منذ أن بدأت جائحة كورونا وأنا أتعلّم المزيد من الأمور عن هذا العالم طالما هناك وقت لذلك. وليست قصّة أحلام الّتي سمعنا بمقتلها على يد أبيها سوى فيض من غيض قد قرأت عنه بشأن قضايا المرأة وشاهدتُ وثائقيات عنه مؤخّرا.
الاستنتاج الوحيد الّذي دار في ذهني هو أنّ المجتمعات العربية، أو لنقل المجتمعات المسلمة، مجتمعات تعيش وسط عادات وتقاليد مخزية مقرفة لا أدري كيف يمكن التخلّص منها. والخاسر الأكبر في خضمّ كلّ تلك الخزعبلات هي المرأة، المرأة هي من تتحمّل اللّوم وهي من تدفع حياتها دوما ثمنا لعادات متخلّفة.
وربّما ما هو أسوء في كلّ هذا هو تحويل تلك العادات إلى دين، فيتمّ تحويل الإسلام إلى دين متخلّف يسلب الحرّيات والحقوق ويظلم المرأة في كلّ ثناياه، بينما يجعل الرّجل مقدّسا وإن أخطأ.
قد ترغب بقراءة: الولاية على المرأة في الإسلام.. لماذا يصرّ البعض عليها رغم عدم وجود دليل عليها؟
المرأة تُلام دوما وتعاني في صمت
ففي قضايا مثل أحلام، سيحاول النّاس فهم سبب قتلها، والّذي قد استنتجوه حتّى قبل أن يسألوا. إذ يتبادر إلى الذّهن فورا أنّهم وجدوها مع شابّ أو شيء من هذا القبيل، وتكون ردّة الفعل بأنّها تستحقّ القتل، فقد أهانت شرف العائلة.
لكن بأيّ شرع تحكمون؟ من سمح لكم بالحكم بإزهاق النّفس الّذي يعتبر من الكبائر؟ ومن سمح لكم أصلا بالقذف وهو أيضا من الكبائر؟
إن كنتم تتصرّفون كمسلمين، فالإسلام، حتّى في حالة الزّنا، يحكم بالجلد على كلا الطّرفين، ولم يأمر بقتل المرأة وعدم لمس الرّجل. فالإسلام بريء منكم ومن عقولكم المعفّنة، وما أنتم إلّا وحوش تحاول البحث عن بعض السّلطة من خلال التعدّي على حقوق المرأة، لأنّكم مجرّد ذكور، ولم تعرفوا معنى الرّجولة يوما.
القضايا الّتي تنتشر في العالم ضدّ المرأة باسم الإسلام يشيب لها الرّأس، ويجب حقّا ألّا نعترض حينما يوصف المسلم بالرّجعي والإرهابي. فهذه القضايا تجعل الدّم يغلي في العروق.
هروب الفتيات السّعوديات
كانت قضيّة هروب السّعوديات من بلدهنّ قضيّة مهمّة أردت فهمها. ولازال ألم دينا علي لسلوم الّتي تمّ إعادتها إلى السّعودية وهي تصرخ وتبكي ترنّ في رأسي لم تفارقني منذ أن سمعت قصّتها. ولا يعلم أحد حتّى الآن ماذا حلّ بها، إن كانت تتعرّض لتعذيب يومي على يد أهلها، أو إن كانت فارقت الحياة على أيديهم أيضا.
ويا لها من سخرية أن يكون الأهل هم الألم في هذا الحياة، أن يكون الأب الّذي نقرأ عنه في القصص بأنّه منبع الحنان مصدر كلّ بؤس في هذه الحياة.
قصّة رهف والأختين دلال ودعاء من القصص النّاجحة المفرحة المحزنة. ففرحتهنّ بالابتعاد عن تلك الحياة الخانقة للحرّيات وبالهرب من زواج بالإكراه كما يحصل لبقيّة الفتيات هي فرحة كبيرة حتما. لكن الوزر الّذي يحمله الآباء والأهل ليس وزر إجبارهنّ على حياة مهينة فقط، وليس وزر اضطرارهنّ لترك الأهل والأصدقاء والعيش في مكان غريب، بل يحملون وزر خروجهنّ من الإسلام. وقد أثار حيرتي حقّا من لاموا رهف حينما رأوها دون حجاب وحينما أعلنت خروجها من الإسلام، ولم يحاولوا فهم سبب ذلك.
فالسّعودية لا تعلّم الإسلام في شيء ممّا تقوم به، بل كلّ ما تعلّمه هو همجية وقوانين رجعية تمنح الذّكر السّلطة وتخبر الأنثى أنّها خلقت لتكون خادمة للذّكر، فماذا نتوقّع من فتاة في ذلك السنّ تمّ تعليمها طوال حياتها أنّها مجرّد خادمة ليس لها الحقّ في القيام بأيّ خيار في حياتها؟ ماذا نتوقّع من فتاة يخبرونها منذ أن ولدت أنّ دينها يعلّمها بأنّها أدنى من الرّجل، ولا يحقّ لها أن تعيش كإنسان طبيعي له حقوقه؟
وأتذكّر أيضا قصص الزّواج بالإكراه الّذي يحصد أرواح كثير من الفتيات ويجعلهنّ يعشن كالأموات. وبينما هذا الزّواج يمضي في المجتمعات العربية دون أن يكون له أيّ أثر، يتمّ التصدّي له بحزم في الدّول الغربية.
قد ترغب بقراءة: أزمة الرجل الشرقي… إليكم مظاهر وأسباب هذه الأزمة الّتي لم تتغيّر منذ قرون
قوانين رادعة للزّواج بالإكراه في بريطانيا
وقد راقني فعلا تكوين فرقة خاصّة في مدينة بريطانية للتصدّي لإكراه الفتيات والفتيان على الزّواج. وذلك طبعا يحصل من المسلمين المهاجرين الّذين يعيشون هناك، فرغم أنّهم فارقوا مجتمعاتهم، إلّا أنّهم حملوا معهم خرافاتهم راغبين في تطبيقها في المجتمعات الغربية. وكم هو مثير للإعجاب ما استطاع القانون القيام به في دول مثل بريطانيا أو أستراليا، إذ وصل الأمر إلى تطبيق حظر بالسّفر على الفتيات والفتيان لكيلا يعود بهم أهلهم إلى بلدانهم لأجل إجبارهم على الزّواج من قريب كانوا قد وعدوه بذلك.
ومثل هذه التّجارب تجعلني أدرك أنّه مجتمعاتنا تحتاج لقوانين رادعة كتلك القوانين تحمي الفتيات من تخلّف المجتمع. فالقوانين وحدها قادرة على إيقاف عذاب الكثيرات ممّن يتألّمن بصمت.
وفي مجتمعاتنا، حتّى إن كانت المرأة أميرة فلن يشفع لها ذلك أن تكون إنسانا حرّا. فلا يعلم أحد حتّى الآن ما حلّ بالأميرة لطيفة ابنة حاكم دبيّ، وذلك بعد أن حاولت الهرب من والدها الّذي يتحكّم بكلّ تحرّكاتها، ولا عن مصير شقيقتها شمسة الّتي اختفت هي الأخرى ولا أحد يعلم عنها أيّ شيء. أو بنات ملك السّعودية السّابق، سحر وجواهر، اللّتان تعيشان في سجن مفروض عليهما منذ سنوات، ولا أحد يستطيع تحريرهما أو تحرير بقيّة شقيقاتهما.
ولا ننسى مصير الكثير من فتيات المملكة ممّن لا يستطعن التحرّك دون إذن رجل، ولو بلغن ستّين سنة. والمضحك المبكي أنّه حينما يتمّ أخذهنّ إلى دار رعاية بسبب عنف أسري من زوج أو أخ، فإنّهنّ لا يستطعن الخروج دون إذن رجل، أي سيقوم نفس المعتدي بإخراجهنّ، ليعتدي عليهنّ ثانية!
ولا مصير الباكستانيات أو الأفغانيات ممّن يعانين الأمرّين بسبب المجتمع المنغلق المتخلّف الّذي يلومهنّ على كلّ شيء، ويحرمهنّ من كلّ شيء.
المرأة في مجتمع ذكوري
ويجب ألّا ننسى أنّ مثل هذا يحدث في معظم المجتمعات الإسلامية، وهي الحقيقة المرّة الّتي تحتاج لحلّ حقيقي. فالمجتمعات الإسلامية هي فعلا مجتمعات ذكورية، لا يسيّرها الإسلام، ومن يظنّ أنّ الإسلام يحرّكها فهو واهم، بل تحرّكها عادات بالية اخترعها ذكر ظنّا منه أنّه سيصل إلى الرّجولة، لكنّه لم ولن يستطيع الوصول إليها. وفي هذه المجتمعات الذّكورية، يرى الذّكور المرأة على أنّها متاع خاصّ، أو أنّها كائن أدنى منه خُلق لخدمته فقط، فيحرمها من أيّ حقوق ويدّعي أنّ الإسلام قرّر ذلك، وتثور ثورته حينما يراها حصلت على بعض من حقوقها، فيتّهمها بالانحلال والفساد، وبأنّها أخذت مكانه وحرمته من فرص العمل والنّجاح، وهذه الأخيرة تثير حيرتي فعلا، وأتمنّى أن أستطيع فهم كيفية تفكير هذا العقل النّاقص الّذي ينظر إلى المرأة بهذا الشّكل.
شخصيا لم أكن أخوض أيّ نقاش حول هذا الأمر، وكنت قد ابتعدتُ عنه لما فيه من تعقيدات لم أستطع فهمها، لكنّني أرى الآن أنّ الأمور لن تتصلّح في المجتمعات الإسلامية ما لم يتمّ تحطيم هذه العادات المتخلّفة، ولن نتقدّم خطوة إلى الأمام في أيّ طريق كان، ما لم يُرفع هذا الظّلم عن المرأة.
قد ترغب بقراءة: أزمة المرأة الشرقية… إليكم السبب الرئيسي للمجتمع الشرقي الذكوري