البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية

البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية… نظرة لفهم معتقدات الدّول الكبرى

سأحكي لكم في هذا المقال عن تاريخ المعتقدات الّتي تحرّك الدّول الغربية في عصرنا الحديث، بخاصّة العلاقة بين البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية. وذلك لنفهم أنّ العالم لا يسير حسب رغبات اقتصادية فقط كما يظنّ البعض، بل الأمر أعمق من ذلك بكثير.

وهي حقيقة معلومة للجميع. رغم أنّه هنالك من لازال ينكرها ويرى أنّ الأديان والمعتقدات لا علاقة لها بمجريات العصر. وقد ركّزت مقالي على ثلاث مصطلحات متداولة لها علاقة وثيقة ببعضها البعض:

وهي البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية.

سيبدأ حديثنا من البروتستانتية، إذ سنشرح ماذا تعني وكيف بدأت. ثمّ سنتحدّث أيضا عن الإنجيلية، وهل هي نفسها البروتستانتية أم هناك اختلافات بينهما. كما سنتحدّث أيضا عن المسيحية الصّهيونية وعلاقتها بالبروتستانتية، بل كيف يكاد معظم معتنقي البروتستانتية أن يكونوا مسيحيين صهاينة.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: ما الّذي يحرّك الغرب نحو الشّرق الأوسط… الدّين أم النّفط؟

كيف ظهرت البروتستانتية؟

كلمة بروتستانت مشتقّة من كلمة “protest”، وهي تعني الاعتراض على كلّ ما يخالف الكتاب.

ظهرت البروتستانتية كحركة إصلاحية في الكنيسة منذ القرن الخامس عشر. ويُعتبر مارتن لوثر (1483-1546) من أهمّ مؤسّسي هذه الحركة. لوثر هو ألماني كان قد سافر إلى روما متشوّقا لزيارة المقرّ الرسولي هناك، لكنّه رأى معتقدات أصابته بالإحباط وجعلته يفكّر في إصلاح الكنيسة.

لم يكن مارتن لوثر وحيدا في هذا. ففي نفس تلك الفترة كان قد ظهر مصلحان آخران هما الروخ هولدريخ زوينجلي. وهو سويري نادى لنفس أفكار الإصلاح كما لوثر. كما ظهر مصلح آخر في فرنسا، وهو جون كالفن. وقد تأثّر بدروه بأفكار لوثر، لكنّه لم يقابله.

من بين العقائد الّتي أراد لوثر كمصلح التخلّص منها نجد:

  • دعاوى غفران الذّنوب.
  • امتلاك سرّ التّوبة.
  • حقّ منح صكوك الغفران.
  • الفساد والانحلال الأخلاقي في الطّبقات العليا من الكنيسة.

نجحت حركات الإصلاح تلك نجاحا باهرا، وأصبحت البروتستانتية الدّيانة الرّسمية لدول أروروبية كثيرة. لكنّ تلك البروتستانتية قد احتوت على سمّ اندسّ إليها عن طريق اليهود، فأصبحت مدافعة عن حقوقهم أكثر من اليهود أنفسهم.

لكن قبل أن ننتقل لنحكي عن أثر اليهود في حركة الإصلاح الّتي بدأها مارتن لوثر، لنتعرّف على مبادئ البروتستانتية الّتي خالفت بها الكنيسة الكاثوليكية:

  • أن يكون الكتاب المقدّس بعهديه المرجع الوحيد للعقيدة وأداء الشّعائر.
  • عدد أسفار العهد القديم ستّة وستّون سفرا فقط، أمّا الأربعة عشر سفرا الباقية فتعتبر غير صحيحة.
  • لا عصمة للبابا ولا لرجال الدّين.
  • يمكن لأيّ مسيحي أن يصل إلى درجة القداسة.
  • ترفض الكهانة، وتؤمن بأن لا شفيع بين الإنسان والله سوى المسيح. كما لا تؤمن بالرّهبنة.
  • تؤمن بسرّين فقط من أسرار الكنيسة: المعمودية والعشاء الربّاني.
  • الصّوم ليس فريضة، بل سنّة حسنة. والصّلاة لا مقدار محدّد لها.
  • لا تؤمن بالأعياد الّتي تقيمها الكنائس الأخرى.
  • الكهنوت ثلاث درجات فقط: الأسقف والقسّ والشمّاس.
  • عدم اتّخاذ الصوّر والتّماثيل في الكنائس والسّجود لها.

دور اليهود في حركة الإصلاح وأثرهم في البروتستانتية

كان اليهود، قبل ظهور حركة الإصلاح، أمّة ملعونة في نظر المسيحيين. فهم من قتلوا المسيح باعتقادهم، وقد تمّ عقابهم على ذلك عن طريق إخراجهم من فلسطين، وبأنّ أرض فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين.

لكن بالتّزامن مع بدء مارتن لوثر حركته للإصلاح، تسرّبت الأفكار اليهودية إلى أفكار لوثر من خلال اليهود المهاجرين إلى أوروبا في تلك الفترة. وقد أدّى ذلك إلى تحوّل اليهود من “الأمّة الملعونة” إلى شعب الله المختار وأبناء الربّ. كما نادى لوثر بفكرة عودة اليهود إلى الأرض المباركة.

وقد كتب مارتن لوثر كتابا سنة 1523 بعنوان “عيسى ولد مسيحيا” يظهر جليّا مدى تأثّر لوثر بالأفكار اليهودية وكيفية تحويله اليهود إلى الأمّة المفضّلة. وممّا قاله في كتابه: “إنّ الرّوح القدس شاءت أن تنزل كلّ أسفار الكتاب المقدّس عن طريق اليهود وحدهم. إنّ اليهود هم أبناء الربّ، ونحن الضّيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى أن نكون كالكلاب الّتي تأكل من فتات مائدة أسيادها”.

كان لوثر يأمل في تحويل اليهود إلى المسيحية، لكنّه اكتشف متأخّرا بأنّ العكس قد حدث، وأنّ المسيحية قد تأثّرت باليهودية تأثّرا كبيرا. وما كان من لوثر سوى أن ندم بعد أن يئس من تحويل اليهود للمسيحية. فكتب كتابا آخر انقلب فيه على اليهود، وقد أسماه “اليهود وأكاذيبهم”، وذلك في سنة 1544.

لكن خلال كلّ تلك السّنوات، كانت قد انتشرت فكرة اليهود بأنّهم شعب الله المختار بانتشار حركة الإصلاح. وأصبحت هذه الفكرة جزءا أساسيا من البروتستانتية. ولم يستطع لوثر تصحيح شيء بكتابه ذاك.

لكن لم ينته الأمر عند فكرة تقديس اليهود، بل تحوّل الأمر إلى محاولة إيجاد وطن قومي لهم. وظهرت أفكار تمّ استخراجها من العهد القديم للكتاب المقدّس، تقول بأنّ المسيح لن يعود إلّا بعودة اليهود إلى أرض الميعاد، وهي أرض فلسطين. وهكذا بدأت فكرة العمل على قيام دولة إسرائيل في فلسطين.

البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية

تنتشر مصطلحات مختلفة كلّها تنتمي للبروتستانتية. وأهمّ هذه المصطلحات هي الإنجيلية والمسحية الصّهيونية، وذلك بسبب العلاقة الوطيدة بين البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية.

الفرق بين هذه المصطلحات ليس كبيرا جدّا، لكنّه يختلف في تعصّب بعضها للأفكار أكثر من غيرها.

فالإنجيلية هي حركة ضمن البروتستانتية، والمسيحية الصّهيونية هي حركة ضمن الإنجيلية.

بعد الإصلاح الّذي حصل على يد مارتن لوثر، وبعد أن نادى هو بعودة اليهود إلى الأرض المباركة، أصبح الاعتقاد السّائد في البروتستانتية يقضي بأنّ المسيح لن يعود إلّا بعودة اليهود إلى أرضهم كاملة. وبهذا يمكن أن نقول أنّ البروتستانتية هي حامل لواء كلّ مدافع عن حقوق اليهود في الأرض المباركة. وليست الإنجيلية أو المسيحية الصّهيونية إلّا حركتان بارزتان فيها.

فالمسيحية الصّهيونية تعني المسيحيين المدافعين عن الصّهيونية. والصّهيونية هي أيدلولوجية تعني قيام وطن قومي لليهود في أرض فلسطين.

أمّا الفرق بين الإنجيلية والبروتستانتية فلا يكاد يكون واضحا أيضا. وربّما أهمّ اختلاف هو نظر الإنجليين إلى الكتاب المقدّس على أنّه مقدّس دون أخطاء. بينما يراه البروتستانت على أنّه وثيقة تاريخية تحمل كلام الربّ. كما يرى الإنجيليون أنّه عليهم نشر الإنجيل.

إذن فالإنجيليون هم بروتستانت أكثر تحفّظا. والمسيحيون الصّهاينة هم إنجيليون أكثر دعما لإسرائيل. وتتلاقى هذه المصطلحات الثّلاث في المعتقدات الّتي ذكرناها أعلاه، إضافة إلى شرط عودة اليهود إلى أرض الميعاد تمهيدا لعودة المسيح.

البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصهيونية بعد انتشار أفكار لوثر

عرفت أفكار لوثر، ونداءه لقراءة العهد القديم، انتشارا واسعا واستطاعت منح اليهود مكانة مميّزة. وقد سيطرت فكرة عودة اليهود إلى أرض الميعاد وبدأ القساوسة بنشرها والنّداء لتحقيقها سياسيا.

ويبدو أنّ الحركة قد انتشرت من بريطانيا، وذلك من خلال إنشاء جمعية لندن لتعزيز اليهودية بين النّصارى، سنة 1807. حيث نادى أحد أكبر زعمائها، وهو اللورد شافتسبيري، لأوّل مرّة بشعار “وطن بلا شعب، لشعب بلا وطن”. ثمّ انتشرت الحركة في أمريكا من خلال الهجرات إليها وتأسيس الكنائس الإنجيلية فيها.

كان ثيوور هرتزل، مؤسّس الصّهيونية، أوّل من استخدم مصطلح المسيحية الصّهيونية. وقد انقسمت هذه الحركة إلى تيّارين في القرن 19:

  • فالتيّار البريطاني الّذي يرى أنّ تحوّل اليهود إلى المسيحية يكون قبل عودتهم إلى فلسطين.
  • والتيّار الأمريكي الّذي يرى العكس.

تزعّم هذا التيّار القسّ الأمريكي جون نلسون داربي، وهو الأب الرّوحي لحركة المسيحية الصّهيونة الأمريكية. وقد عمل القساوسة على نشر نظرياته.

ففي عام 1844، وصل أوّل قسّ أمريكي إلى القدس يُدعى واردر كريستون. وقد تمثّل هدفه في تحقيق عودة اليهود إلى الأرض المباركة، فبدأ يقوم باتّصالات مع قادة أمريكيين وعثمانيين لأجل ذلك، لكنّه ينجح.

وقد تبعه في ذلك وليام بلاكستون الّذي تقدّم، في سنة 1891، بطلب إلى الرّئيس الأمريكي، بنيامين هاريسون، للتدخّل وإعادة اليهود إلى فلسطين. ووليام بلاكستون هو إنجيلي أمريكي تأثّر بأفكار جون نلسون داربي وكتب كتابا أسماه “المسيح قادم” سنة 1887. وقد ترجم كتابه إلى الكثير من اللّغات.

ورغم أنّ ثيودور هرتزل هو من أسّس الصّهيونية، إلّا أنّ التّاريخ يظهر أنّه كان علمانيا وكان على استعداد لإيجاد قوم لليهود في أيّ مكان. وقد اتّهمته المسيحية الصّهيونية بالتّساهل، وأرسل إليه بلاكستون نسخة من العهد القديم علّم عليها الفقرات الّتي تقول بأنّ فلسطين هي أرض اليهود الّتي يجب أن يعودوا إليها.

أمّا القسّ سايروس سكوفليد المتأثّر أيضا بأفكار داربي، فقد كتب كتابا عام 1917 أسماه “إنجيل سكوفيلد المرجعي”. وقد أصبح سكوفيلد المرجع الأوّل لحركة المسيحية الصّهيونية.

موقف الدّول من المسألة اليهودية

يظهر جليّا من خلال ما سبق موقف الدّول الغربية حاليا من إسرائيل، وذلك حسب معتقداتها. فالبروتستانتية في أمريكا وبريطانيا قد تبنّت فكرة عودة اليهود إلى أرضهم بشكل عميق، وهما دولتان تعملان لأجل ذلك من خلال دعمهما الكبير لإسرائيل، خاصّة أمريكا.

أمّا دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فتسيطر عليها الكنيسة الكاثوليكية، ولذلك يظلّ موقفها اتّجاه اليهود أكثر تحفّظا. ومن الجدير بالذّكر بأنّ الفاتيكان لم يقم بتبرئة اليهود من دم المسيح إلّا عام 1966.

أمّا دول أوروبا الشّرقية، مثل روسيا، فهي دول تدين بالأرذوكسية، وهي لازالت تحافظ على نظرتها المتوجّسة إلى اليهود.

وربّما يمكن القول أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية هي أكثر الدّول دعما لإسرائيل. وذلك لم يأت من فراغ. فإيمان البروتستانت فيها بأهمّية عودة اليهود إلى أرض الميعاد، حسب معتقداتهم الجديدة، تدفع السّياسة الأمريكية للسّير في هذا الاتّجاه.

فقد قال هنري كابوت سنة 1922، وقد كان رئيس لجنة العلاقات الخارجة في مجلس النوّاب الأمريكي، وذلك بعد صدور وعد بلفور: “إنّني لم أحتمل أبدا فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين. إنّ بقاء القدس وفلسطين المقدّسة بالنّسبة لليهود، والأرض المقدّسة بالنّسبة لكل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب، في أيدي الأتراك، كان يبدو لي لسنوات طويلة وكأنّه لطخة في جبين الحضارة من الواجب إزالتها”.

وقد رأينا عدّة رؤساء أمريكيين يجهرون علنا بمعتقدهم هذا، منهم جيمي كارتر وجورج بوش الأب والإبن. وقد قال جيمي كارتر في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي سنة 1979: “إنّ علاقة أميركا بإسرائيل أكثر من مجرّد علاقة خاصّة. لقد كانت ولاتزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويضها، لأنها متأصّلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشّعب الأميركي”.

قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب الوحي ونقيضه لكاتبه بهاء الأمير

الخلاصة

كان هذا مقالا مختصرا جدّا لفهم ما هي البروتستانتية وكيف أثّرت على توجّه الدّول الكبرى وخلقت إسرائيل كما نعرفها اليوم. وكذا لفهم الاربتاط بين البروتستانتية والإنجيلية والمسيحية الصّهيونية.

وتفيد هذه النّظرة التّاريخية في فهم تحرّكات الدّول البروتستانتية، ولماذا ترى في الإسلام عدوّا لها. وسيكون لي مقال قادم للتّفصيل في هذا أكثر بإذن الله. وربّما يتّضح أكثر في المقال حجم الضّغط الّذي عاناه السّلطان عبد الحميد الثّاني في فترة ازدهار فكرة الوطن القومي لليهود، وكيف استطاع السّلطان الوقوف في وجهها، ولم يتمّ لها النّجاح إلّا بعد تنحيته.

يلفت انتباهي أيضا أنّه يجب التّفصيل في الحركة الإصلاحية الّتي قادها مارتن لوثر، وكيف تأثّر باليهودية وجعل للشّعب اليهودي تلك المكانة في المسيحية، بعد أن كان شعبا ملعونا. وسيكون هذا البحث في التّاريخ موضوع مقال قادم أيضا.

من الجدير بالذّكر أنّ فكرة عودة اليهود إلى أرض الميعاد تعني أن يحصلوا على أرض فلسطين كاملة، أي بما في ذلك الضّفة الغربية وغزّة، ثمّ إقامة الهيكل بعد إسقاط المسجد الأقصى. ونحن نرى مؤخّرا بداية لتحرّكات حقيقية نحو هذا الهدف، وذلك من خلال ما يسمّى بصفقة القرن الّتي لا تبدو معالمها واضحة حتّى الآن، ومن خلال تصريحات نتنياهو بضمّ المستوطنات في الضفّة إلى دولة إسرائيل.

المصادر

البروتستانت

المسيحية الصهيونية والسياسة الأميركية

المفاهيم الأساسية للمسيحية الصهيونية

الكنيسة البروتستانتية وعلاقتها بالمسيحية الصهيونية

Evangelicals v. Mainline Protestants



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا