لقراءة الفصل الخامس: ثانوية الأشباح – الفصل الخامس: القاتل
يوم جديد بعزيمة أكبر!
في أوّل حصّة وحين تلفتُّ صوب النّافذة، رأيتُ نجم واقفا في ساحة الثانوية. كان ينظر إليّ بنظرات… حزينة نوعا ما!
لا أدري لمَ فعلتُ ذلك لكنّني ابتسمتُ له، وبعدها طلبتُ الإذن بالخروج وتوجّهتُ إلى السّاحة.
لم أذهب إليه حيث كان واقفا بل أشرتُ له بيدي، ثمّ دخلتُ مختبر الكيمياء، فأنا أعلم بأنّه فارغ في هذا الوقت.
أغلقتُ الباب متأمّلة بأنّه فهم أنّني أريد التحدّث إليه، وقبل أن أشكّ بذلك ظهر ليقف أمامي.
كان لا يزال ينظر إليّ بنظرات حزينة، لكنّني لم أهتمّ كثيرا وقلتُ له مباشرة “إيّاك أن تختفي ثانية بطريقتك الغامضة، ستٌفقدني عقلي إن واصلتَ فعل ذلك”
رأيتُ على وجهه شيئا من الإستغراب ثمّ استطردتُ قائلة “لم تجب عن سؤالي، هل أنت ميت؟”
حين عاودتُ طرح سؤالي رأيتُه يعبث بشعره ثمّ قال بنبرة هادئة “لا أعلم تماما، لا أذكر ما حدث بعد حادثة القتل، أتذكّر فقط أنّ شخصا ما أو شيئا ما وكأنّه كان يتحكّم بي، وفي اليوم الّذي حاولتِ أنت فيه فتح باب تلك الغرفة، وجدتُ نفسي أنظر إليك ثمّ منعتك منها. وكأنّني كنتُ نائما طوال تلك السّنوات ثمّ استيقظتُ وأنا أشبه بالشّبح، وجدتُ نفسي أخترق الجدران وأظهر وأختفي كيفما أشاء، وبمجرّد أن تخرجي أنتِ من الثانوية أعود لسباتي بشكل لا إرادي”
أخيرا بدأ الشرح، ورغم أنّني لا أفهم تماما لكنّني الآن تذكّرتُ أمرا مهمّا عليّ الإستفسار عنه.
-“هل تعرف من أكون؟”
فجأة وحين سمع سؤالي، ابتسم بطريقة غريبة ثمّ قال “أنتِ أسيل! لا يمكن أن أنساك”
منعتني الدّهشة من النّطق فاستطرد هو قائلا “صحيح أنّكِ كبرتِ بشكل لافت و صرتِ فتاة شابّة، إلّا أنّني استطعتُ تمييز ملامحك منذ أوّل لقاء”
يا إلهي أنا لا أطيق ثقته هذه، عاد إليّ الإرتباك وشعرتُ بحرج شديد أمامه!!
واصل التّحديق بي مبتسما ثمّ قال “لايُعقل بأنّكِ تتذكّرينني صحيح؟”
بصعوبة بالغة قلتُ له بكلمات متقطّعة “أ….لا…إنّما حكايات الماضي هي ما كشفت لي بأنّني كنتُ أعرفك”
بعدها تحرّك من مكانه واقترب من إحدى الطّاولات، ثمّ جلس عليها رافعا إحدى رجليه فوقها. كانت جلسته تلك… ماذا أقول؟! تصرّفاته ساحرة ومستفزّة!!
لم أنتبه إلى أنّني انغمستُ في أفكاري وأنا أحدّق به إلّا حين سمعته قال “أسيل”
رااائع! يناديني باسمي بكلّ بساطة!!
بعد أن انتبهتُ إليه، قال وقد نزع الإبتسامة من شفتيه وعادت عيناه تشعّان بحدّة “سأقصّ عليك ما حدث وما أشكّ فيه، لا تقاطعيني حتّى أنتهي من الكلام”
المزيد ممّا يشبه الأوامر! سيصيبني هذا الولد بالجنون حتما!
-“قبل عشر سنوات وحين كنتُ في آخر سنة لي في الثانوية، بدأتُ أشعر بالفضول اتّجاه إحدى القاعات المغلقة والّتي تقع في الجهة الخلفية. أمضيتُ عدّة أيّام وأنا أتردّد عليها، ثمّ بدأتُ أسمع أصواتا غريبة تصدر منها. لم أستطع إخبار أحد لأنّني علمتُ بأنّه لن يصدّقني أحد، كما ولم أستطع تجاهل ما يحدث معي. سألتُ في الثانوية عن تلك القاعة، لكن كلّ من بالإدارة رفضوا تساؤلي وحذّروني من الإقتراب منها. لم يكن من السّهل عليّ التخلّي عن الأمر! قرّرتُ بعدها أن أقوم ببعض البحوث حول الثانوية، واستطعتُ الوصول إلى وثائق قديمة للمنطقة. وما وجدتُه كان مثيرا، كُتب بأنّ لعنة قد حلّت بالبلدة بسبب ظلم لم يتمّ الأخذ بحقّه، وبأنّ اللّعنة ستنطلق ثانية إن لم تجد من يعيد الحقّ لأصحابه. صدّقتُ أنا ذاك الهراء، وخلال بحثي عثرتُ على طريقة لفتح القاعة ودخلتُها. كنتُ أظنّني أقوم بعمل بطولي! لكن بمجرّد أن دخلتُها، شعرتُ بأنّ شيئا ما تملّكني وغبتُ عن الوعي، أو على الأقلّ ذاك ما ظننتُه. لأنّني حين استفقتُ وجدتُ بأنّني ارتكبتُ أفظع جريمة قتل، وبعدها…لا شيء. لا أذكر شيئا إلى أن التقيتك”
وكأنّها إحدى الأساطير القديمة! لا أكاد أستوعب ما قاله!
لكن لا يُفترض بأنّه قد انهى كلامه، ما الّذي يشكّ فيه؟!
وقبل أن أواصل التّساؤل عاد ليقول “الحقيقة الّتي اهتديتُ إليها مؤخّرا هي أنّ أحدهم خدعني بوثائق مزيّفة ليحرّر ذاك الشّيء. لأنّ الأساتذة الّذين قتلتهم لازالوا هنا! صاروا أشباحا جاهزة لأن تقتل و حسب. لا تحتاج إلّا لشخص يفتح لها الباب لتعيث فسادا في البلدة، وذاك الشّخص هو أنتِ”
بدأ الأمر يبدو غريبا أكثر فأكثر. حين شعرتُ بأنّه قد انهى كلامه طرحتُ أوّل سؤال خطر ببالي “لماذا أنا؟ أنت من حرّر ذاك الشّيء، ويُفترض أن تواصل أنت المهمّة، أو كان الأمر لينتقل إلى أولادك مثلا! ما علاقتي أنا ولم الآن وبعد عشر سنوات؟”
– “أظنّني وجدتُ تفسيرا لهذا”
قال عبارته و هو ينظر إليّ ثمّ ابتعد عن الطّاولة وهو يبتسم.
قال بأنّه وجد تفسيرا وعليّ أن أنتظر ما سيقول..!
فجاة رأيت أنّ الإرتباك قد سيطر عليه، ثمّ قال بلهجة متردّدة “لا تأخذي كلامي على محمل الجدّ، كانت فكرة عابرة لمراهق وسط عالم الرّومنسية المزيّف!”
أنا لا أفهم تماما ما يقوله، ما دخل هذا بما نتحدّث فيه؟!
ابتعد أكثر عنّي ليقف إلى جانب نافذة المختبر ثمّ قال وهو يحدّق بي “قبل عشر سنوات، كنتُ قد فكّرتُ في أنّني سأتزوّج بكِ عندما نكبر”
الآن تجاوز الحدود! لا أستوعب كلماته!
لكن… لأوّل مرّة أرى عليه علامات غير تلك الثّقة المفرطة، علامات الخجل هذه المرّة!
وحالي لم يكن أفضل منه، شعرتُ بحرارة عالية اعترت جسدي، وتمنّيتُ لو أنّ الأرض تنشقّ وتبتلعني، لم يسبق أن تعرّضتُ لموقف كهذا!
بقي هو صامتا للحظات وهو يحدّق من النّافذة ثمّ التفت إليّ وقال “آسف، لا أقصد الإساءة وصدّقيني ليست لي أيّ نيّة سيّئة اتّجاهك، لكنّه التّفسير الوحيد. تفكيري ذاك هو ما ربطكِ بي وهو ما أوقعك في ما أنتِ فيه الآن!”
-“اختفي أرجوك” لم أجد عبارة غير هذه لأقولها فما كان منه إلّا أن نفّذ ما طلبتُه. حين رحل أخذتُ نفسا عميقا وكأنّني لم أستنشق الهواء منذ مدّة!