تصادف هذه الأيّام، اليوم 12 و13 و14 الاحتفال برأس السنة الأمازيغية. وهي احتفالات تُجري في بلدان المغرب العربي وجزء من مصر أيضا. إذ تتعلّق أساسا بسكّان شمال أفريقيا ممّن يسمّون بالأمازيغ.
وهي احتفالات قد كبرت عليها دون أن أفهم أو أسأل عن سببها بالتفصيل. فلطالما كانت مناسبة لطيفة لاجتماع العائلة والجيران والتكاتف وإسعاد من لا يستطيعون شراء لوازم الاحتفال.
لكن يبدو بأنّ الجدل يكبر عاما بعد عام ممّن يرغبون بتقسيم الشعوب وجعلها تتقاتل فيما بينها على أسباب تافهة، ناسين ما يجمعها من تاريخ عريق ومن دين متين. ولهذا قرّرت “ثانية” أن أكتب مقالا يوضّح بأنّ الخلاف الحاصل ما هو إلّا جهل من الطرفين. وقد كنت كتبت من قبل مقالا أبيّن فيه كيف أنّ الأمازيغ هم سكّان شمال أفريقيا منذ القدم، وأنّ جميع سكّان المنطقة منحدرون من الأمازيغ، على الأقلّ الجزائر بما أنّ بحثي كان مرتكزا عليها، ولم يكن التعريب إلّا ثقافيا. فجميعنا نحمل في جيناتنا خليطا يغلب عليه جين سكّان شمال أفريقيا. ولهذا مسألة الخلاف بين الأمازيغ والعرب لا أساس لها أصلا.
سأحاول في هذا المقال التحدّث قليلا عن موضوع الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، وكلّ ما يثير الخلاف حولها.
قد ترغب بقراءة: الاحتفال برأس السنة الميلادية جدل كلّ عام، فكيف يجب أن نشعر حيال ذلك؟
جذور الاحتفال برأس السنة الأمازيغية
من المعروف تاريخيا بأنّ سكّان شمال أفريقيا كانوا يحتفلون ببداية هذا التقويم على أساس احتفال زراعي، إذ يرمز الاحتفال إلى بداية موسم فلاحي جديد. ولا يبدو بأنّ هناك تاريخا معيّنا لهذا الاحتفال ولا لبداية هذا التقويم. إذ هو ضارب في القدم وواصل استمراره بين سكّان المنطقة.
أمّا بشأن قصّة الملك شيشناق والّذي هزم الفراعنة وأصبح أوّل فرعون من أصل أمازيغي فهي قصّة لها جذورها في التاريخ. ومع أنّني لم أبحث عنها بشكل مفصّل، إلّا أنّه من المعروف تاريخيا بأنّ أصله من بربر ليبيا.
لكن لم يكن هذا الحدث أصل الاحتفال، بل كان هذا الاحتفال مُقاما حتّى قبل هذه الحادثة. وكان التقويم الأمازيغي قائما قبلها أيضا، لكنّه لم يدوّن قطّ ولم يتمّ احتساب بدايته. وهو الحال مع مختلف التقويمات. فالتقويم الميلادي لا يعني ميلاد المسيح كما يُعتقد.
ومن قام باتّخاذ هذه الحادثة بداية للتقويم كان أكاديميا أمازيغيا هو عمّار نقادي. وقد بدأ فعليا العمل بهذا التقويم سنة 1968 بعد أن اختار هذا الأكاديمي تلك الحادثة كبداية للتقويم، وهي حادثة جرت سنة 950 قبل الميلاد. أمّا سبب الاحتفال الحقيقي فيرتكز أساسا إلى الموسم الفلاحي كما قلت سابقا.
وليس واضحا من أين جاء التقويم الأمازيغي بشكل جيّد. إذ يرى بعض المؤرّخين بأنّ سكّان المنطقة استوحوه من التقويم اليولياني الّذي وضعه يوليوس قيصر. وذلك لأنّ الإمبراطورية الرومانية كانت قد غزت المنطقة لفترة من التاريخ. ويُعتبر التقويم اليولياني أقدم من التقويم الغريغوري الّذي يستخدمه العالم اليوم.
ويربط بعض الأمازيغ أيضا بداية الاحتفال بأسطورة تحكي عن عجوز حاولت مخالفة الطبيعة بأن أخرجت أغنامها للرعي في الشتاء، فغضب من ذلك شهر يناير وأضاف يوما إليه. وهي أسطورة رمزية لا أصل لها تنحدر ضمن الخرافات الكثيرة الّتي تمتلئ بها ثقافات الشعوب.
من يحتفل برأس السنة الأمازيغية؟
ربّما لا أعرف كثير عن بقيّة بلدان المغرب العربي. لكن في بلدي الجزائر نعرف بأنّ الأمازيغ، أو سكّان شمال أفريقيا وهو اسمهم الحقيقي، ينتشرون عبر مختلف أنحاء الوطن. فالقبائل والشاوية وبني مزاب والطوارق، دون أن ننسى المناطق الأخرى الّتي تُعتبر خليطا بين الأمازيغ والعرب وجينات أخرى. وكما كنت بيّنت من قبل، الجين الغالب على المناطق الّتي تعتقد بأنّها مناطق عربية هو جين سكّان شمال أفريقيا، أيّ أنّهم جميعا ينتمون لنفس العرق. وليس جين العرب إلّا نسبة قليلة لم تتغلّب على الجين الأصلي.
ولهذه فالاحتفالات أشكال متنوّعة، وما يجب أن نركّز عليه جميعا هو أن تركّز تلك الاحتفالات على الطابع الاجتماعي الإيجابي. وأن تبتعد عن كلّ ما يشبه الاحتفال بالوثنيات، والّذي قد ينحدر مع ثقافات الشعوب. فالأمازيغ في كلّ تلك المناطق شعوب مسلمة مثلها مثل المناطق الّتي تعتقد بأنّها عرب. والإسلام هو ما يوحّدنا. فلا العرق يهمّ ولا الثقافة، بل الدّين هو ما يهمّ.
وكنت قد عرّفت بفكرة أنّ أصل سكان الجزائر هو أصل واحد ليفهم الجهّال بأنّ الخلاف الّذي يثيرونه لا أساس له. وأريد أن أفهم فعلا من يجادل القبائل ويسخر منهم بسبب الاحتفال، هل يعرف بأنّ الأمازيغ يحتفلون برأس السنة الأمازيغية في مختلف المناطق؟ أي الشاوية وبني مزاب والطوارق أيضا، فلماذا يكثر الجدل حول القبائل فقط؟ أم أنّها مجرّد نار أشعلها من يريدون إشعال الفتنة والتقطها الجهّال الّذين لا يفقهون شيئا؟
قد ترغب بقراءة: قصة الإيغور… المعاناة الصّامتة الّتي استمرّت لسنوات ولازالت
الخلاصة
وضعت بعض المصادر في الأسفل والّتي تشرح جميعا نفس ما ذكرته في هذا المقال. فالاحتفال هو احتفال بالموسم الفلاحي. وحادثة الفرعون الأمازيغي هي حادثة مذكورة في كتب التاريخ، مع اختلافات بسيطة حولها. ومع ذلك، لم تكن هي السبب في بداية هذا الاحتفال، ولا في استعمال سكّان شمال أفريقيا للتقويم الأمازيغي الّذي كان مستوحى من التقويم اليولياني.
ويجب أن تفهم الشعوب كيف تعتدل في استخدام العرق والأصل. فأن يكون سكّان شمال أفريقيا عرقا مختلفا عن العرب ليس شيئا يثير الريبة ولا النقصان، فقد خلقنا الله شعوبا وقبائل. والجمال يكون دوما في الاختلاف. بل المشكلة حينما يتمّ استخدام الأعراق لزرع الفتنة، وهو ما نهانا عنه الدين، فقد علّمنا الإسلام بأنّ “أكرمكم عند الله أتقاكم”، فلا يوجد عرق أفضل من آخر.
ولهذا يجب أن تتوقّف فكرة الظنّ بأنّ كلّ سكّان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم عرب، فهي ليست فكرة تساعد على التوحّد، بل هي تكرّس للجهل بالتاريخ لا أكثر. فالعرب هم سكّان جزيرة العرب فقط كما هو معروف تاريخيا. والمعجزة كانت في انتشار الإسلام واللغة العربية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أمّا جينيا فلم يكن بإمكان العرب تغيير جينات مناطق بأكملها.
ولهذا علينا أن نركّز على جمال ما حدث، على قدرة الإسلام أن يغطّي كلّ تلك المناطق الواسعة بعد أن بدأ في الجزيرة العربية فقط. وعلى جمال سكّان هذه المناطق حينما تبنّوا الإسلام وأحبّوه وتعلّموا العربية لممارسته بأفضل شكل. وبين هذا وذاك، لا يجب أن ينفي أحد العرق الأصلي الّذي انحدر منه، فالاختلاف هو ما يجعل هذا العالم واسعا ومميّزا.
للاطلاع على المزيد:
https://www.aps.dz/ar/culture/99643-2021-01-10-18-22-32
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-41429792
أسكاس أماينو: ماذا تعرف عن التقويم الأمازيغي؟
http://world.clndr.org/calendars/berber-calendar/