كتاب الهزيمة هو أحد أجمل الكتب الّتي قرأتها، وقد لامست كلماته عقلي وقلبي بشدّة وكأنّما قد كُتب لأجلي. ورغم أنّني لم أكن يوما من محبّي كتب ما يسمّى بالتنمية البشرية، بل لا أؤمن بهذا المصطلح أصلا. إلّا أنّ كتب كريم الشاذلي تختلف كثيرا عن غيرها. إذ يحمل الكاتب في كلّ كتاب رسالة مهمّة نحتاجها في هذا العصر الّذي أصبحنا تائهين فيه نحاول إيجاد البوصلة.
سأحاول في هذا المقال أن أشرح لكم قليلا عمّا جاء في كتاب الهزيمة، وأرجو أن تجرّبوا قراءته، بخاصّة إن كنتم تشعرون بالضياع. فالكتاب لن ينقذكم من ضياعكم حتما، لكنّه سيساعدكم على فهم المشاعر الّتي تجثو على صدوركم.
قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب سيكولوجية الجماهير لـ غوستاف لوبون
ما الّذي يريده الكاتب من كتاب الهزيمة؟
قبل أن أتحدّث عن هذا الكتاب، عليّ أن أعبّر عن مدى حبّي لإهداء كتاب الهزيمة. أعشق هذا الإهداء كثيرا ولازالت أتذكّره رغم مرور سنوات على قراءتي له.
“إلى من يؤمنون بأنفسهم على ما بهم من جراح، ويسبحون ضدّ التيّار رغم عنفوانه وقسوته، وينشرون الخير لا يضرّهم قدح القادحين، ويثقون بأنّ الحقّ غالب مهما طال أمد البغي، ثبّتكم الله“
وما أحبّه أيضا بشأن هذا الكتاب هو ما يجمعني به من حدث قاس عليّ وعلى غزّة. وهو سقوط القائد القسّامي أحمد الجعبري. فغزّة دائما تعلّمنا معنى الصّبر والتفاؤل. ورغم قسوة فقدان قائد نادر مثل الجعبري، فقد عاش المؤلّف لحظات العزّة والكرامة بين أهل غزّة وهم يحتفلون بنضالهم الّذي لا ينتهي. وقد كانت هذه القصّة الّتي شاركها معنا الكاتب سببا آخر ليكون هذا الكتاب مميّزا كثيرا بالنّسبة لي.
فما يخبرنا به هذا الكتاب مشابه لما يحصل في غزّة. إذ يخبرنا ألّا نستسلم دون الكثير من المحاولات، وألّا نرضى بنصف الحلول.
وأهمّ ما يجب أن تخرج به من قراءة هذا الكتاب هو أن تحصل على مفهوم جديد لمعنى الهزيمة، وأن تفهم بأنّها لا تعني هذا الموقف أو ذاك، بل تعني ردّة فعلك أنت اتّجاه ما يحصل لك في الحياة. والكتاب طبعا مملوء بأمثلة لأشخاص من هذه الحياة، عانوا وفشلوا مرّات عدّة، لكنّهم عرفوا كيف يتعاملون مع الفشل كحافز لمواصلة المعركة.
كتاب الهزيمة هو أشبه بالنصائح، وأقرب إلى الحكايا. ليس فيه أيّ كلام معقّد أو فلسفة لا يمكن فهمها أو تطبيقها. بل هو كلام يدور بنفس كلّ منّا، لكنّنا لا نستطيع أن نشرح تلك المشاعر بأفضل ممّا شرحها الكتاب. ثمّ يخرج الكتاب بخلاصة وافية على شكل نقاط يمكنها أن تعلق بذهنك طويلا بعد خوض مغامرة القراءة.
تأمّلات عن كتاب الهزيمة
أعتقد بأنّ هذا الجيل التّائه يحتاج لأمثال كريم الشاذلي ممّن يقتربون منه من خلال الكتب. وكما قلت من قبل، أنا شخص لا يؤمن بأنّ الحياة قد تتحسّن بعد قراءة كتب التنمية البشرية، فحتّى لو قرأت كتابا علميا يخبرني بأنّه عليّ أن أفكّر بهذه الطريقة لأصل لذلك المستوى. فأنا لا أؤمن بأنّ هذه الكتب تفعل أيّ شيء في عقل قارئها أو في حياته. فالمشكلة ليست في إيجاد كيفية التفكير، بل في التطبيق وإيجاد الحافز. فأنت قد تحكي لشخص يريد أن ينتحر آلاف القصص عن جمال الحياة، أو عن أشخاص نجحوا بعد أن حاولوا الانتحار، وما إلى ذلك. لكن إن لم يكن مقتنعا في نفسه بذلك، فلن يغيّر تفكيره فقط لأنّك قلت له ذلك.
فإذا ما كان هذا الأسلوب نفسه صعبا ويحتاج لوقت، فكيف يمكن لأسلوب يخبره بأن “قل في عقلك 10 مرّات بأنّك عبقري” أن ينجح؟
ولهذا تماما تروقني كتب كريم الشاذلي، فهي لا تمنحك أيّ أمل زائف ولا تعدك بإيجاد حلول سحرية، بل تمنحك المعرفة اللّازمة وتعرّفك على المفاتيح الرّئيسية، ثمّ تترك لك خيار القيام بالخطوة الأولى، لتخرج من مشكلتك وتغيّر حياتك.
قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب أحاديث تيد… حين تستطيع الأفكار إحداث التغيير
الخلاصة
كانت هذه فضفضة عن كتاب الهزيمة. وهو كتاب جميل وصغير يمكن قراءته في يوم واحد. وأنا أعدكم بأنّه، إن كان قد شدّكم الإهداء الّذي نقلته أعلاه، فإنّ الكتاب لن يخيّب آمالكم. وسيكون لي قراءات أخرى في كتب كريم الشاذلي. فقد قرأت كتبا أخرى له، وجميعها كتب ممتعة ومفيدة لأخذ استراحة من قسوة الحياة وتغيير زاوية النظر. والأهمّ من كلّ ذلك، للشعور بالاطمئنان ونحن نعرف بأنّنا لا نكافح وحدنا، بل تجمعنا جميعا تلك الغايات الّتي نتمنّى زرع بذورها على الأقلّ، إن كنّا لن نرى ثمارها في هذا الجيل.