تقفز هذه العبارة إلى الأذهان دوما حينما نفكّر باستيقاظ أمّتنا من نومها. وتزيّن أيضا الكثير من المقالات والأقوال. إذ أوّل ما يتبادر إلى الذهن حين نتحدّث عن نهضة الدول الإسلامية يكون بأن نقتبس ما قاله عمر بن الخطّاب “نحو قوم أعزّنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزّة بغيره أذلّنا الله“. إذ نحاول أن نقول من خلالها بأنّ العودة للإسلام فقط هي ما يمكن أن تحيي هذه الدّول. لكن طبعا، لا أحد يرسم خطّة العودة هذه.
ولهذا كثيرا ما يتبادر بذهني ما الّذي كان يقصده عمر بن الخطّاب بعبارته هذه؟ هل كان المقصود منها أن نتمسّك بالإسلام لأنّه أخرجنا من الظلمات إلى النور؟ أم أنّه كان يقصد أمرا أعمق؟ أمرا يتعلّق بقومه فعلا، أمرا يتعلّق بالعرب.
سأحاول مناقشة هذه الفكرة في هذا المقال، مع إسقاط بعض الأفكار الّتي تعلّمتها من هنا وهناك والّتي جعلتني أتبنّى هذا التفسير.
قد ترغب بقراءة: نظرة على تاريخ العنصرية ضد السود وكيف شارك المسلمون فيها بشكل فظيع
ما الّذي تعنيه عبارة “نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام”؟
لا شكّ بأنّ هذه العبارة تعني الكثير من المعاني. لكن حينما يتعلّق الأمر بالعرب، فلها معنى قويّ جدّا لا شكّ بأنّ قائلها كان يقصده. فقد كان العرب في الجاهلية مجرّد حفنة من القبائل المبعثرة هنا وهناك. ورغم ما تمتّع به أولئك العرب من أنفة وقوّة وذكاء حادّ، إلّا أنّهم لم يفكّروا بما هو أبعد من الأكل والشرب والتكاثر.
بينما كان هناك اختلاف كبير في مناطق أخرى. فقد كانت تحيط بالعرب أنفسهم امبراطوريتان، الفارسية وامبراطورية الروم. وقد كان لهما مدن وأسوار وجيوش وأنظمة متطوّرة في كلّ المجالات. ونفس الأمر مع الحميريين في اليمن، فقد كانت لهم مملكة وأسوار وجيوش وما إلى ذلك. بينما لم يفكّر العرب يوما بالتوحّد تحت دولة واحدة، ولم يفكّروا يوما بتغيير نمط حياتهم رغم ما كانت تواجههم من مخاطر من قبل الامبراطوريات المحيطة بهم.
وقد ظلّت فكرة التوحّد فكرة غريبة لا يستطيع العرب تقبّلها. فقد كان الولاء بالنسبة لهم للقبيلة وحسب. وإذا ما دعت الحاجة فسيقومون بغزو القبيلة المجاورة دون تردّد. ورغم أنّ فكرة الجوار والدّفاع عمّن يستجير بهم كانت أشبه بالحياة أو الموت بالنّسبة إليهم. لكنّها مع ذلك لم تفد في تأمين مصدر عيش دائم وتطوير الحياة.
وقد نبّهني لمثل هذه الأفكار ما قرأته في أحد كتب الدكتور ماجد الكيلاني. فقد قال بأنّ الأمر يعود لطبيعة العربي من جهة، وللبيئة الصحراوية الّتي عاش فيها من جهة. ولهذا كان يكتفي بما يدور في حياته، ولا يستطيع التفكير في حياة أفضل من تلك. فالصحراء القاحلة لم تسمح له بتصوّر وضع حياة أفضل. وعصبيته لم تسمح له بتخيّل الدخول في طاعة قائد، بل كان يكفيه ولاؤه لقبيلته فقط.
نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام لها معنى إيجابي أيضا
طبعا ما ذكرته أعلاه يعني بأنّ العرب غير قادرين على التوحّد وتكوين دولة إن لم تقدهم رسالة واضحة. وسبب انطباق هذه العبارة على العرب دون غيرهم يتمثّل في قدرة شعوب أخرى على تكوين الامبراطوريات وحكم العالم، وذلك دون حاجتهم للإسلام. لكن هذا لا يعني بأنّ الدول الّتي أقاموها تقدّم العزّة الكاملة. فقد عانى الأوروبيون كثيرا إلى أن استطاعوا تكوين دول عادلة لشعوبها. وهو أمر لا يجب أن نقوم نحن بالسخرية منه والقول بأنّهم ليسوا مسلمين ولهم سلبيات.
إذ علينا أن نتذكّر بأنّ ما وصلوا إليه هم كان نتاج فقه بشري يخالطه قليل من الدين المحرّف. بينما لم يستطع العرب الوصول لشيء بدون الدين. وها هم الآن لا يستطيعون التقدّم خطوة واحدة إلى الأمام لأنّهم لا يعيشون الدين كما ينبغي بل عادوا لجاهلية ما قبل الإسلام.
وفكرة دراسة الشعوب ونفسياتها هي أمر مهمّ جدّا. إذ لا يفكّر عقل العربي بعيدا إن ابتعد عن الدين ولم يجد رسالة يحملها. أمّا إن تبنّى رسالة فسيقوم بالأعاجيب لأجلها. بينما يميل العرق الأوروبي مثلا إلى التفكير في تطوير الحياة واكتشاف الأرض والمخلوقات. ولهذا حينما يدخل الأوروبي الإسلام يمسك العصا من الوسط ويعلم جيّدا ما هو الخطأ وما هو الصواب. على عكس العربي الّذي إن هو تعصّب فقد يخرج من الدّين وهو يظنّ بأنّه يدافع عنه.
الخلاصة
كانت هذه فضفضة فقط تضمّ عدّة أفكار. وأنا أعي بأنّ الكثير من الأفكار المطروحة هنا تحتاج لبحث وتفصيل لفهمها أكثر. وأعتقد بأنّ فهم سيكولوجية الشعوب هو أمر مهمّ جدّا. ولولا أنّ الدول المتطوّرة استطاعت دراسة وفهم شعوبها، لما استطاعت التقدّم. فالتعليم مثلا وُضع حسب خلفية الشعب وما يطمح إليه من خلال التعليم، بينما تمّ في الدول العربية استيراد مناهج خارجية وتطبيقها تطبيقا سيّئا. فلا هي قدّمت لنا ما قدّمته لهم تلك المناهج بسبب سوء التطبيق، ولا هي أصلا قادرة على ملاءمة شعوب المنطقة لأنّها لم توضع لأجلهم.
قد ترغب بقراءة: تأمّلات في آية “كنا مستضعفين في الأرض”… مع حكاية شخصية تتعلّق بهذه الآية