أثار استخدام العقارين المضادّين للملاريا كلوروكين (chloroquine) وهيدروكسي كلوروكين (hydroxychloroquine) الكثير من التّساؤلات حول فعاليته حقّا في علاج فيروس كورونا. وقد تبنّت الكثير من الدّول استخدام الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا مؤخّرا في ظلّ عدم وجود أيّ لقاح لهذا الفيروس المستجدّ. لكن السّؤال الأهمّ هنا هو:
هل أثبت العلم فعالية الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا ؟
وللإجابة على هذا السّؤال، سيكون علينا أن نفهم كيف بدأ العمل بهذا العلاج.
قد ترغب بقراءة: لماذا يستغرق تطوير لقاح فيروس كورونا كوفيد 19 وقتا طويلا؟
ما الّذي جعل الدّول تتبنى العلاج بالكلوروكين؟
في ظلّ محاولة العلماء والباحثين إيجاد علاج لفيروس كورونا، يتمّ بالفعل استخدام الكثير من الطّرق واختبارها، وقد كان كلوروكين واحدا من تلك المحاولات.
لكن ربّما أكثر ما أثار ضجّة حول استخدام الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا ليس فعاليته، بل الضجّة الّتي أثارها الرّئيس الأمريكي ترامب حوله، والّتي جعلت إدارة الدّوء والغذاء الأمريكية توافق على استخدامه في المستشفيات.
بدأ النّاس بعدها بالتّهافت على شراء الكلوروكين من الصّيدليات، رغم أنّه من الخطير جدّا استخدامه دون مراقبة طبيّة. إذ يمكن استخدامه في المستشفيات فقط وحسب جرعات مدروسة. ومثل ذلك التّهافت أدّى إلى سحبه من الصّيدليات أو نفاذه، وهو ما يجعل الكثير من المرضى ممّن يحتاجون إليه فعلا في خطر.
فالكلوروكين لا يعالج الملاريا فقط، بل يستخدم لعلاج الذّئبة وأمراض التهابا لمفاصل الروماتويدي، ولذلك يحتاجه الكثير من المرضى في علاجهم.
المشكلة الّتي تُثار حول استخدام الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا هو أنّه لا توجد دراسات كثيرة صحيحة على فعاليته. وكما كنت قد أوضحت في مقال سابق، يستغرق إيجاد لقاح لفيروس مستجدّ وقتا طويلا لأنّه يحتاج لدراسات سريرية تسير على منهجية واضحة. فالبداية تكون بعدد لا يتجاوز المئة، ثمّ الآلاف، ثمّ عشرات الآلاف، وذلك للتأكّد من فعالية العلاج أوّلا، وللتأكّد من عدم وجود أعراض جانبية خطيرة، والّتي لن تظهر إلّا حينما يتمّ إشراك عدد كبير في التّجارب.
لكنّ الدّراسات الّتي أجريت على الكلوروكين كعلاج لفيروس كورونا لم تتجاوز الثلاثين مريضا، وهو رقم منخفض جدّا لأن يتمّ على أساسه وصف هذا العلاج لكلّ حالات كورونا.
الدّراسات الّتي أجريت على الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا
الدّراسة المخبرية: بدأ الأمر بدراسة صينية مخبرية حول عقارين هما Remdesivir و كلوروكين لإيقاف فيروس كورونا. وقد كانت دراسة مخبرية فقط أثبتت فعاليتهما في ذلك. وقد كنت ذكرت من قبل أنّ عقار Remdesivir يسير الآن في المرحلة 3 من التجارب السّريرية في الصّين.
الدّراسة الصّينية: قام أطبّاء في مستشفى بمدينة ووهان بدراسة على 62 مريضا لتجربة فعالية عقار كيدروكسي كلوروكين. حيث تمّ تقديم الكلوروكين لـ 31 مريضا، بينما واصل المرضى الآخرون علاجهم المعتاد. وقد لاحظوا أنّ المتعالجين بالكلوروكين قد تعافوا من الحمّى وكان هناك تحسّن في حالات الالتهاب الرئوي بشكل أسرع من المرضى الآخرين. كما ظهرت أعراض جانبية على مريضين، لكنّها أعراض خفيفة.
الدّراسة الفرنسية: قام بعدها باحثون فرنسيون بتجربة مماثلة لعلاج مرضى بفيروس كورونا باستخدام هيدروكسي كلوروكين. وقد شارك في تلك الدّراسة ديديه راوولت مخترع عقار الكلوروكين ضدّ الملاريا. حيث تمّ تقديم الكلوروكين لـ 26 مريضا بفيروس كورونا. وقد تحسّنت حالات المصابين المعالجين بكلوروكين في وقت أقلّ من المرضى الّذين تمّت معالجتهم بالطّرق المعتادة.
دراسة أخرى صينية: أجريت دراسة أخرى على فعالية الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا في شانغهاي على 30 مريضا. حيث تمّ تقديم الكلوروكين لـ 15 مصابا بفيروس كورونا، وقارنوا النّتائج بالـ 15 مصابا الآخرين. وقد أظهرت النّتائج تعافي 13 شخصا ممّن خضعوا للعلاج بالكلوروكين، بينما تعافى 14 شخصا من المجموعة الثّانية الّتي لم تحصل عليه، بل على العلاج والعناية العادية. وهو ما يثبت أنّ كلوروكين ليس له فعالية كبيرة بالمقارنة مع العلاج العادي في المستشفيات. إضافة لذلك، مريض ممّن حصلوا على كلوروكين اشتدّ عليه المرض.
الخلاصة
إذن فمشكلة استخدام الكلوروكين لعلاج فيروس كورونا تكمن في عدم وجود دراسات كافية تثبت فعاليته وأنّه آمن. فكما لاحظنا، بعضها يرى أنّه يساعد على التحسّن بسرعة، بينما وجدت الدّراسة الأخيرة أن لا فرق بينه وبين العلاج العادي. كما حصل تطوّر لبعض المرضى بسبب الكلوروكين وظهرت عليهم أعراض جانبية.
فما لم تتمّ دراسة العقار بشكل أوسع وممنهج أكثر، لن يكون بالإمكان الجزم بأنّه غير خطير. مع العلم أنّ الكلوروكين يسبّب مشاكل صحيّة في البصر إذا ما تمّ تناوله لمدّة طويلة. وبسبب قلّة الدّراسات، لا يستطيع العلماء التحقّق من كيفية تحسين الكلوروكين لأعراض فيروس كورونا، ولا يستطيعون معرفة أعراضه الجانبية الّتي قد تظهر لاحقا على المرضى.
لازالت هناك دراسات حاليا على استخدام الكلوروكين على مرضى فيروس كورونا للتأكّد من فعاليته، لكنّ الدّول قد بدأت بالفعل استخدامه في المستشفيات، وذلك لأنّ أمل إيجاد شيء يعمل أفضل من لا شيء حسب ما يبدو، خاصّة وأنّ إيجاد علاج للفيروس لن يكون متاحا في أيّ وقت قريب. ويظلّ العلاج الوحيد هو التّباعد الاجتماعي والعزل، فحتّى لو أثبت الكلوروكين فعاليته، فهو ليس لقاحا، بل مجرّد مخفّف للأعراض، قد ينجح مع البعض وقد لا ينجح مع البعض الآخر.
قد ترغب بقراءة: لنناقش فكرة كون لقاح فيروس كورونا مؤامرة، وأفكار أخرى تتعلق بنظرية المؤامرة
المصادر
Malaria Drug Helps Virus Patients Improve, in Small Study
Efficacy of hydroxychloroquine in patients with COVID-19: results of a randomized clinical trial
Malaria Drug Chloroquine No Better Than Regular Coronavirus Care, Study Finds