حينما يتعلّق الأمر بتحفيز الذات والشعور بالحماس لإنجاز المهام وما إلى ذلك، فسيكون أوّل سؤال يخطر ببالنا أن نطرحه على جوجل هو: كيف تحفّز نفسك؟ وطبعا سنجد الكثير من الإجابات والتقنيات الّتي تدّعي بأنّها فعّالة لتحفيزك وإشعال الحماس في نفسك.
لكن من منطلق تجربتي الخاصّة، ومن خلال بحثي كثيرا عن طرق تحفيز النّفس للعمل، أدركت بأنّه لا توجد تماما تقنية خاصّة يمكنها أن تعمل بشكل سحري، بل هناك عوامل يجب وضعها في الحسبان، وهناك سؤال آخر أهمّ يجب طرحه وهو “لماذا لست متحمّسا للعمل؟”.
فنحن نعرف بأنّه إن أحببت شيئا ما وأردت النّجاح فيه، فستجد الحافز بسهولة للعمل. لذلك، إذا ما لم تجد ذلك الحافز، فهناك خلل ما فيك أنت. ويجب أن تبحث عن هذا الخلل، وليس عن تقنيات التحفيز.
في هذا المقال سأحكي لكم قليلا عن أنواع الخلل الّتي ربّما تمنعك من الإنجاز، وكيف يجب أن تتعامل معها. كما سأحكي لكم ما رأيته من طفلة صغيرة فيما يتعلّق بالتحفيز والعمل والوصول إلى الهدف دون إحداث ضجّة.
ليس السؤال المهمّ كيف تحفّر نفسك
لقد ذكرت من قبل بأنّني لا أثق بالتنمية البشرية، وها أنا أعود لأكرّر نفس الشيء مع تقنيات التحفيز. فأنا أؤمن بأنّك إن لم تؤمن بالحافز في داخلك، أو إن لم تؤمن بفكرة معيّنة، فلن تستطيع خوضها مهما تعلّمت من تقنيات. هذا عدا أنّ كثيرا من التقنيات المقترحة لتحفيز نفسك هي تقنيات واسعة المعنى وغامضة. فما معنى أن تكون إيجابيا؟ كيف يمكنك تطبيق ذلك؟ أو ما معنى ألّا تخاف من الفشل؟ أو أن تركّز؟ وغيرها من الأمور.
فنحن نبحث أصلا عن كيف نصبح إيجابيين وكيف نتجنّب الخوف من الفشل. لذلك لا تعطي تلك النّصائح أيّ فوائد تُذكر.
ما تعلّمته من تجربتي هو أنّ السرّ يكمن في الإيمان بما تقوم به، فأهمّ خطوة يجب أن تقوم بها هي أن تبدأ طريقك للإيمان بما تعمل عليه. فأنت حينما تنهض صباحا لتذهب للعمل، وربّما تذهب إليه متثاقلا لأنّك لا تحبّه، تذهب لأنّك ستحصل على المال آخر الشهر. فأنت تؤمن بأنّك تحتاج هذا العمل لتعيش. لذلك لن تفرّط فيه ولن تقصّر فيه ولو كنت لا تحبّه، ولو كنت متعبا جسديا أو نفسيا.
وينطبق نفس الأمر على أيّ مشروع تريد العمل عليه. عليك أن تجد الهدف الّذي تريد الوصول إليه، سواء تعلّق الأمر بالمال أو بالإنجاز أو بالشهرة. وحينما تحدّد ذلك، عليك أن تحدّد المدّة الزمنية اللّازمة. فالمشاريع طويلة المدى هي الأصعب، وهي ما يتمّ التخلّي عنه عادة بسبب طول انتظار الوصول إلى الهدف.
وهنا يدخل عامل الاستمتاع بالمغامرة. فإن عملت فقط للوصول إلى الهدف، فستتخلّى عن المشروع بسهولة. لذلك عليك أن تتعلّم كيف تستمتع بكلّ خطوة، وأن تحدّد أهدافا صغيرة تبلغها بين الحين والآخر. فتلك الأهداف الصغيرة هي ما يصنع لك الحافز لتواصل، وبدونها ستشعر بأنّك تسير في الفراغ وتشعر بالفشل دون سبب مفهوم.
قد ترغب بقراءة: لماذا أصبحت كافرة بأنظمة التعليم الفاشلة في هذا العالم؟
عوامل مهمّة يجب التفكير فيها قبل البحث عن إجابة لكيف تحفّز نفسك
لا يكون غياب الحافز دوما بسبب عدم تحديد الهدف وعدم الاستمتاع بالمغامرة. بل أحيانا يكون بسبب جسدي أو نفسي.
ولهذا عليك أن تنتبه إلى نظامك الغذائي، فإذا ما كنت لا تأكل بشكل جيّد، فسيصعب على جسمك التركيز على المشروع وترك التعب الّذي يراود أعضاء الجسد. ولهذا من المهمّ الانتباه إلى أكل طعام جيّد قادر على منحك الطاقة اللّازمة لكيلا تتعب بسرعة.
والعوامل النفسية مهمّة جدّا. فإن لم تكن مرتاحا في حياتك، فلن تستطيع حتما العمل على أيّ مشروع جانبي. وأكرّر هنا بأنّني أعني الراحة النفسية وليست المادية. فقد يكون الشخص فقيرا، لكنّه سعيد ومرتاح بين أهله. كما قد يكون أحدهم غنيّا، لكن مع ذلك تمتلئ حياته بالمشاكل. وأنا طبعا لا أقلّل من أهمّية الراحة المادية، فهي بدورها مهمّة جدّا ليستطيع الإنسان التركيز في حياته على أمور أخرى.
وأهمّ عامل أريد أن أركّز عليه في هذا المقال هو الضجّة قبل الوصول إلى الهدف. فأسوأ ما قد تواجهه هو أن تكون من النّوع الّذي يحتاج إلى التحفيز الخارجي. وأعتقد بأنّه أهمّ عامل على الإطلاق. فالتحفيز الخارجي يعني أن تحصل على الاعتراف أو الثناء أو الإعجاب من قبل الآخرين، وهو ما يجعلك تستطيع مواصلة العمل. ويتمثّل هذا التحفيز في أشكال كثيرة، كرؤية مبيعات منتوجك تتزايد، أو زيارات موقعك ترتفع، أو أيّ شيء مشابه.
فإن كنت تستطيع الحصول على هذا التحفيز الخارجي فهو أمر جيّد. وأعتقد بأنّه لن يؤذيك كثيرا طالما أنّك متأكّد بقدرتك على الحصول عليه على طول طريق العمل على مشروعك. لكن إذا ما كان صعبا عليك الحصول على هذا التحفيز، فعليك هنا أن تبحث عن التحفيز الداخلي. وهذا النوع من التحفيز هو الأفضل والأكثر فعالية، وهو التحفيز الّذي يعاني كلّ الناس للحصول عليه.
ومن أجل هذا كنت قد ذكرت أعلاه بأنّ الهدف والاستمتاع بالطريق وتحديد أهداف صغيرة هي أهمّ عوامل للتغلّب على غياب الحافز الداخلي، بل ولخلق هذا الحافز بداخلك. والقصّة الّتي سأحكيها لكم الآن ستوضّح بأنّ التحفيز الداخلي والعمل دون ضجّة قادران على قلب كلّ الموازين.
كيف تحفّز نفسك مع تجربة طفلة صغيرة
عمرها عامان أو أكثر بقليل. وقد كانت قد أنهت للتوّ طعام العشاء حينما أرتنا أختها الأكبر منها سنّا طبقها وقد أكلت كلّ ما فيه فخورة بذلك. فقمنا نحن بالثناء عليها لتشجيعها على الأكل بشكل جيّد عند كلّ وجبة طعام. وهنا التفتُّ إلى الصغيرة وأنا أحاول إيجاد طريقة أو شيء ما لأشجّعها بشأنه، فأنا أعلم بأنّها تشعر بالغيرة من شقيقتها.
لكنّني وجدتها قد عادت للأكل بهدوء ودون أن تقول أيّ شيء. اكتفيت بمراقبتها قليلا إلى أن فهمت ما تقوم به. كانت تعمل دون ضجّة. لم تبك لأنّنا شجّعنا شقيقتها، ولم تحاول إخبارنا بأنّها ستنهي طعامها هي الأخرى. بدت معركة كبيرة بالنّسبة لها، فقد كانت بالفعل قد شبعت، ولا مكان للمزيد، كما شعرت بطعم التوابل حسب ما بدا لي لأنّها بدأت تأكل بسرعة فبدأت تتذوّق ذلك الطعم الحارّ قليلا بشكل أكبر.
حاولت أنا تشجيعها وهي تأكل، لكنّها لم تلتفت إليّ مطلقا. وكانت تقوم بشرب الماء بين الحين والآخر لتستطيع المواصلة. ولم تسمح لي بمساعدتها، إذ كنت نويت أو أقوم بإطعامها لتكون الملعقة ممتلئة على الأقلّ. كما لم ترض إلّا حينما أصبح الوعاء فارغا تماما. وحينها أرته لي بكلّ فخر وذهبت لتخبر البقيّة بأنّها أنهت طعامها.
لم يغادر ذلك المنظر ذاكرتي منذ ذلك اليوم. وقد أصبحت بفضله أواصل العمل إلى وقت متأخّر من اللّيل، رغم أنّني شخص لا يعمل ليلا. فقد صرتُ أتذكّرها كلّما شعرت بالتعب وأردت الاستسلام، فأعلم بأنّني أستطيع أن أعاني قليلا فقط لأنجز مهمّة أخرى، وأستطيع أن أرتاح بعدها. وقد أصبحت هذه الطريقة ناجحة معي بشكل كبير، وأصبح ذلك الإنجاز الّذي أقوم به رغم التعب حافزا لي هو الآخر. إذ يجعلني أشعر بالرضى عن نفسي.
خلاصة القول
ما أؤمن به هو أنّ الحافز الداخلي مهمّ جدّا. فلا يمكنك أن تسأل عن كيف تحفّز نفسك وتتوقّع حلّا سحريا. وهذا الحافز ينبع من إيجاد هدف واضح ومن تحديد أهداف صغيرة إذا ما كان الهدف الكبير بعيد الأمد. وأن يؤمن الإنسان بما يقوم به وأن يستمتع بما يعمل عليه. فالاستمتاع يعني العمل دون ملل. وعلى الإنسان أيضا أن يعلم بأنّ الراحة النفسية مهمّة، فإن كانت نفسه مشغولة بالمشاكل فلن يجد الحافز للعمل على أيّ شيء.
وتظلّ أمور مثل قراءة القرآن والأذكار أمورا مهمّة تساعد النفس على الشفاء من همومها، لذلك لا يجب التفريط فيها.
قد ترغب بقراءة: هل يجب أن تكون الاهتمامات الشخصية الخاصّة بي مرتبطة بشهادة الدكتوراه فقط؟