يخصّ هذا الموضوع ربّما ظاهرة الاغتراب في العالم العربي. فحينما مرّت عليّ مؤخّرا في مواقع التّواصل الاجتماعي بعض الصّور الّتي تسخر من لاعب الكرة المصري صلاح لم أفهم ما قصّتها، ولكنّ الضجّة حولها كانت كبيرة فمرّت عليّ فقرة تفسّر ما يحصل، لأفهم أنّ متابعيه منزعجون من التقاطه صورا مع عارضة أزياء، وكأنّه قد خانهم بعد أن رأوا فيه ممثّل الإسلام وصاحب الأخلاق.
لا شكّ أنّ المبالغة أصلا في وصفه بالمثالية هي حماقة من طرف متابعيه، ولا شكّ أنّ توقّع الكثير منه مع أنّه لم يعدهم بأيّ شيء هي حماقة أيضا.
لكنّ هذه الحكاية متكرّرة كثيرا، إذ يحبّ المتابع العربي أن يرى الشّخص المشهور أمامه مثاليا إن صحّ التّعبير، أن يكون خلوقا ملتزما بدينه، محجّبة محتشمة في لباسها، وكثيرا ما نسمع النّقد من الطّرف الآخر لمثل هذا التّفكير، إذ إنّ كثيرا ممّن يبحثون عن هذه الصّفات لا يملكون ذرّة منها أصلا، فلماذا هذا الميل إليها إذن؟ ولماذا يفرح العربي حينما يرى ذلك الشّخص المشهور ملتزما ويشعر بالغصّة حينما لا يكون كذلك أو حينما يخون ذلك الالتزام الّذي ظهر عليه؟
قد ترغب بقراءة: كيف يحاول العالم العربي إقحام الدين حينما يتعلّق الأمر بعادات وتقاليد محضة
الاغتراب في العالم العربي
الحقيقة أنّ هذا ليس نفاقا ولا جهلا ولا محاولة تشويه ولا محاولة البحث عن شخص يعبّر عنه، بل كلّ ما في الأمر أنّ العربي، المسلم طبعا، يعيش حالة من الازدواجية وحالة من الاغتراب ربّما لا يعيشها أحد سوى المسلم. فهو بين أن يندمج مع ما يراه في الدّول الأخرى الأجنبية عليه من طرق عيش وطرق لباس وطرق تفكير حتّى، وبين أن يحافظ على تلك الجذوة الصّغيرة الّتي لازالت تشتعل في قلبه وهو متردّد في منحها الإشارة بأن تنيره، وهو دينه الّذي عرفه منذ ولادته وتربّى عليه.
فحينما ينطلق المسلم ليلعب دور شخصية لها شهرة، سواء كانت تلك الشّهرة واسعة أم لا، فإنّ المسلم الجالس في بيته يتمنّى دون وعي أن يكون ذلك الّذي “يمثّله هناك” ملتزما بدينه، وليس مجرّد مسلم بالاسم بينما لا تدلّ أفعاله على دينه أبدا، بل ربّما تناقض ما يدعو إليه الإسلام أصلا. لأنّه إن استطاع ذلك المشهور الّذي يحتكّ مع غير المسلمين وأن يحافظ على دينه ويظهر به في كلّ مكان، فسيشعر المسلم الّذي يتابع من بعيد أنّ هذا الدّين ليس غريبا ولا مريبا ويمكن العيش به والتمتّع بالحياة في أيّ مكان، ودون أن ينظر إليك الآخرون على أنّك مختلف عنهم.
قد ترغب بقراءة: نظرة على أسباب عدم إتقان العمل في المجتمع العربي والاستهتار الكبير الّذي يسري فيه
ما سبب هذا البحث عن المثاليات؟
قد لا يوافقني على هذا التّحليل بعضهم بحجّة أنّه يتمسّك بدينه وأنّ هناك الكثير ممّن يعيشون في دول أجنبية ممّن يتمسّكون بدينهم بل ويقيمون علاقات طيّبة مع غير المسلمين. لكن الكلام ليس هنا، بل هو نظرة العامّة منهم الشّباب خاصّة إلى هذا الدّين الّذي لا هم استطاعوا الالتزام به، ولا هم استطاعوا التحرّر منه، فتجدهم يبحثون عن علامات على إمكانية النّجاح والتّعايش مع هذا الدّين دون الظّهور بمظهر الغريب أو المعقّد، أو الإرهابي! وهم طبعا يريدون نماذج حيّة قريبة منهم، وليس قصص الأسلاف الّتي يحفظونها والّتي لا تفيدهم بشيء في حالة الاغتراب الّتي يعيشونها.
ورغم أنّني هنا لا أحاول تحليل حالة الاغتراب الّتي ترهق شباب المسلمين كثيرا، إنّما أحلّل موقفا واحد فقط يتكرّر أمامنا كثيرا، إلّا أنّ هذه الحالة تدعو إلى كثير من البحث والعمل الجادّ لإيجاد حلّ لها، ولا يبدو أنّ هناك الكثير من الحلول النّاجعة بعد!