وجوب تغطية الوجه للمرأة

هل يجب على المرأة تغطية وجهها في الإسلام؟ (4)

بعد خلاصتنا في المقال السابق، نواصل في هذا الجزء الحديث عن وجوب تغطية الوجه بالنّسبة للمرأة في الإسلام من عدمها، مع ذكر ردود الألباني على أدلّة التّويجري بشأن وجوب تغطية الوجه كما جاء في المقال السّابق، وبشأن مواضيع أخرى.

قد ترغب بقراءة: تعدد الزوجات في الإسلام وكذبة كثرة النساء… تعالوا أعرّفكم على حقيقة الموضوع

احصل على ثانوية الأشباح

وجوب تغطية الوجه ومعنى الخمار والتقنّع والاعتجار

1. بيّن الألباني كيف أنّ هناك خلطا بين آية إدناء الجلباب، وبين آية ضرب الخمور على الجيوب، وبين آية الحجاب “فاسألوهنّ من وراء حجاب” وهذه للمرأة في منزلها.

2. معنى الخمار والتقنّع والاعتجار لا يعني أن تغطّي الوجه بل الرّأس. قال بذلك ابن كثير وابن الأثير. ومن التّناقض الّذي يحصل مع التّويجري ومن يتابعه أنّهم قالوا عن حديث جابر حين قال “سفعاء الخدّين” أنّه لعلّها تكون كبيرة في السنّ، ومسموح لها بأن تظهر وجهها، لأنّ آية “القواعد من النّساء” تمّ تفسيرها على أنّه مسموح لها أن تضع جلبابها وتترك خمارها، ما يعني أنّ الخمار لا يغطّي الوجه!

3. هناك حديث صحيح أيضا يقول “لا صلاة لحائض دون خمار” أخرجه ابن حبّان وابن خزيمة في صحيحيهما. فلا يمكن أن يعني ذلك أنّ المرأة تغطّي وجهها في الصّلاة.

4. قال أيضا ابن شيبة أنّ الخمار هو مثل العمامة تغطّي بها المرأة رأسها.

5. وقد جاء في المعجم الوسيط أنّ الخمار هو كلّ ما ستر، ومنه خمار المرأة وهو ثوب تغطّي به رأسها.

6. ذكر الألباني أنّه جمع أقوال حوالي أربعين شخصا يقولون بأنّ الخمار هو غطاء الرّأس، وهم مفسّرون ومحدّثون وفقهاء ولغويون.

7. التقنّع لغة هو تغطية المرأة رأسها. ذُكر في المعجم الوسيط وقاله الحافظ أيضا.

8. أمّا الاعتجار فقد جاء في قاموس الفيروز أبادي وفي تاج الزّبيدي أنّ الاعتجار هو ليّ الثّوب على الرّأس من غير إدارة تحت الحنك.

هل اتّفق العلماء على وجوب تغطية الوجه في الإسلام؟

قال التّويجري عدّة مرّات في كتابه أنّه قد أجمع المسلمون ألّا تخرج المرأة كاشفة لوجهها، لكنّ الألباني فنّد ذلك بالأدلّة:

1. قال التّويجري “وحكى ابن رسلان: اتّفاق المسلمين على منع النّساء أن يخرجن سافرات الوجوه. نقله الشّوكاني عنه في كتاب نيل الأوطار”. ثمّ قدّم الألباني النصّ الكامل في كتاب الشّوكاني إذ قال معلّقا على حديث عائشة: “فيه دليل لمن قال: إنّه يجوز نظر الأجنبية. قال ابن رسلان: وهذا عند أمن الفتنة…أمّا عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة، ويدلّ على تقييده بالحاجة اتّفاق المسلمين على منع النّساء أن يخرجن سافرات الوجوه…وحكى القاضي عيّاض عن العلماء: أنّه لا يلزم ستر وجهها في طريقها، وعلى الرّجال غضّ البصر للآية…”

2. ابن تيمية أيضا قد ذكر بابا عنونه كالتّالي “باب أنّ المرأة عورة إلّا الوجه والكفّين”. لكنّ التّويجري لم يذكر هذا بل اكتفى بذكر كلام له يقول فيه بوجوب تغطية الوجه.

3. قال الألباني أنّ كلمة “الإجماع” الّتي أطلقها التّويجري فيما يخصّ تغطية وجه المرأة لم يقل به أحد من العلماء قبله. ومن أدلّة ذلك نذكر هنا:

4. قال ابن هبيرة الحلبي في كتابه الإفصاح: واختلفوا في عورة المرأة الحرّة وحدّها، فقال أبو حنيفة: كلّها عورة إلّا الوجه والكفّين والقدمين، وقد روي عنه أنّ قدميها عورة. وقال مالك والشّافعي: كلّها عورة إلّا وجهها وكفّيها. وهو قول أحمد في إحدى روايتيه، أمّا الرّواية الأخرى فيقول: كلّها عورة إلّا وجهها.

أقوال الأئمّة الأربعة والعلماء في مسألة وجوب تغطية الوجه

ردّ التّويجري وغيره على أنّ قول الأئمّة بكشف المرأة لوجهها إنّما كان يعني عند الصّلاة، وقد أجاب الألباني على ذلك كما يلي [1]:

1. مذهب أبو حنيفة: قال الإمام محمّد بن الحسن في الموطّأ “ولا ينبغي للمرأة المحرمة أن تنتقب، فإن أرادت أن تغطّي وجهها، فلتسدل الثّوب سدلا من فوق خمارها، وهو قول أبي حنيفة والعامّة من فقهائنا”

قال أبو جعفر الطّحاوي في شرح معاني الآثار “أبيح للنّاس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النّساء، إلى وجوههنّ وأكفّهنّ، وحرّم عليهم من أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد رحمهم الله تعالى”.

2. مذهب مالك: قال عبد الرّحمان بن القاسم المصري في “المدوّنة” مثل قول الإمام أحمد وزاد عليه “فإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل”.نقل هذا الكلام ابن عبد البرّ في “التّمهيد”، وقال معلّقا على تفسير ابن عبّاس لآية الزّينة بالوجه والكفّين “فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها“.

في الموطّأ أيضا أنّ مالك قد سُئل إن كان مباحا للمرأة أن تأكل مع غير محرم فقال “ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرّجال، وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممّن يؤاكله”. وقد قال الباجي في “المنتقى شرح الموطّأ” معلّقا على هذا الكلام “يقتضي أنّ نظر الرّجل إلى وجه المرأة وكفّيها مباح، لأنّ ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها”.

3. مذهب الشّافعي: قال الشّافعي في كتاب الأمّ “المحرمة لا تخمّر وجهها، إلّا أن تريد أن تستر وجهها فتجافي…”

قال البغوي في شرح “السنّة”: “فإن كانت أجنبية حرّة فجميع بدنها عورة في حقّ الرّجل، لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلّا الوجه واليدين إلى الكوعين، وعليه غضّ البصر عن النّظر إلى وجهها ويديها أيضا عند خوف الفتنة”.

4. مذهب أحمد: روى ابنه صالح في مسائله قائلا عنه “المحرمة لا تخمّر وجهها ولا تنتقب والسّدل ليس به بأس، تسدل على وجهها”

5. من العلماء أيضا الّذين قالوا بإباحة كشف الوجه، ذكر الألباني [2]:

القاضي عيّاض الّذي قال ” قال العلماء: لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنّما ذلك سنّة مستحبّة لها…”

ابن القطان الّذي قال “وقد قدّمنا أنّه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفّيها، فالنّظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط ألّا يخاف الفتنة”

ابن مفلح الحنبلي الّذي قال “قولنا وقول جماعة من الشّافعية وغيرهم: إنّ النّظر إلى الأجنبية من غير شهوة ولا خلوة، فلا ينبغي الإنكار عليهنّ إذا كشفن عن وجوههنّ في الطّريق”

الشّوكاني أيضا قال “إنّ الوجه والكفّين ممّا استثني”.

هل عرفتم الآن أين هي المشكلة؟

لقد سبق وطرحت هذا السّؤال في أوّل مقال من هذه السّلسلة، فكيف يمكن أن تكون تغطية الوجه واجبة وغير واجبة في نفس الوقت؟ وكيف نعرف الحقيقة إذا كان كلّ من الطّرفين قد بسط دلائله الّتي تبدو محكمة؟

والإجابة تكمن في علم الحديث!

تصحيح حديث ما أو تضعيفه كافيان بإثبات حكم شرعي حسب ما يبدو، فقد اعتمد كلّ من الألباني والتّويجري على مجموعة من الأحاديث المرويّة عن الرّسول، وكلّ منهما يقول أنّ الحديث الّذي اعتمد عليه صحيح!

لكن بعد المقارنة الّتي قمنا بها، نرى جليّا كيف أنّ هناك ثلاث نقاط مهمّة ترجّح كفّة أحدهما على الآخر:

1. إيضاح الألباني كيف أنّ كثيرا من الأحاديث الّتي استدلّ بها التّويجري ضعيفة.

2. ردّ التّويجري على أهمّ الأحاديث الدالّة على جواز كشف الوجه والكفّين كان ردّا ضعيفا خاليا من التّحقيق العلمي، فقد كان مبنيا على “ربّما”.

3. إثبات الألباني أنّ العلماء لم يجتمعوا على وجوب تغطية الوجه كما قال التّويجري.

إذن بعدما رأيناه من استخدام التّويجري لأحاديث قد بيّن الألباني ضعفها وقول علماء سابقين بضعفها أيضا، من يجب أن نصدّق؟ لننتقل إلى الفقرة التّالية.

قد ترغب بقراءة: انضمّوا إليّ لتصحيح مفهوم ضرب المرأة في القرآن

من هو الألباني ومن هو التّويجري؟

كنت قد قلت من قبل أنّني اعتمدت على كتاب التّويجري فقط كردّ على الألباني، وقد بيّنت كيف أنّ الألباني قد ردّ على كثير من مؤلّفي الكتب ممّن ساروا على درب التّويجري، وذلك في كتابه الردّ المفحم، لذلك قرّرت أن أكتفي بكتاب التّويجري للمقارنة.

لنبدأ بمن هو التّويجري، فهو عالم وقاض سعودي [3]، معروف بأنّه تلقّى العلم الشّرعي عن الفقهاء وتعلّم عن اللّغة أيضا، كما ألّف كثيرا من الكتب.

أمّا الألباني فأوّل ما سيصفه به أيّ شخص هو: عالم حديث!

ولد الألباني في ألبانيا [4]، ثمّ انتقل إلى دمشق مبتعدا عن نظام الدّراسة العلماني، وقد اهتمّ والده بتعليمه وأراده أن يتّبع المنهج الحنفي، لكنّ الألباني كان مولعا بعلم الحديث وتخصّص فيه إلى أن صار عالما بارزا في هذا المجال.

وإذا ما بحثنا عن أقوال العلماء فيه سنجد أنّهم يثنون عليه وعلى علمه بالحديث بشكل خاصّ، فابن باز وصفه بأنّه مجدّد الأمّة، وابن عثيمين قال أنّ له علما جمّا في الحديث، وغيرهما كثير.

ما أريد قوله من هذا هو أنّ الألباني، وكما قال هو عن نفسه، إنّما يتّبع المنهج العلمي ويبحث عن الحقيقة، ولأنّه عالم حديث بيّن كيف أنّ أدلّة وجوب كشف المرأة أقوى من تلك الأدلّة الهشّة الّتي تقضي بالعكس. وقد استغرب هو نفسه كيف أنّ مخالفيه يقومون بتصحيح حديث وتضعيفه دون أن يكون لهم ما يكفي من العلم بالحديث، بل كلّ ما يريدونه هو أدلّة تناسب آراءهم دون أن يتحرّوا صحّتها!

الملفت للانتباه أيضا أنّ الألباني ذكر أدلّة في كتابه “جلباب المرأة المسلمة” تقضي بأنّ تغطية الوجه كانت موجودة في عهد النّبي، ويقول أنّها أمر مستحبّ للمرأة إن أرادت، فما يهمّه في الأمر أن يبيّن أنّ تغطية الوجه ليس أمرا قد فرضه الله على النّساء، وهو أمر مهمّ لعالم يبحث عن الحقيقة. وعلى القارئ أن يعرف أيضا أنّ زوجته كانت تغطّي وجهها، فهو لم يكن باحثا عن رأي يناسب هواه كما اتّهمه بعضهم!

الخلاصة

كنتُ أعتقد حينما بدأت هذا الموضوع هو أنّني سأخرج منه بخلاصة تقول أنّه أمر مختلف فيه، لكنّني الآن أدرك أكثر من أيّ وقت مضى أنّ تغطية الوجه ليست فرضا من الله، بل أمر النّساء بالسّتر دون أن يؤدّي ذلك إلى منعنّ من القيام بواجباتهنّ في المجتمع.

وقد تطرّق الألباني لهذا الكلام في خلاصته، فحذّر أوّلا من الغلوّ في الدّين، والّذي كان الرّسول قد حذّر منه لأنّه يؤدّي إلى عواقب غير محمودة، وبيّن أيضا كيف أنّ النّساء في عهد الرّسول وبعده كنّ يقمن بواجباتهنّ في المجتمع، فكنّ يعملن في الخارج أعمالا شاقّة حين يتطلّب الأمر، وكنّ يحاربن ويداوين الجرحى، وكنّ عالمات يعلّمن الرّجال، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

لا يمكن لمجتمع أن يقوم بشكل سليم إن اتّبع قواعد أولئك المتشدّدين، فهم يريدون مجتمعا لا تخرج فيه النّساء مطلقا، فلا المرأة مسموح لها بأن ترى الرّجل ولا هو مسموح له بأن يراها، وإذا ما خرجت فيجب أن يغضّ بصره عنها وهي مغطّاة كلّيا، لا أفهم على ماذا يغضّ بصره تماما! مجتمع يجب أن يخاف الرّجل من المرأة أكثر من خوفه من الشّيطان، وأن تخضع المرأة فيه للرّجل وكأنّها كائن دوني!

لا يمكن لمجتمع كهذا أن يقوم، ولولا تكاتف السّلف والخلف رجالا ونساءً مع بعضهم لما قامت الأمّة الإسلامية الّتي ازدهرت وأبهرت العالم. وأعتقد أنّه على الرّجل والمرأة المتشدّدين أن يفهما أنّ المجتمع يجب أن يقوم معتمدا عليهما معا، وأنّ المرأة لم تُخلق لخدمة الرّجل، بل خُلقت لخدمة الرّسالة، ولتكون خليفة في هذه الأرض تماما كما هو الرّجل خليفة فيها.

[1] الألباني، محمّد ناصر الدّين، الردّ المفحم على من خالف العلماء وتشدّد وتعصّب وأزم المرأة أن تستر وجهها وكفّيها وأوجب ولم يقنع بقولهم: إنّه سنّة ومستحبّ، المكتبة الإسلامية، عمان، الطّبعة الأولى، 2000. ص. 34-36.

[2] الألباني، محمّد ناصر الدّين، الردّ المفحم على من خالف العلماء وتشدّد وتعصّب وأزم المرأة أن تستر وجهها وكفّيها وأوجب ولم يقنع بقولهم: إنّه سنّة ومستحبّ، المكتبة الإسلامية، عمان، الطّبعة الأولى، 2000. ص. 119-121.

[3] https://www.alukah.net/web/twaijiry/cv/

[4] http://www.saaid.net/Warathah/1/albani.htm



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا