لا شكّ أنّنا جميعا نتساءل عن سبب انخفاض معدل وفيات كورونا في ألمانيا، والّذي لا يتجاوز 1.6%، مقارنة بمتوسّط معدّل الوفيات لفيروس كوفيد 19، ومقارنة بشكل خاصّ بجاراتها من الدّول الأوروبية. وقد ظهرت نظريات وانتشرت خرافات تقول أنّ ألمانيا تملك العلاج أو أنّها اكتشفت العلاج وما إلى ذلك.
لكنّنا هنا سنتعرّف على السّبب العلمي لهذا المعدّل المثير للدّهشة، وذلك حسب ما جاء في مقال على صحيفة نيويورك تايمز لتحليل هذا الانخفاض. فقد قامت الصّحيفة بنقل آراء أطبّاء ألمان بشأن معدّل الوفيات المنخفض في البلاد لفهم ما الّذي تقوم به ألمانيا بشكل مختلف.
قد ترغب بقراءة: نظرة على من هي المرأة الحديدية أنجيلا ميركل
معدّل عمر إصابات منخفض يؤدّي إلى انخفاض معدل وفيات كورونا في ألمانيا
يبدو أنّ معدّل عمر الإصابات في ألمانيا أصغر من غيرها من الدّول. فقد بدأ انتشار الوباء في ألمانيا بمجموعة من المتزلّجين العائدين من النّمسا، وهم صغار السنّ وبصحّة جيّدة، ما يعني احتمالات وفاة أقلّ. لكن حتّى بعد أن انتشر الفيروس وبدأ يصيب كبار السنّ، لازال معدّل عمر المصابين منخفضا لا يتجاوز 49.
لكن ليس هذا فحسب ما يجعل معدّل الوفيات بفيروس كورونا في ألمانيا منخفضا. فهناك أمور أهمّ استطاعت ألمانيا النّجاح فيها وجعلتها أولوية على عكس دول كثيرة. وهو ما جعل من ألمانيا الاستثناء المحيّر.
القيام باختبارات فحص فيروس كورونا بشكل واسع
التّجربة الألمانية تظهر بشكل جيّد مدى أهمّية القيام باختبارات فحص كورونا على مستوى واسع. فألمانيا تقوم بحوالي 350 ألف فحص أسبوعيا. كما أنّها قد حصلت على معلومات كيفية القيام بالفحص وجهّزت نفسها للوباء في منتصف يناير، أي قبل أن يدخل الوباء البلاد بكثير.
وحسب ما أدلى به أطبّاء ألمان لصحيفة نيويورك تايمز، فإنّ الفحص الواسع يساعد على اكتشاف الحالات المصابة في وقت مبكّر، ويعني هذا تقديم العلاج أو استخدام جهاز التنفّس قبل أن تتدهور الحالة، وهو ما يقلّل من عدد الوفيات.
تهتمّ المستشفيات في ألمانيا بعمّال الصحّة أيضا بشكل مثير للإعجاب، إذ يتمّ فحصهم باستمرار للتأكّد من خلوّهم من الفيروس، وذلك لمنع نشره، فعمّال الصحّة معرّضون لالتقاط الفيروس بشكل كبير. إضافة لذلك، تنوي ألمانيا إطلاق عمليات فحص واسعة عشوائية للأشخاص عبر البلاد، وذلك من خلال فحص 100 ألف شخص من الألمان كلّ أسبوع.
تتبّع كلّ الحالات المشكوك فيها
لا تكتفي ألمانيا بفحص من تظهر عليهم أعراض المرض، بل تفحص كلّ مشكوك فيه قام بمخالطة مريض بفيروس كورونا. وهي استراتيجية آتت أكلها وأدّت إلى انخفاض معدل وفيات كورونا في ألمانيا.
وقد قال طبيب ألماني عن هذا الإجراء بأنّ ألمانيا قد تعلّمته من خلال تجربة كوريا الجنوبية. فكوريا الجنوبية بدورها استطاعت إيقاف تقدّم الوباء من خلال القيام بعمليات فحص واسعة شملت كلّ شخص مشكوك فيه.
وعلى عكس هذا، تقوم معظم الدّول بفحص من تظهر عليهم الأعراض فقط. وبينما نعلم أنّ مدّة حضانة فيروس كورونا تصل إلى 14 يوما أو أكثر في حالات نادرة، فإنّ خطر نشر شخص لا تظهر عليه الأعراض للفيروس هو خطر كبير يجعل من عملية السّيطرة على الوباء عملية صعبة.
أهمّية النّظام الصحّي الممتاز في انخفاض معدل وفيات كورونا في ألمانيا
لدى ألمانيا نظام صحّي ممتاز، كما أنّها استعدّت بشكل جيّد لهذا الوباء. وقد قال أحد الأطبّاء أنّ ألمانيا تملك الآن قدرة كبيرة على استقبال المرضى، لدرجة أنّها تستقبل الآن مصابين من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
عملت ألمانيا على تعزيز قدرات العناية المركّزة بعد دخول الوباء البلاد. فقد امتلكت في يناير حوالي 28 ألف سرير للعناية المركّزة. أمّا حاليا فتمتلك حوالي 40 ألف سرير.
قد ترغب بقراءة: كفالة مجهول النسب في الإسلام، بين التعسّف ونظرة المجتمع السوداء
الثّقة في الحكومة
استطاعت ألمانيا من خلال إجراءاتها الاحترازية وتعليمات التّباعد الاجتماعي أن تحدّ من خطورة وباء كورونا. ويعود ذلك حتما للقيادة الحكيمة الّتي تتميّز بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. فمنذ بداية الوباء، قامت ميركل بإصدار تعليمات واضحة وحازمة بشكل إجراءات التّباعد الاجتماعي.
وقد تلقّى السيّاسيون والشّعب الألماني تلك الإجراءات الحازمة بترحيب وقاموا باتّباعها. فالثّقة في الحكومة في مثل هذه الأحوال عامل حازم، فحينما يثق الشّعب بحكومته ويعلم أنّها تعمل لصالحه، فسيلتزم أكثر بالإجراءات المطلوبة. وقد رأينا عكس هذا الحال في دول كثيرة، ما يجعل من عملية الحجر المنزلي أو التّباعد الاجتماعي عملية صعبة تؤدّي إلى المزيد من الصّعوبة في التّعامل مع الوباء.
المصدر
A German Exception? Why the Country’s Coronavirus Death Rate Is Low