أحاديث تيد

قراءة في كتاب أحاديث تيد… حين تستطيع الأفكار إحداث التغيير

يتمّ تعريف كتاب أحاديث تيد على أنّه دليل تيد الرّسمي لمخاطبة الجماهير. وعنوان الكتاب الأصلي هو:
Ted talks – The Official TED Guide to Public Speaking

صاحب هذا الكتاب هو كريس أندرسون، وهو الرّئيس الحالي لتيد.

تيد أو كما يسمّى أحاديث تيد أو محاضرات تيد أو لقاءات تيد هو عبارة عن فعالية تقام كلّ سنة حيث يقوم فيها المتحدّث بمشاركة قصّة مثيرة مع الجمهور. وغالبا ما تكون تلك القصّة مستوحاة من تجربة استثنائية أو من فكرة استثنائية على المتحدّث أن يصوغها بشكل جيّد في خطابه لتؤثّر في جمهوره.

لكن لسنا هنا لنعرّف أحاديث تيد، بل لنعرّف الكتاب الّذي يحمل نفس العنوان.

قد ترغب بقراءة: هل يجب على المرأة تغطية وجهها في الإسلام؟ (1)

احصل على ثانوية الأشباح

ما هو هدف كتاب أحاديث تيد ؟

ما راقني في هذا الكتاب أكثر هو ما قاله كريس في بدايته، فهو قد طرح على قرّائه سؤالا: إن كنت ترغب بقراءة هذا الكتاب لتصبح متحدّثا مشهورا فأنصحك أن تضعه من يديك وأن تبحث عن أمور مفيدة أكثر تفعلها. أمّا إن كنت تقرؤه لأنّك تملك فكرة مثيرة تريد مشاركتها مع الآخرين فواصل القراءة.

يتّضح من هذه المقدّمة مدى شغف كريس بالأفكار، فلا يتعلّق الأمر بأن تكون متحدّثا بارعا مشهورا، بل يتعلّق بأهمّية الفكرة الّتي تقدّمها، هل لها فائدة؟ وهل ستضيف رصيدا إلى جمهورك؟

الجميل في الكتاب أيضا هو أنّه لا يخاطب المتحدّثين في أحاديث تيد فقط، بل يخصّ كلّ من يرغب بتحضير محاضرة ما. سواء تعلّق الأمر بواجب مدرسي أو بلقاء عمل أو محاضرة تلقيها في مؤتمر ما، فهذا الكتاب هو الدّليل الّذي يقودك إلى أفضل طريقة تلقي بها خطابك وتوصل بها فكرتك إلى جمهورك.

يقتبس الكتاب أفضل طرق إلقاء المحاضرات من مجموعة من المتحدّثين النّاجحين في فعاليات أحاديث تيد. كما يحكي عن كيفية إجراء تغييرات في كيفية إلقاء الخطابات في تيد على مرّ السّنوات، وذلك حسب ما يجدونه من أفكار أفضل يحبّها الجمهور.

لكنّ كريس يركّز على أنّها فكرة سيّئة جدّا أن تختار محاضرا في أحاديث تيد مشهورا بين الجمهور لتقوم بتقليده، فذلك لن ينجح. إذ يجب أن يجد كلّ شخص طريقته الخاصّة الّتي تساعده على أن يستخدم كلّ ما يملكه من مهارات ليقنع جمهوره بفكرته.

“أفكارنا هي ما تجعلنا ما نحن عليه. فالمتحدّث الّذي يستطيع أن يجد طريقة لنشر أفكاره في عقول الآخرين سيكون قادرا على خلق نتائج مذهلة”

ما هي أهمّ الطّرق لخطاب ناجع حسب كتاب أحاديث تيد ؟

– أن تكون شغوفا بالفكرة الّتي تريد أن تتحدّث عنها. فإن كنت لا تؤمن بها، فلن يمكنك إقناع أيّ أحد بها.

– يحتاج الخطاب الّذي يستغرق 10 دقائق فقط لمدّة تحضير أطول من الخطاب الّذي يدوم 30 دقيقة. ففي الوقت المحدود، لن يكون بإمكانك أن تحكي عن كلّ شيء. والخطأ القاتل هنا أن تحاول إدراج كلّ ما تستطيع إدراجه. لكن بدلا من ذلك، قم باختيار الفكرة الرّئيسية المهمّة وطوّرها خلال الحديث لتحصل على أثر أكبر.

– استخدم القصّة في خطابك. قد يدور خطاب ما حول قصّة واحدة مثيرة. ولا يجب أن تكون تلك القصّة تقليدية تخرج فيها باستنتاج تتوقّع أن يروق جمهورك. بل يجب أن تكون مثيرة محبوكة بحيث تقود الجمهور إلى الفكرة الّتي تحكي عنها.

– عليك أن تعرف جمهورك. ينطبق هذا خاصّة حينما تكون المحاضرة علمية أو متخصّصة تحتاج لنوع معيّن من المعرفة. ففي هذه الحالة عليك أن تحدّد ما الّذي يعرفه جمهورك عن الموضوع، وكيف تستطيع أن تبدأ معهم من نفس القاعدة، ثمّ تقودهم إلى فهم هدف الفكرة الّتي تتحدّث عنها.

– أن تتأكّد من أنّك حضّرت كلّ شيء طبعا، بما في ذلك المعدّات اللّازمة مع اختبارها مسبقا.

– أن تستطيع كسب انتباه جمهورك خلال أوّل 10 ثوان، ثمّ أن تضمن التزامهم بالانتباه لكامل المحاضرة خلال الدّقيقة الأولى.

– استخدم الأمثلة في خطابك.

– أن تبتسم وتتحدّث بشكل عادي، دون أن تسرع كثيرا، ودون أن تكون مملّا.

ما الّذي قد يجعل خطابك فاشلا؟

– أن يكون صوتك مملّا يدفع الجمهور للشّعور بالنّعاس.

– أن يوحي صوتك للجمهور بأنّك تردّد الخطاب الّذي تحفظه.

– أن تستهلك الوقت المخصّص لك دون أن تبلغ نصف ما كنت تنوي التحدّث عنه.

– أن يبدو عليك الاضطراب وأنت تحاول أن تتذكّر كيف توازن بين شرائح العرض وبين كلماتك.

– ألّا يعمل مقطع الفيديو الّذي تريد عرضه، أو يتعطّل جهاز التحكّم الّذي تستخدمه لعرض الشّريحة التّالية.

– أن تفشل في النّظر إلى عينيّ أيّ شخص من جمهورك.

– ألّا تشعر بالرّاحة وأنت على المنصّة ولا تعلم كيف يجب أن تقف أو ماذا يجب أن تفعله بجسدك.

– ألّا يضحك الجمهور في الوقت الّذي يفترض أن يضحكوا فيه. وأن يضحكوا في الوقت الّذي لا يفترض فيه أن يفعلوا ذلك.

– ألّا تحصل على وقوف الجمهور في نهاية المحاضرة كما كنت تأمل. بل مجرّد تصفيق عادي.

وأسوء ما يمكن أن يحصل حتما هو أن تنسى لوهلة ما الّذي كنت تريد قوله، فتشعر أنّ عقلك قد توقّف عن العمل ولا تدري ما تفعل.

قد ترغب بقراءة: كيف تحفّز نفسك… لنأخذ العبرة من تجربة عفوية لطفلة صغيرة

كيف تحضّر حديثك حسب كتاب أحاديث تيد ؟

يخبرنا كريس في كتابه أنّه هنالك طريقتان لتحضير خطابك بأفضل شكل.

أولاهما أن تكتبه تماما كما تريد أن تقوله، ثمّ تقوم بحفظه عن ظهر بقلب.

والثّانية أن تتحدّث دون خطاب محضّر مسبقا.

تختلف الطّريقة حسب طبيعة كلّ شخص. فهناك من يجد أنّه يعمل بفعالية أكبر إذا ما حضّر كلّ كلمة يريد قولها ليحصل على التّأثير المرجو. وهناك من يجد أنّه يعمل بشكل أفضل إن لم يكن مقيّدا بذلك، بل يتحدّث في اللّحظة حسب ما يخطر بباله.

لكن…

في كلتا الحالتين هناك أمر مهمّ جدّا، وهو التمرّن.

سواء كنت تحفظ الخطاب أو ترتجل، عليك أن تتمرّن مرّات عديدة قبل إلقائه أمام الجمهور.

فمن خلال التمرّن ستستطيع أن تتذكّر كلّ ما يجب أن تقوله بشكل ممتاز. كما ستتحكّم في الوقت بشكل جيّد. فإن تجاوزت الوقت المطلوب خلال التمرّن، عليك أن تعيد صياغة خطابك وأن تحذف ما يجب حذفه منه.

من المهمّ أيضا أن تتمرّن أمام الأصدقاء، ثمّ تسألهم إن كنت استطعت أن تحصل على انتباههم. وإن كانوا قد فهموا الفكرة الّتي تتحدّث عنها. وهل استطاع حماسك للفكرة أن يؤثّر فيهم.

الأمر المهمّ الّذي يركّز عليه كريس هو أن تعمل على مقدّمتك بحذر. فإن استطعت بناء مقدّمة جذّابة ومثيرة فستحصل على انتباه جمهورك خلال بقيّة المحاضرة.

والخاتمة أيضا مهمّة. فالخاتمة الجذّابة تجعل جمهورك يغادر وقد ترسّخت تلك الفكرة في عقولهم.

لا تقم أبد خلال المحاضرة بالقراءة من شريحة العرض. ومن الأفضل ألّا تستخدم شرائح العرض إلّا إن كنت تريد عرض صور أو مقاطع فيديو.

وآخر شيء يذكّرك به هو ألّا تقلق إن شعرت بالتوتّر خلال صعودك على المنصّة، فحتّى أشهر المتحدّثين قد شعروا بذلك عدّة مرّات. يمكنك إن حصل ذلك أن تخبر جمهورك بأنّك متوتّر، وأن تلتقط أنفاسك وتحاول من جديد. وستجد بأنّ الجمهور سيتحمّس أكثر لسماعك وسيشجّعك على المضيّ.

أفكار كريس أندرسون الكبيرة

أكثر ما راقني في كتاب كريس هو أفكاره الكبيرة المليئة بالحياة. فقد تحدّث بشغف عن بدايته مع تيد ولماذا قرّر أن يدير هذه الفعالية. فقد شعر كريس أنّ الأفكار أمر مهمّ في حياتنا، وأنّ نشرها عن طريق الخطابات والمحاضرات يعني ترسيخ تلك الأفكار في أذهان الملايين ببساطة.

يرى كريس أيضا أنّ العلم قد أصبح مقسّما ومخصّصا كثيرا في الحياة العصرية. فكلّ شخص يدور في دائرة العلم الّذي درسه والمجال الّذي يعمل فيه. لكنّ أحاديث تيد سمحت للكثيرين بالتعرّف على أفكار جديدة وفهمها وتبنّيها رغم أنّها لا تقع ضمن دائرة المجال الّذي يبرعون فيه.

في نهاية الكتاب يسألك كريس إن كانت لديك فكرة تريد الحديث عنها أم لا. فإن كانت لديك فكرة بالفعل فيمكنك الآن أن تعمل عليها وأنت تدرك أهمّية الفكرة الآن أكثر من أيّ وقت مضى. وأنّه طالما لديك الفكرة ولديك الشّغف، فلن تعدم الوسيلة لنشرها، ويمكنك الاعتماد على كتاب أحاديث تيد لتتعلّم كيفية إلقاء خطاب فعّال تحارب به من أجل فكرتك.

وإن لم تكن تملك فكرة بعد فلا تقلق، فستجدها حتما. كلّ ما عليك فعله هو مواصلة البحث إلى أن تجد شغفك في الحياة.

في النّهاية عليّ أن أقول رأيي الخاصّ في أحاديث تيد، فأنا لم أكن شغوفة بها من قبل ولم يجعلني هذا الكتاب شغوفة بها. فأنا أحبّذ القراءة أكثر، وتؤثّر فيّ الكتب الّتي أعشقها أكثر من أيّ شيء آخر في الحياة. لكن مع ذلك يظلّ هذا الكتاب من أكثر الكتب الجميلة والمهمّة الّتي قرأتها. فهو لا يركّز فقط على كيفية تحضير الخطاب، بل يحكي عن أفكار كبيرة لا تعني سوى أمر واحد، وهو أنّ كاتبها شخص رائع أنصح أيّ شخص بأن يقرأ كلماته.

مصدر الصّورة البارزة للمقال.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا