موضوع تربية طفل ليس من صلب الزوجين له للأسف نظرة متشائمة في مجتمعاتنا. فما بالك حينما يتعلّق الأمر بطفل مجهول النسب؟ بل قد عثرت على أسئلة خلال بحثي تسأل إن كان أجر كفالة مجهول النسب في الإسلام هو نفسه أجر كفالة اليتيم!
لا شكّ بأنّ النظرة المجتمعية تؤدّي إلى ضياع هذه الفئة من الأطفال. مع أنّنا نحن كمسلمون أولى بأن نغلق دور رعاية الأيتام ومجهولي النسب لأنّنا معنيون جميعا بتقديم عائلات دافئة لأولئك الأطفال ممّن لا ذنب لهم في المصير الّذي أوصلهم إليه آباؤهم وأمّهاتهم.
وهناك من قاصري النظر من يعتقد بأنّ كفالة مجهولي النسب سيشجّع المزيد من عمليات الإنجاب خارج إطار الزواج! ولا أدري حقّا ما دخل هذا بذاك؟
هناك الكثير من الأسر الّتي تعاني بسبب عدم القدرة على الإنجاب، فتستمرّ المعاناة لسنوات، أو ينتهي الأمر بالأزواج للطلاق. مع أنّ الحلّ سهل يتمثّل في كفالة طفل أو أكثر وتكوين أسرة سعيدة.
سأتحدّث في هذا المقال عن موضوع الكفالة، بخاصّة كفالة مجهولي النسب، وما هو الفرق بينها وبين التبنّي. وكيف يتعسّف بعض رجال الدين في إجراءات منح لعب العائلة للطفل مجهول النسب بدعوى أنّه تبنّي، والتبنّي حرام في الإسلام.
كفالة مجهول النسب في الإسلام قد قطعت شوطا جيّدا، ولازالت الطريق طويلة
سواء شئنا ذلك أم أبينا، هناك أطفال يولدون من خلال علاقات خارج إطار الزواج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكوننا مسلمين أو كوننا مجتمعا محافظا لا يعني تكذيب الحقائق. ففي الجزائر مثلا، تقدّر الأعداد بعشرات الآلاف من الأطفال مجهولي النسب سنويا. وفي مصر، تتجلّى ظاهرة أطفال الشوارع في مأساة إنسانية مؤسفة.
ومحاولة إيقاف الزنا وتوعية الشباب والشابات بمخاطره هي أمر مهمّ يقع على عاتق المجتمع كلّه. لكن لا ننسى أيضا بأنّ عملية التكفّل بأولئك الأطفال هو أيضا أمر مهمّ لا يجب أن نغفل عنه. بل تفوق أهمّيته أهمّية كفالة اليتيم، لما يتعرّض له أولئك الأطفال من حياة مأساوية منذ ولادتهم.
قرأت مقالا يمكنكم الاطّلاع عليه من هنا يعزو معاناة الأطفال مجهولي النسب إلى رجال الدين بسبب تعنّتهم. وربّما يعود الأمر إلى الجمود الّذي يعيش به بعض مشايخ الدين، إذ لم تكن هناك ظاهرة مماثلة لما يحدث اليوم في التاريخ الإسلامي. لكن مع ذلك، تمّت استخراج أحكام عادلة في نظام كفالة الأطفال لمنحهم حياة كريمة.
قد ترغب بقراءة: انضمّوا إليّ لتصحيح مفهوم ضرب المرأة في القرآن
الفرق بين التبنّي وبين كفالة مجهول النسب في الإسلام
عرفت دول كثيرة نظام التبنّي الّذي أنقذ الكثير من الأطفال من مصير مجهول. ولا أوافق من يحارب هذا النظام أو يجرّمه، لأنّه في نظر من لا يدينون بديانة الإسلام حلّ إنساني كان لا بدّ منه لإنقاذ الأطفال ممّن تخلّى عنه أهاليهم.
وسبب تحريم التبنّي بالدرجة الأولى في الإسلام هو اختلاط الأنساب. فحين نزلت آية تحريم التبنّي الّتي تخصّ زيد بن حارثة، جاء معها أمر إلهي آخر هو أن يتزوّج الرسول من طليقة زيد. وقد كان أمرا محرّما قبل الإسلام، إذ بمجرّد أن يدّعي رجل بأنّ شابا ما هو ابنه، فيصبح كما لو أنّه ابنه من صلبه. فيمكنه أن يدخل على زوجته وبناته، ويحرم مع ذلك ما يحرم مع الولد البيولوجي، أي أن يتزوّج الأب من طليقة ابنه.
فالأمر واضح وضوح الشّمس بأنّ الإسلام أراد أن تكون هناك حدود واضحة فيما يخصّ ما يحرم بالنسب وما يجوز. إذ مجرّد ادعاء شخص بأنّ فلانا ابنه لا يعني بأنّه يشاركه دمه. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، يريد الإسلام بتحريم تلك الظاهرة بأن يتجنّب جهل المتبنّى بأهله الحقيقيين، ما قد يجعله يتزوّج امرأة من محارمه. مع أنّ مثل هذه الحالة كانت نادرة في ذلك الوقت، إذ كان الجميع يعرفون أنسابهم بشكل دقيق. لكنّ الإسلام لا يسمح للصّدف بأن تقع، بل يضع لها أحكاما تنظيمية.
أمّأ الكفالة فهي أن تكفل عائلة يتيما أو طفلا مجهول النسب فتضمّه لها وتمنحه دفء العائلة.
وبسبب المعاملات الإدارية في عالمنا اليوم، يجب أن يحمل ذلك الطفل لقبا عائليا. وهو ما يثير الجدال.
ويمكن الاطّلاع من هنا كيف خرجت دار الإفتاء المصرية بجواز منح اللقب العائلي للطفل مجهول النسب، لأنّه لا يعني نسبه للأب، بل هو مجرّد انتماء إلى عائلة معيّنة. ونفس الأمر يوافق عليه أحد مشايخ الجزائر. بينما تجدون هنا جدلا عقيما ممّن يخالفون ما خرجت به دار الإفتاء المصرية.
وقد سمحت الدول العربية بمنح اللقب العائلي للطفل المكفول، دون الاسم الثلاثي الّذي يُستخدم في المشرق. فقد سمحت الجزائر بهذه العملية مؤخّرا ما أثار جدلا على أنّه تبنّي. مع أنّ الأمر مختلف تماما. بل ويتمّ كتابة مكفول في دفتر العائلة لتجنّب الاختلاط. وقد اطّلعت أيضا على النظام في مصر والّذي يسمح بمنح اللقب العائلي، وكذا الإمارات.
وربّما لهذا لازلت لا أفهم سبب تهجّم البعض على الإسلام بسبب منعه التبنّي، رغم أنّ نظام الكفالة بديل ممتاز خاصّة مع القدرة على منح اللقب العائلي؟
ولمن يستهجن هذا الأمر، علينا أن نحلّله كما يلي:
أوّلا، إذا ما كانت كفالة طفل يتيم، فالأفضل الإبقاء على لقبه العائلي لأنّه لن يعيق أيّ شيء في حياته. فاليتيم لا يمثّل وصمة عار في هذا المجتمع، كما يحصل مع مجهول النسب.
وثانيا، إذا ما تعلّق الأمر بكفالة ابن العمّ أو ابن الأخ وما إلى ذلك، فهنا أيضا لا حاجة لتغيير اللقب العائلي. وربّما لا حاجة لمثل هذا النوع من الكفالة أصلا، لأنّنا سمعنا قصصا مأساوية عن تربية أطفال من الأقارب، فيقوم أهل ذلك الطفل بأخذه بعد أن يكبر، دون مراعاة لقلب الأب والأم اللّذان تعبا على تربيته وتعلّقا به كما لو أنّه جزء من العائلة. فغالبا لا تنجح قصص كفالة أطفال لهم آباء وأمّهات، لأنّهم سيحاولون استرجاع الأطفال حالما يكبرون.
وثالثا وهو موضوع هذا المقال، حينما يتعلّق الأمر بكفالة مجهول النسب. فهنا ليس لهذا الطفل لقب عائلي، ولا يعرف شيئا عن عائلته، ولا يمكنه الوصول إليها بأيّ حال من الأحوال مهما حاول بعد أن يكبر. لأنّه إمّا قد تمّ التخلّي عنه في المستشفى، أو ترك في الشارع. فلا سبيل للوصول إلى عائلته. فمثل هذا الطفل يحتاج إلى لقب العائلة الّتي تكفله ليضمن له حياة كريمة. لأنّه حينها لن يتعرّض لأسئلة محرجة من زملاء دراسته حينما يجدونه بدون لقب أو أي شيء من هذا القبيل.
أمّا فيما يخصّ إخبار الطّفل بالحقيقة، فهذا يحصل حتّى في الدول الّتي تعمل بنظام التبنّي. فالمجتمع لا يرحم، وقد يتفوّه أحد الجيران أمام الطفل بأيّ كلمة. لذلك هناك استشارات مخصّصة لتعليم الوالدين كيف يخبران طفلهما بأنّه طفل متبنّى. ويكون إخباره في سنّ مبكّرة دوما الحلّ الأفضل لأنّه يعزّز شعوره بالثقة بعائلته.
ويظلّ سؤال اختلاط الأنساب، وله شقّان:
أوّلا لا يعرف مجهول النسب نسبه أصلا، لذلك ليس الأمر وكأنّه من الممكن تعريفه بأقاربه لتجنّب زواجه من محرم.
وثانيا، يتعلّق الأمر بكونه أجنبيا عن أمّه بعد أن يصير شابا، أو أن يكون على الشابة الاحتجاب عن أبيها بعد أن تكبر لأنّها ليست ابنته الحقيقية. ومثل هذا الأمر يتمّ حلّه بسهولة عن طريق الرضاعة. ولم يعد الأمر كما كان قديما، إمّا أن تكون الأمّ مرضعا، أو تسأل أختها المرضع مثلا بأن تقوم بإرضاع الطّفل لجعله محرّما عليها. بل هناك طريقة طبّية تجعل المرأة قادرة على إنتاج الحليب لإرضاع الطفل، سواء كانت تلك المرأة عازبة أو متزوّجة. وبهذا يمكن بسهولة حلّ هذه المشكلة، فيصبح الطّفل المكفول ابنا حقيقيا للزوجين.
نظرة المجتمع إلى كفالة مجهولي النسب
للأسف مجتمعنا لا يرحم. فقد قرأت كيف تقوم نساء بالاختفاء مع أزواجهنّ لبعض الوقت ثمّ العودة إلى محيطها مع طفلها الّتي قامت بكفالته، فتخبرهم بأنّه ابنها الحقيقي. كلّ ذلك في محاولة لتجنّب نظرة الآخرين إليها بأنّها ناقصة كونها لا تنجب، أو بأنّ زوجها ناقص إن كان هو عقيما. وكذا لترحم الطفل من تعليقاتهم اللّاذعة.
فما يجعل حالات كفالة الأطفال صعبة هو أمر يتعلّق بالمجتمع بالدرجة الأولى. بل وهناك من يقول بأنّ الرجل لا يتقبّل طفلا ليس من صلبه. وهي كلّها خزعبلات مجتمعنا الشرقي الّذي يعشق الخرافات والأعراف، وينسى بأنّ إنقاذ تلك الأرواح البريئة مسؤولية تقع على عاتق المجتمع ككلّ.
وربّما لا ننسى بأنّ التعسّفات الإدارية لها أيضا نصيبها. فكم من أزواج يرغبون بالتكفّل بطفل من دور الأطفال، لكنّ الإجراءات الإدارية المتعسّفة تمنعهم من ذلك. مع أنّه بالإمكان منح العائلات فرصا، ومتابعة حالة الطفل إلى أن تضمن لجنة متخصّصة بأنّ العائلة قادرة على التكفّل به.
ولا ننسى أيضا نظرة المجتمع إلى المرأة الّتي ترغب بالتكفّل بطفل دون أن تتزوّج. أو أنّها مطلّقة دون أطفال. فقد قرأت حالات نساء قرّرن التكفّل بأطفال. وخضعن لعملية إنتاج الحليب ليستطعن إرضاع أطفالهنّ. وقد كانت تجارب ناجحة، رغم أنّها لم تكن سهلة. بل وأحيانا يتقوّل عليهنّ الآخرون بأنّهنّ قد أنجبن أطفالا خارج إطار الزواج ويحاولن إخفاء ذلك بكذبة الكفالة.
وهو فعلا مجتمع مجحف. إذ هناك نساء إمّا لم يستطعن الإنجاب، وإمّا لم يكن الزواج في حساباتهنّ. ولهذا تكون عملية التكفّل بطفل عملية مفيدة للطّرفين. فتجد فيه المرأة مؤنسا لها في حياتها، ويجد ذلك الطفل من يرعاه بدل أن يعيش حياة قاسية مصيرها مجهول.
قد ترغب بقراءة: تعدد الزوجات في الإسلام وكذبة كثرة النساء… تعالوا أعرّفكم على حقيقة الموضوع
الخلاصة
كان هذا موضوعي عن كفالة مجهول النسب في الإسلام. وقد ضمّنت بعض المصادر في المقال لمن أراد أن يطّلع على المزيد. فعلينا دوما أن نحاول فهم سبب الحكم الشرعي قبل أن نعمل به دون فهم. فطالما الطفل مجهول النسب، وطالما هناك عملية إرضاع من قبل الأمّ الكافلة. فستزول كلّ العوائق أمام ذلك الطفل، ولن يكون هناك اختلاط أنساب. أمّا في حالة ما كان الطفل معروف النسب، فهنا لا بدّ من تعريفه بنسبه ولو كان طفلا من الرضاعة للأمّ المتكفّلة به.
وتظلّ عملية إخبار الطفل بالحقيقة أمرا ضروريا حتّى لو كان مجهول النسب، لأنّه سيعرف ذلك عاجلا أم آجلا.
وكخلاصة عن الفرق بين نظام التبنّي والكفالة مع منح اللّقب، أذكر ما يلي:
- في التبنّي يمكن للطفل أن يصبح محرما لأمّه وبناتها وأقاربها، بينما لا يمكن ذلك في نظام الكفالة.
- منح اللقب ليس دليلا على أنّ الكفالة هي تبنّي غير معلن، لأنّه مجرّد لقب لحفظ الكرامة والشعور بالانتماء.
- الفارق الحقيقي يكون في الرضاعة، فإن قامت الامّ بإرضاع الطفل، فسيكون بمثابة ابنها، بعيدا عن منحه اللقب العائلي من عدمه.