر؟”
“هل هناك مكان ما تريدين الذهاب إليه؟”
“هناك مطعم جديد في المدينة أريد تجربته”
“جيّد، سأنهي بعض الأعمال إلى أن يحين وقت الذهاب، ماذا ستفعلين خلال هذا الوقت؟”
“ممم، سأواصل الاستلقاء هنا في الوقت الحالي”
كان رامز يرغب بشدّة أن يجعلها تعدّل من وضعية جسمها على الأقلّ، لكنّه يعلم بأنّها تعتبر القصر منزلها وترتاح فيه، كما يعرف بأنّها غريبة الأطوار، ولهذا لم يرغب بإزعاجها.
ما تفعله لينا حينما تمضي إجازتها في الشرق هو أمر بسيط، الاستمتاع بكلّ لحظة وتأمّل النّاس من حولها. حينما بدأت لينا اعتبار الشرق منزلا لها وبدأت بالاسترخاء في القصر، شبّهها عماد بالقطّة، فإذا ما لم تكن في رحلة ما مع رامز أو في زيارة لرؤى أو تقوم بالتسوّق مع نغم، فهي تستلقي هنا وهناك مثل القطط وتحدّق بالنّاس أو بالسماء فوقها.
في هذه الأثناء كان الأمير رائد مسندا خدّه على ذراعه وهو يجلس على مكتبه يحدّق من النافذة الجانبية المطلّة على الحديقة، بينما كان مساعده يتحدّث عن أمور متعلّقة بالعمل. لم يكن الأمير يستمع مطلقا، بل كان يفكّر في الصيّادة، هو يعرف بأنّها في الشرق وبأنّها ستنطلق في رحلتها المعتادة قريبا، وستكون المنطقة الوسطى أوّل محطّة لها.
‘لا أستطيع الانتظار إلى أن أراها مجدّدا’ قالها الأمير في نفسه بينما واصل تحديقه عبر النافذة.
لقراءة الفصل التاسع: الصيّادة لينا – الفصل التاسع: سأنتظرك