أهمية الدراما التلفزيونية

أهمية الدراما التلفزيونية منعدمة حينما تتمّ إعادة سرد الواقع كما هو

خطرت في بالي أسئلة كثيرة عن أهمية الدراما التلفزيونية في المجتمع حينما كنتُ أشاهد إحداها. فهي حقيقة لا أحد ينكرها بأنّ المسلسلات التلفزيونية قد أثّرت ولازالت تؤثّر على المجتمع، كما قد صنعت بعضا من قيمه المتجّددة. لكنّني كنتُ دوما أتساءل عن فائدة سرد الواقع كما هو في المسلسلات. ما الّذي سيستفيده المجتمع من مشاهدة أحداث ونتائج لتلك الأحداث تتشابه تماما مع ما يعيشونه في حياتهم الواقعية؟

كان قد خطر ببالي نفس التساؤل بشأن الروايات الّتي تحكي الحياة كما هي، لكن لنركّز في هذا المقال على الدراما التلفزيونية. فما سأناقشه في هذا المقال هو فكرة “ماذا لو” جنحت الدراما التلفزيونية إلى أن تكون مختلفة عن الواقع، إلى إظهار نتائج تختلف عمّا يحدث في الواقع؟ ألن يكون ذلك أفضل في بناء فكرة مختلفة في أذهان المجتمع، وتغيير عادات سيّئة لديه؟

قد ترغب بقراءة: هل سمعتم من قبل عن الزواج عن طريق الاختطاف؟ تعرّفوا عليه هنا

قد ترغب بقراءة: هل الأبراج حقيقة؟ تعرّفوا على إجابة هذا السؤال من هنا

فيما تكمن أهمية الدراما التلفزيونية الحالية؟

أنا لستُ شخصا يشاهدا المسلسلات أو التلفاز بشكل عام، لكنّني أستطيع أن أخمّن كيف تؤثّر الدراما التلفزيونية على المجتمع. فحينما نتحدّث عن الدراما التلفزيونية التاريخية، فيمكننا أن نقول بأنّها سيف ذو حدّين. إذ يمكن لهذه الدراما أن تربط الشعوب ببعضها من خلال تاريخ الأجداد ومعاركهم وما حقّقوه من حضارة ورقيّ. كما يمكنهما أن تزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد من خلال التركيز على جانب واحد من التاريخ. كما يمكنها ببساطة أن تزيف التاريخ كلّيا، ولن يستطيع المجتمع تمييز ذلك التزييف لأنّ العامة لا علم لهم بالتاريخ الحقيقي.

أمّا حينما يتعلّق الأمر بالدراما التلفزيونية الاجتماعية، فهنا أطرح سؤالي. إذ غالبا ما تقوم هذه الدراما بسرد الواقع كما هو بإيجابياته وسلبياته. بل وقد تذهب بعيدا من ذلك لتركّز على السلبيات فقط. فالدراما التراجيدية ذات الحبكة المعقّدة هي ما تجذب المشاهدين أحيانا. لكن هل هناك فائدة تُذكر لإعادة سرد الواقع هذه؟ أم أنّها ظاهرة سلبية أصلا تؤثّر سلبا على المجتمع؟

بدأ تساؤلي هذا وأنا أشاهد إحدى حلقات مسلسل التغريبة الفلسطينية.

فرغم أنّني لا أشاهد المسلسلات، إلّا أنّني لا أستطيع تجاهل هذه التحفة الفنّية كلّما تمّ عرضه على إحدى القنوات. ولمن يعرف هذا المسلسل، سيتذكّر كم كان حالا صعبا على خضرة الّتي فقدت زوجها شهيدا أن تتزوّج ثانية دون رغبة منها، وبرجل أذلّها وأهانها. وقد كانت تقاليد ذلك المجتمع الريفي البسيط ترفض الطلاق أيّا كانت أسبابه. فما كان من خضرة سوى الصبر على أذى زوجها.

وقد جعلني هذا أفكّر في احتمال أن تتغيّر أحداث المسلسل. ماذا لو انتفض أحد اخوتها ورفض أن تعيش أخته حياة الذلّ وقرّر تخليصها من زوجها الثاني؟ أو ماذا لو رفض إخوتها أصلا فكرة زواجها مكرهة وقرّروا الاعتناء بها وبابنها إلى أن يكبر؟ قد تبدو فكرة كهذه خارجة عن أطر ذلك المجتمع الريفي، لكنّها كانت ستجعل القيمة من ورائها أهمّ وأكبر. فأن يتمّ تصوير تمرّد على التقاليد لحفظ الكرامة أفضل بكثير من تصوير المجتمع كما هو، بائس وظالم ومظلم. ففائدة الأولى تعني غرس فكرة التمرّد على التقاليد حينما تكون خاطئة في أذهان المشاهدين. أمّا الثانية فلا فائدة منها سوى تعزيز فكرة كون التقاليد سيفا على رقبة النّساء خاصّة، وبأنّها مشكلة لا حلّ لها.

أمّا إن تحدّثنا عن الدراما التلفزيونية وآثارها السلبية على المجتمع بشكل عام، فهي كثيرة لا حصر لها. فيكفي أن نطّلع على تلك المسلسلات السورية المكرّرة الّتي تشبه بعضها البعض. شباب كلّ همّهم الزواج والحصول على امرأة. ونساء يصوّرن على أنّهن تافهات شيطانات لا فائدة منهنّ سوى خدمة الرجل. فهذا التصوير المكرّر في المسلسلات يؤثّر سلبا على المجتمع ليجعله يتبنّى ذلك التفكير فيجعله أكثر من مجرّد تقاليد. فتسود صورة نمطية عن النساء والرجال بتلك الطريقة، وتصبح الحياة محصورة في رجل يريد امرأة، وامرأة تافهة تبحث عن خدمة رجل.

أهمية الدراما التلفزيونية تكمن في اختلافها عن الواقع

لا أدري إن كانت هناك دراما تلفزيونية قد تبنّت من قبل هذا المبدأ الّذي أتحدّث عنه. أي مخالفة الواقع لأجل غرس قيمة إيجابية تحارب القيمة السلبية المعروفة في المجتمع. وربّما نجد كثيرا هذا المبدأ في الدراما التلفزيونية الغربية أو الآسيوية أحيانا. إذ كثيرا ما يتمّ محاربة أفكار خاطئة في المجتمع من خلال إتاحة فرصة مختلفة لأبطال القصّة ما كانوا ليحصلوا عليها في الواقع.

وبشكل عام، أعتقد بأنّ الدراما التلفزيونية الشرقية ستظلّ كما هي ولن تتغيّر. وستظلّ مليئة بعادات وتقاليد سلبية تعاود غرسها في الأجيال جيلا بعد جيل. وسيظلّ الجمهور معجبا بهذه الدراما لأنّه تخبره ببساطة بأنّ حياته صحيحة وبأنّ مبادئه صحيحة. وبأنّ تقاليد المجتمع الّذي يعيش فيه سليمة، ولا يمكن عيش الحياة بشكل مختلف. فالجمهور الشرقي بدوره جمهور جامد ينفر من التغيير ويقدّس المجتمع التقليدي.

خلاصة القول

كانت هذه مجرّد فضفضة أثارتها في نفسي حلقات التغريبة الفلسطينية. وبقدر ما هو أمر مثير للإعجاب حينما قام فريق العمل بنقل ما حدث في تلك الحقبة وفي المجتمع الريفي خاصّة. بقدر ما كنتُ أتمنّى لو أنّهم نقلوا لنا الاستثناء.

وأنا أثق بأنّ هذا الاستثناء كان موجودا في ذلك الزمن، وهو موجود الآن، وسيتواجد دوما. فليس المجتمع كلّه، مهما كان جاهلا، يقبل بالسير بالقوانين ولو كانت خاطئة. بل هناك دوما شخص يتمرّد عليها ويشقّ طريقه بشكل مختلف. وأولئك المتمرّدون هم من يستحقّون أن تسرد الدراما التلفزيونية قصص حياتهم وما حقّقوه. أمّا صورة المجتمع النمطية، فنحن نعيشها في حياتنا ونحفظها بشكل جيّد، ولهذا لا فائدة تُذكر من إعادة تصويها في المسلسلات.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا