أريد أن أتحدّث قليلا في هذا المقال عن أهمية الدين في حياة الإنسان ، تلك الأهمّية الّتي نسيها النّاس وظنّوا أنّهم قادرون على العيش دونها، وأنّه من الممكن قيام الحياة السّليمة والحضارة المزدهرة دون أن يكون للدّين أهمّية فيها.
قد ترغب بقراءة: صفقة القرن… هل يحاول ترامب فعلا إيجاد حلّ لما يسمّى بالصّراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
فما أهمية الدين في حياة الإنسان وما أثره على المجتمع؟
حينما نتحدّث عن الأيان، فنحن نتحدّث عن عبودية البشر لقوّة خارقة يعترفون لها بالأحقّية في العبودية. وتنقسم الأديان إلى عدّة أقسام. فما يجمع الأديان السّماوية هو عبادتها لله، رغم تحريف بعضها. لكن ما يجمع مختلف الأديان، حتّى أسخفها، هي دائما تلك الرّغبة البشرية بالعبادة والخضوع لقوّة ما، فذلك الخضوع هو ما يمنح الإنسان القوّة ليمضي في هذا العالم.
وتلك الرّغبة البشرية تدلّ على أمر واحد فقط، وهو أنّنا خلقنا لنعبد، ولا يمكن أن تسير حياة الإنسان على هذه الأرض دون أن يعبد شيئا ما. فإمّا أن يعبد الله فيسمو بحياته ويسير بها في طريق مستقيم خال من أيّ منغصّات. أو أن يعبد الشّمس أو البقر أو الأصنام وغيرها، كما هي تلك الدّيانات الّتي لا تأتي لصاحبها سوى بمزيد من التخلّف والانحطاط والتّناقض في الحياة فيعبد ما يُفترض أنّه مسخّر لخدمته. وإمّا أن يعبد البشر أو المال والجاه، فيعبد تبعا لشهوة عابرة أو لذّة لا يكفّ يحاول تجديدها دون فائدة، فالمادّة عمرها لم تصنع ملاذا روحيا للإنسان، ويظلّ عابدها في تيه وحيرة وتناقض مع النّفس إلى أن يموت.
أهمية الدين في حياة الإنسان وعلاقته بالتربية والتّعليم
من خلال قراءتي لكتب التّربية للمفكر ماجد عرسان الكيلاني، تعرّفت على الكثير حول كيفية تطوّر مناهج التّعليم عبر الزّمن، سواء في العالم العربي أو الغربي. ولعلّ أهمّ معضلة حاول فلاسفة التّربية حلّها تكمن في منح التّربية هدفا واضحا ومثلا أعلى.
وقد مرّت مراحل التّربية ووضع المناهج بمراحل صعبة ولازالت تتخبّط حتّى الآن. فبعد الانقلاب على الكنيسة في العالم الغربي، حاول واضعوا مناهج التّربية الابتعاد تماما عن الدّين، وذلك بسبب الخوف منه في تلك الفترة. أضف إلى ذلك الثّورة الصّناعية الّتي وجدت لها مدخلا في عالم التّربية. فصارت المناهج توضع لتؤهّل المتعلّمين إلى مناصبهم، فيتمّ تدريب أصحاب المناصب العليا لمناصبهم، كما يتمّ تدريب عامّة الشّعب للعمل في المصانع. وهو ما توضّحه منهجية التّعليم الّتي تعتمد بشكل كبير على الجزاء والعقاب والخضوع التام للمعلم.
وفي كلّ مرّة يحاول الدّارسون تعديل مناهج التّربية يجدون أنفسهم في نفس الحيرة، كيف يجدون منهج تربية يصل بالإنسان إلى السّعادة؟ وما هو تعريف السّعادة وعلى أيّ أساس يجب بناؤها؟ ورغم أنّ المادّية لازالت تحرّك مناهج التّعليم، إلّا أنّ كثيرا من الخبراء لا يتوانون عن قولها صراحة، وهو أنّ سلخ الدّين عن التّربية لن يقود إلى مجتمع سويّ ولا إلى إنسان سعيد، وسيظلّ الجانب الرّوحي للإنسان الغربي فارغا طالما استمرّ الحال على ما هو عليه.
قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب أشهر 50 خرافة في علم النفس
ما الّذي جلبته لنا حياة لا تعطي الدّين أهمّيته
سلخ الدّين من التّعليم ومن الحياة لا يؤثّر على نفسية الفرد فقط أو على جانبه الرّوحي، بل يؤثّر في المجتمع ككلّ. وما نلاحظه في المجتمع الحديث ليس إلّا نتيجة لذلك. فالإنسان حينما لا يجد مثلا أعلى يعيش لأجله، وحينما لا يؤمن بوجود خالق وبوجود حياة بعد الموت، فإنّ الأفكار الشّاذة تتغلّب عليه. ويبدأ بتجربة كلّ ما هو شاذّ طالما يغلب الإلحاد على تفكيره.
ونتيجة لكلّ هذا، وجد حتّى المتديّن نفسه غير قادر على مواجهة هذا التيّار الصّاعد وأصبح صوتا يتمّ إسكاته واتّهامه بأذيّة الآخرين. والشّذوذ الجنسي هو مثال لذلك. فهو ليس إلّا تجربة للحدود الطّبيعية الّتي خلقها الله فينا، فإن أنت أنكرت وجود الخالق وأنكرت وجود حياة بعد الموت وحساب، فإنّك ستحاول اختراق كلّ الحدود الّتي تعلم في داخلك أنّه من الخطأ اختراقها، وذلك لتثبت فقط بأنّ فكرتك بعدم وجود الخالق صحيحة، رغم أنّ النّفس لن تعترف بذلك مهما حصل.
ورغم كلّ المحاولات لفصل الدّين عن الحياة أو لتهميشه، فلازال يظهر للعلن كلّما شعر الإنسان بالعجر. ولعلّ جائحة كورونا الّتي تصيب العالم في هذه الفترة قد أثبتت ذلك بشكل جيّد. فلم يجد النّاس من مختلف الأعراق والدّيانات ملجأ مريحا مطمئنا سوى الصّلاة والجهر بالأذان ودقّ أجراس الكنائس، في محاولة للشّعور بتلك العناية الإلهية الّتي تغرّبوا عنها في خضمّ الحياة.