غزة تغير العالم

غزة تغيّر العالم… ما هو واجبنا الآن؟

نحن في اليوم الواحد والأربعين من العدوان على غزّة، وقد شهدنا من الفظائع في هذه الأيّام ما سيعيش معنا طوال حياتنا. أصبحت الحياة ثقيلة جدّا، رغم أنّها كانت ثقيلة دوما، لكن الاختلاف الآن هو أنّنا أدركنا بشكل جيّد كم نحن عاجزون عن فعل أيّ شيء وإلى أيّ مدى نحن أسرى عند الصهاينة يحكمون حياتنا ويقرّرون عنّا ولا نستطيع فعل أيّ شيء حيال ذلك. نحن الآن نفهم تماما بأنّنا جميعا محتلّون، وغزّة وحدها حرّة.

شخصيا عشت ولازلت أعيش أيّاما ثقال، وربّما الأسوء فيها هو أنّني يجب أن أعيش حياتي وأنا أشعر بالخزي والذنب لأنّني لا أستطيع فعل شيء بينما يموت أهلي في غزّة بطريقة بشعة. وبينما توقّفت نشاطاتي خلال هذه الفترة إلّا من الضروريات فقط، رأيت بأنّني يجب أن أستخدم الكتابة للمقاومة لأنّني لا أستطيع فعل أيّ شيء آخر.

كيف تغيّر غزّة العالم؟

حتّى ولو كنت تعيش تحت صخرة، فلا شكّ بأنّك تشعر بهذا الآن كما أشعر به أنا، فغزّة بالفعل تغيّر العالم. ما بدأ من مجرّد دعم إنساني نحو شعب محاصر يتعرّض لإبادة جماعية تحوّل الآن إلى مظاهر مبهرة لم نكن نتوقّع أن نراها في حياتنا من قبل. 

ساعدت مأساة غزّة على دفع العالم إلى التعلّم عن تاريخها، وقد انحاز الجميع إلى غزّة ليس فقط لأنّها تتعرّض للإبادة، بل لأنّها مقاومة شريفة في وجه مغتصب حقير. استطاعت غزّة دفع النّاس من مختلف الأديان إلى البحث عن تاريخ الصراع وفهمه، وهو ما لم يكن ممكنا من قبل بسبب الدعاية الإسرائيلية الّتي سيطرت على وسائل الإعلام.

ولم تتوقّف غزّة عند هذا الحدّ، فصمود أهلها الّذي لا يستطيع أحد تفسيره دفع البعض إلى البحث في القرآن لفهم سبب هذا الصمود، وهو ما حرّك موجة كبيرة دفعت بدخول الكثيرين إلى الإسلام وجعلتهم يستمتعون بقراءة القرآن. ولم تتوقّف هذه الحملة عند غير المسلمين فقط، بل وقد جعلت المسلمين الشباب خاصّة يعودون إلى دينهم وإلى كتاب الله ليجرّبوا تلك الحلاوة الّتي أعجبت المسلمين الجدد.

سقوط قناع الصهيونية

أحد أكبر مكاسب الحرب العدوانية على غزّة هو سقوط قناع الصهيونية في العالم كلّه. قبل هذا العدوان، كنّا نحن في الدول العربية نعلم بأنّنا بالفعل محتلّون من الغرب وبأنّنا لا نملك أصواتا ولا تأثيرا على حكوماتنا، وقد كنّا نعيش لنعيش فقط لأنّنا وصلنا تقريبا إلى حالة اليأس من أيّ تغيير، خاصّة بعد الربيع العربي الفاشل.

لكن ما حصل بعد العدوان على غزّة هو أنّ شعوب الدول الغربية قد صُدمت بكونها شعوبا محتلّة أيضا، فلا أصواتها مسموعة ولا خلاص لها ممّا هي فيه من احتلال، والاحتلال الّذي أتحدّث عنه هنا هو الصهيونية. فقد وجد أحرار العالم أنفسهم أمام رؤساء ومسؤولين غير قادرين على إيقاف الإبادة الجماعية في غزّة، بل وغير قادرين حتّى على تسمية ما يحصل في غزّة بأنّه إبادة جماعية.

بدأ الأحرار في الدول الغربية بفهم المعادلة بشكل جيّد وبأنّهم كانوا يعيشون كذبة خلال عقود، وهي كذبة الحرّية والديمقراطية وحرّية التعبير وحقوق الإنسان وغيرها من الأضحوكات. وقد فهموا هم كما فهمنا نحن بأنّ حقوق الإنسان تحدّدها الصهيونية، فحينما تكون ضدّ الصهيونية فأنت ظالم ولو كنت تُقتل بأبشع الطرق، وحينما تكون مع الصهيونية فأنت الضحيّة دوما وأنت على حقّ.

كيف ستكون المرحلة القادمة؟

نحن لا نعلم حتّى الآن كيف ستنتهي الإبادة الجماعية في غزّة. نحن حتما نثق بالمقاومة في غزّة ونعلم بأنّها لن تستسلم. والأهمّ من كلّ ذلك، نحن نثق بالله وبأنّ سنّة الله جارية في عباده. ورغم الألم الّذي يعتصر قلوبنا، أنا على يقين بأنّ ما بعد هذا العدوان لن يكون كما قبله أبدا، أنا على يقين بأنّ العالم سيتغيّر إلى الأفضل، ولا أدري تماما كم سيستغرق هذا التغيير وإلى أين سيصل.

لم تعد الصهيونية القذرة الآن تملك أيّ اعتبار، وستسقط إلى مزبلة التاريخ. ولا يقتصر الأمر على الصهيونية فقط، بل اليهودية بشكل عام. فكلّ يهودي يمارس مفهوم “شعب الله المختار” عليه أن يختار بين أن يوضع في خانة الصهيونية أو أن يعيش إنسانا مثل بقيّة البشر. وقد حان الوقت لنفهم اليهودية بشكل جيّد من خلال ما نملكه في القرآن من آيات عنها، وهو ما سأفعله في مقالات قادمة بإذن الله.

ما أعرفه الآن هو أنّ حربا دينية ستتفجّر في الأفق، لا أدرى متى ولا أدري إن كنت سأشهدها ولا أدري شكل هذه الحرب، لكنّني سأحرص على أن أكون جزءا من مكوّناتها بقلمي. فالمسلم والمسيحي واليهودي (الّذي يتخلّى عن كونه مختارا) سيكونون جميعا في كفّة واحدة ضدّ كفّة خطيرة تقود العالم كلّه إلى الدمار، وهي الصهيونية. 

وأفضل ما يحصل الآن هو أنّ العالم قد بدأ يعي مخاطر الصهيونية، فهي لا تقود فقط إبادة جماعية على الفلسطينيين لطردهم من أرضهم، بل هي أصل كلّ دمار في هذا العالم، سواء الانحلال الأخلاقي أو الشذوذ أو التعرّي أو هدم مفهوم الأسرة وغيرها ممّا ينتشر في الدول الغربية كالنار في الهشيم، وينتشر في دولنا بوتيرة سريعة رغم كونها دولا محافظة متديّنة ولو كمظهر عام فقط.

ما هو دورنا في كلّ ما يحدث؟

علينا أن نواصل التحدّث عن القضيّة الفلسطينية، وعلينا أن نواصل النشر. يحتاج العالم كلّه إلى جهودنا لإيصال القضيّة الفلسطينية إليهم، ومهما كانت جهودنا منفردة وقليلة ومخزية، فعلينا ألّا نتوقّف. وعلينا ألّا نتوقّف ليس الآن فقط، بل في المستقبل أيضا، أي بعد انقضاء هذه الفترة المؤلمة على أهلنا في غزّة.

فمعركة المستقبل مهمّة، وهي المعركة ضدّ الصهيونية. وبعد أن تحرّك العالم وانتفض وفهم خطورة الصهيونية، علينا أن نواصل المعركة ضدّها إلى أن نتحرّر منها. ونحن الآن نعي بأنّنا جميعا محتلّون من قبل الصهيونية، فعدوّ العربي والغربي هو واحد، وعلينا أن نواصل فضح هذا العدوّ لإخراج أكبر عدد من الناس من خدعة الصهيونية. وهذا لا يجب أن يحدث في الدول الغربية فقط كما يظنّ البعض، بل وفي الدول العربية لأنّنا نرى كيف أنّ قطعة كبيرة من أبناء الشعب العربي تسيطر عليها الصهيونية وتملي عليها أفكارها ومعتقداتها.

وختاما، عودوا إلى الدين لتجدوا الحقيقة. ندائي هذا ليس إلى المسلمين فقط، بل وإلى المسيحيين واليهود أيضا. فقد قال القرآن عن المسيحيين بأنّهم ضالّون، بينما قال عن اليهود بأنّهم معاندون للحقيقة الّتي يعرفونها. ولهذا أيّها المسلم عليك أن تعود إلى دينك وإلى كتاب الله قبل أن يسبقك إليه الأمم الأخرى، فقد وعدنا الله بالاستبدال إن نحن لم نحمل الرسالة. 



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا