لقراءة الفصل الثامن: الصيّادة لينا – الفصل الثامن: جبل الظلام
أمضت لينا حوالي عشرين يوما في الشرق، ثمّ قرّرت البدء برحلتها المعتادة. لا تحدّد لينا عادة مدّة مكوثها في الشرق، بل تمضي الوقت هناك بشكل عشوائي ثمّ تقرّر المغادرة بشكل عشوائي.
في صباح يوم رحيل لينا، تجمّع أمام بوّابة القصر كلّ من رامز وعماد ولؤيّ وريان ونغم، وذلك لتوديعها كالعادة. وضعت لينا حقيبتها على ظهر فرسها بينما كان لير بالفعل على ذراع رامز، وكأنّما يودّعه. حينما قال الجميع كلمات الوداع تحدّث رامز مع لير قائلا “اعتني بنفسك وبسيّدتك”
ابتسمت لينا وقالت ساخرة “أخشى أن يأتي يوم يرفض فيه لير المغادرة معي بسببك”
ابتسم رامز بدوره ثمّ اقترب من لينا وقال بصوت أشبه بالهمس “أنتِ لن تنسي وعدك لي صحيح؟”
“لن أفعل” قالتها لينا مبتسمة ثمّ ركبت فرسها بينما حلّق لير عاليا.
ربّت رامز على الفرس وقال وهو ينظر إلى لينا “سأنتظر عودتك”
شعرت لينا بأنّ نظرة رامز مختلفة عن المعتاد كلّما رحلت عن الشرق، حاولت كثيرا أن تفهم السبب لكنّها لم تستطع، ولازالت تحاول لأنّها لا ترغب بسؤال أحد عن هذا الأمر، ولا تريد أن تسأل رامز ولا تعرف سبب ذلك.
اكتفت لينا بابتسامة ردّا على رامز وانطلقت بفرسها.
حدّق رامز بلينا طويلا إلى أن اختفت عن الأنظار، وخلال تلك الفترة أشار عماد إلى الآخرين بالمغادرة.
ريان بدوره غادر دون أيّ مشاعر مختلطة. قام رامز بعمل جيّد في إبقاء لينا بعيدة عنه، وهو ممتنّ له كثيرا رغم أنّه لم يستطع استجماع الشجاعة ليقول له ذلك مباشرة. ريان لا يرغب بقطع علاقته بلينا كلّيا، فقد كانا صديقين يجمعهما حبّ السيف. لكنّه يعرف أهمّية التعافي من مشاعره نحوها ليستطيع المضيّ قدما.
شعرت لينا بسعادة غامرة والريح الباردة تداعب وجهها. صحيح بأنّها تحبّ الشرق، لكنّها تحبّ حرّية السفر أكثر من أيّ شيء آخر.
وجهتها التالية هي المنطقة الوسطى، وهي المنطقة الّتي تقع تحت حكم الأمير. تخضع القارة لنظام ملكي، حيث يعيش الملك في المنطقة الوسطى بينما يمنح ابنه سلطة الحكم فيها. لكنّ الملك لا يحكم بقيّة المناطق، فكلّ منطقة لها سيّد يحكمها ولا يمكن للملك التدخّل إلّا إن أضرّ السيّد بحياة شعبه. ولهذا يمكن القول بأنّ الملك يمثّل حلقة الوصل بين المناطق الأربعة في القارة.
تستغرق رحلة لينا إلى المنطقة الوسطى حوالي أسبوع أو أكثر، وتتوقّف في المساء لتستريح فرسها. كانت لينا في بداية رحلاتها تنام خارجا حينما يحلّ اللّيل وهي بعيدة عن المدن والقرى، لكنّ رامز ألحّ عليها أن تتوقّف عن فعل ذلك وأن تحسب رحلاتها لتكون في قرية أو مدينة حينما يحلّ اللّيل، وما كان منها سوى الرضوخ وفعل ذلك.
بعد ثلاثة أيّام، وصلت لينا إلى قرية ساي، وهي قرية مشهورة بامتلاكها أحد أشهر مراكز التدريب على السّيف. عادة ما تكون قرية ساي محطّة توقّف تمضي فيها الصيّادة يوما أو يومين قبل مواصلة رحلتها، وذلك لأنّها تحبّ الاطّلاع على أساليب التدريب في المركز.
دخلت لينا إلى طرقات القرية على ظهر فرسها وقد تعرّف عليها سكّان القرية بسبب زياراتها المتكرّرة. لا يتعامل النّاس عادة مع لينا إلّا إن تحدّثت هي معهم أوّلا، فمن لا يعرفها يشعر بهالة مخيفة تحيط بها. سارت لينا بهدوء وهي تتأمّل الأشجار الّتي بدأت أوراقها بالتساقط بالفعل، إذ يبدو أنّ الخريف قد حلّ بالفعل.
خرجت امرأة فجأة في الطريق أمام لينا وتوقّفت في مكانها وكأنّها تقطع الطريق عليها، أوقفت لينا حصانها وحدّقت بالمرأة الّتي تبدو ثيابها رثّة وبنيتها الجسدية ضعيفة. رفعت المرأة رأسها إلى لينا والدموع تتساقط على خدّيها وقالت بكلمات مرتجفة “أرجوك ساعديني”
تجمّع الناس حول لينا وقال أحدهم منزعجا “كيف تجرئين على قطع طريق الصيّادة؟”
شعرت لينا من خلال المنظر أمامها بأنّها ربّما لا تعرف قرية ساي حقّ المعرفة.
ترجّلت لينا عن فرسها واقتربت من المرأة قائلة “من أو ما الّذي جعلك ضعيفة بهذا الشكل؟”
لم تستطع المرأة حبس دموعها لكنّها استطاعت الإجابة قائلة “زوجي”
التقت لينا في الثلاث السنوات الّتي أمضتها متجوّلة العديد من الحالات عن العلاقات البشرية، لكنّها لأوّل مرّة تلتقي بحالة عنف أسري حقيقية، كانت تعتقد بأنّها حالات تحدث في الكتب فقط أو ربّما حدثت قديما.
جالت لينا ببصرها وعرفت من خلال نظرات الناس حولها بأنّ أغلبهم يعرف حال المرأة لكنّهم لا يشعرون بأنّه من الضروري التدخّل، أو ربّما يشعرون أنّه من المزعج أن تطلب منهم المساعدة.
تنهّدت لينا وقالت “لير” ليظهر لير ويقف على كتفها. ارتعب النّاس حينما رأوا لير فقالت لينا “انصرفوا جميعكم” وما كان منهم سوى فعل ذلك تجنّبا لأيّ مشاكل.
وضعت لينا يدها على خدّ المرأة ومسحت دموعها قائلة “أنت بأمان طالما قد لجأتِ إليك، أعدك بأنّني لن أخذلك”
كانت لينا تعرف بأنّ المرأة احتاجت لشجاعة كبيرة لمواجهتها وطلب المساعدة، فهي تعرف بأنّ النّاس يخافونها عادة. وعدا عن ذلك، من الواضح بأنّها حاولت كلّ الطرق ولم تستطع حلّ مشكلتها، ولهذا لم تجد بدّا من المغامرة بقطع طريق الصيّادة، رغم أنّها تعرف الشائعات عن كونها شخصا باردا.
مسحت المرأة دموعها وقد اتّضح للينا حينما رأت وجهها بوضوح بأنّها صغيرة في السنّ، رغم أنّها تبدو أكبر بسبب حالة جسمها.
“خذيني إلى منزلك” قالتها لينا بهدوء فارتعشت المرأة وقالت بصوت مرتجف “هل حقّا ستكونين بخير، إنّه رجل عنيف ولا أدري ما قد يفعل معك”
“لا بأس” قالتها لينا بابتسامة وانطلقت كلاهما معا سيرا على الأقدام.
حينما وصلت المرأة إلى منزلها، طلبت منها لينا البقاء بعيدا وقامت بطرق الباب. خرج من المنزل رجل بدا مستغربا من رؤية لينا، وبمجرّد أن لمح المرأة قال بنبرة غاضبة “أنتِ! من سمح لك بالخروج؟”
وضعت لينا يدها على جبين الرجل في حركة مفاجأة، وقبل أن يبتلع المفاجأة سقط فاقدا للوعي، وقد استطاع لير إبطاء سقوطه كيلا يتأذّى.
حدّقت لينا بالرجل وقالت بعفوية “ربّما لو تركته يضرب رأسه لكان أفضل”
التفتت لينا إلى المرأة الّتي وقفت متجمّدة في مكانها وقالت “لا تقلقي، لم أقتله، لا يبدو لي من النوع الّذي يمكن التحدّث معه لذلك أردت أن أسمع منك أوّلا”
في الواقع، لم تكن لينا تفهم كثيرا ما يجب أن يحدث في مثل هذه الحالات، عادة ما يكون الطلاق خيارا، لكنّها لا تعرف ما تريده المرأة تماما.
“هل يمكن أن ندخل ونتحدّث؟”
وقبل أن تجيب المرأة، التفتت لينا إلى المنزل المجاور وقالت “من الأفضل أن تخرج”
يبدو بأنّها شعرت بأحدهم قريبا منها. وبالفعل، خرج من خلف ذلك المنزل شاب ملثّم بشعر أسود وبشرة سمراء وعينان سوداوان، يرتدي رداءً يغطّي معظم جسمه. قال الشاب دون أن يقترب “حتّى لو كنت الصيّادة المشهورة، فلا أعتقد بأنّك تستطيعين حلّ مشكلتها”
“وكيف تعرف ذلك؟”
“لأنّ ذلك الرجل يملك عائلة كبيرة مشهورة بالعنف، وسيقتلها حتما إن قرّرت الانفصال عنه”
التفتت لينا إلى المرأة الّتي كانت ترتجف من الخوف ووضعت يدها على كتفها قائلة “لا تقلقي”
ثمّ حدّقت بالشاب قليلا وقالت “أنت من المرتزقة؟”
تفاجأ الشاب ولم يعرف كيف يجيب فأضافت لينا “ما رأيك أن تعمل لصالحي؟ لديّ الكثير من المال الّذي لا أعرف ما أفعل به، لذلك سأدفع لك مبلغا جيّدا”
لينا لا تتباهى، بل هي حقّا تتلقّى رواتب ضخمة من جميع المناطق، وذلك مقابل الحماية الّتي تقدّمها للقارة بأكملها، ولهذا مهما أنفقت منها فلا يبدو بأنّها تنقص.
بدا الشاب متردّدا وكأنّه يفكّر في عرضها، فهو من جهة يعرف بأنّ الصيّادة صادقة وستدفع له حتما، لكن من جهة أخرى لا يعرف ما قد تطلب، قتل الرجل وكلّ عائلته يبدو خيارا بالنّسبة لشخص بارد مثل الصيّادة.
اقترب الشاب من لينا إلى أن وقف أمامها وقال “سأستمع إلى عرضك”
ابتسمت لينا ودخل الجميع إلى منزل المرأة، وقد تولّى الشاب سحب الرجل الفاقد للوعي إلى داخل المنزل.
لقراءة الفصل العاشر: الصيّادة لينا – الفصل العاشر: المرتزقة