كثيرا ما تصل العلاقات بين الأشخاص إلى طريق مسدود دون أن تكون هناك طريق للعودة. وبينما قد يميل بعض الأشخاص لاعتبار الطرف الآخر مخطئا وبأنّه من أفسد العلاقة. يميل البعض الآخر إلى التفكير عميقا في سبب فساد العلاقات، بخاصّة إن كانت تخصّ شخصا عزيزا. لكن أحيانا وببساطة يتمثّل السبب في الاختلاف. أي أنّ اختلاف طريقة التفكير، إضافة إلى البيئة الّتي تربّى فيها كلّ شخص، قد يؤدّيان إلى عدم فهم الآخر.
وكوني شخصا انطوائيا، فأنا أراقب بعمق العلاقات البشرية وأعتقد بأنّني أجيد تسييرها “إن أردت فعل ذلك”. فغالبا، لا أحبّ أن يكون لي علاقات كثيرة، بل أفضّل الاكتفاء بعدّة أفراد أثق بهم.
في هذا المقال سأشرح لكم قليلا عن فهم العلاقات بين الأشخاص. وعن الطرق الّتي من الممكن أن تجعل العلاقات أفضل إن مارسها النّاس. وكذا عن الحالات الّتي يجب فيها الرّضى بالطريق المسدود، ومواصلة بقيّة الطرق في الحياة مع من تبقّى لنا.
قد ترغب بقراءة: نظرة المجتمع الشرقي إلى الشخص المختلف والخوف من الاختلاف في التفكير
فهم العلاقات بين الأشخاص يبدأ بحديث نبوي جميل
هناك حديث جميل للرسول صلى الله عليه وسلّم يقول فيه “لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه”. فهذا المبدأ الجميل يصف المؤمن. ونحن نعرف بأنّ المؤمن يجب أن يتّصف بتلك الصفات الأخلاقية الجميلة، وإلّا فإنّ هناك خللا في إيمانه. وهذا المبدأ يصلح أن يكون مبدأ عامّا لفهم العلاقات بين الأشخاص.
فإن عامل كلّ شخص الطرف الآخر بما يحبّ هو أن يتلقّاه من النّاس، فستتحسّن العلاقات بين الأشخاص بشكل كبير. فجميعنا نتمنّى أن يتمّ معاملتنا باحترام، وأن يحاول الآخرون تفهّم مشاعرنا، وأن يمنحنا الآخرون الأعذار والثّقة الّتي نرغب بالشعور بها. ولهذا إن أخذ كلّ طرف مثل هذه العوامل وعامل بها الطرف الآخر، فستصبح الأمور سلسة بين الطرفين.
لكن طبعا سيقول لي أحدهم بأنّها مثالية لا يمكن أن توجد. فإن عاملت أنا الطرف الآخر بهذا الاهتمام، فمن يضمن لي بأنّ الطرف الآخر سيعاملني بنفس الطريقة؟ ولهذا يدخل هنا عامل المصارحة والشفافية.
فالعلاقات الّتي تُبنى على مبدأ “اقرأ عقلي، وإن لم تستطع فأنت لا تفهمني” هي علاقات تتّسم بالتعقيد. ويحدث هذا كثيرا بين الأزواج. وهو لا يحدث من طرف المرأة فقط كما يعتقد البعض، بل يفعل الرجل ذلك أيضا ويتوقّع أن تفهم زوجته عقليته دون أن يشرحها لها.
ولهذا فالمصارحة أمر جميل في مختلف العلاقات. فليست الأزمات بين الأزواج فقط، إذ سأترك التفصيل في هذا لمقال آخر. لكنّ الأزمات تحصل بين الأصدقاء وزملاء العمل وحتّى الإخوة أو الأم وابنها. لكن إذا ما شرح كلّ طرف للآخر كيف يريد أن يتصرّف معه الطرف الآخر، أو إن صارح أحد الطرفين الطرف الآخر برغبته في جعل العلاقة متينة ومليئة بالثقة المتبادلة. فسيسعى كلا الطرفين لفعل ذلك. وهنا سيكون استخدام مبدأ “أحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك” مبدأً مفيدا جدّا.
هل يحلّ فهم العلاقات بين الأشخاص مختلف الأزمات؟
والإجابة هي لا حتما. فهناك دوما علاقات لا تنجح لأسباب كثيرة. فحين نختار الصديق أو شريك الحياة، يجب أن نفهم بأنّ طريقة التفكير والبيئة المحيطة مهمّان جدّا. فالاختلاف جميل، لكن هناك حدود للاختلاف. وقد ذهب البعض بالقول بأنّ الأضداد تتجاذب، وذلك فيما يخصّ العلاقات الزوجية. لكنّه مبدأ خاطئ جدّا. فكلّما كبرت هوّة الاختلاف بين الطرفين، كلّما كان الاقتراب أكثر صعوبة.
ولهذا من الخطأ جدّا محاولة إنجاح العلاقة بالقوّة رغم ما تظهره الإشارات بأنّ الاختلاف كبير جدّا بين الطرفين. فحينها يجب التخلّي عن تلك العلاقة. وطبعا هذا لا يعني ألّا يتحدّث أيّ منّا إلّا مع من يشبهه. لكنّ تقرير اختيار شريك حياة أو صديق حميم يحتاج لقرارات حاسمة بعيدا عن العواطف.
أمّا بقيّة العلاقات العادية فتنجح بشكل كبير رغم الاختلافات. ويكمن السرّ هنا في التوقّعات. فما تتوقّعه من صديق عادي تستمتع بوقتك معه، لا يشبه ما تتوقّعه من صديقك الحميم أو من شريك حياتك. ولهذا كثيرا ما يحصل الطلاق بعد قصّة حبّ تدوم سنوات. وذلك لأنّ السنوات تلك تمّ قضاؤها بالعاطفة فقط. بينما تمّ فيها تجاهل كمّية الاختلافات العميقة بين الطرفين مقابل التقارب بينهما. وطبعا هناك عوامل أخرى ليس مكانها هذا المقال.
وأفضل ما يفعله الإنسان حينما تفسد علاقته بشخص عزيز بسبب الاختلافات الكبيرة، أن يتذكّر الأيّام الجميلة فقط. فأحيانا يكون أحد الطرفين مخطئا. لكن هناك أيضا أحيان يكون فيها الاختلاف الكبير هو سبب قطع العلاقة. وإذا ما عرف أحدنا ذلك، فعليه أن يعترف به، على الأقلّ بينه وبين نفسه. وذلك ليتسامح مع نفسه ويمضي في الحياة دون ندم.
وطبعا في حال ما فسدت العلاقة بسبب خطأ من الطرف الآخر. فيجب على الإنسان أن ينسى الشخص والتجربة، لكن أن يبقي على الدّرس محفورا في ذاكرته. فالندم على العلاقات لن يفيد بشيء، خاصّة حينما تكون قد فعلت كلّ شيء لإنقاذها، بينما واصل الطرف الآخر إفساد كلّ محاولاتك. لذلك كلّ ما يجب أن تتذكّره هو الدرس الّذي تعلّمته من تلك العلاقة الفاشلة.
قد ترغب بقراءة: إليكم قائمتي بأهمّ 7 كتب لفهم العالم وما يجري من حولنا
خلاصة القول
لا يمكن بأيّ حال من الأحوال فهم العلاقات بين الأشخاص من خلال مقال واحد كهذا. لكن من جهة أخرى، هي مبالغة كبيرة حينما يتمّ تأليف الكتب والمجلّدات لفهم العلاقات. فالأمر بسيط بقدر ما هو معقّد، ويحتاج للمصارحة والشفافية لا أكثر. لكن ولأنّ هذه المصارحة نادرا ما تحصل بين الأشخاص، تظلّ العلاقات لغزا، وسيظلّ الإنسان يسعى ليفهم سبب فشل إحدى علاقاته في الحياة.
أرجو أن يكون مقالي هذا قد نال إعجابكم، وسيكون لي مقالات أخرى مشابهة تنقل ما يتحدّث به بعض الخبراء عن موضوع العلاقات بين الأشخاص.