استقلال السودان

قصّة السودان (5): إعلان استقلال السودان وبوادر الانقسام

كنّا قد وصلنا في المقال السّابق من هذه السّلسلة إلى قيام الحركات الثّورية المطالبة باستقلال السودان. أمّا مقالنا هذا فسيتحدّث عن ملابسات استقلال السّودان. ثمّ سينتقل للتحدّث عن الانقلاب العسكري الأوّل في تاريخ السودان، وكذا الحرب الأهلية الأولى في السودان.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: نظرة على تاريخ العنصرية ضد السود وكيف شارك المسلمون فيها بشكل فظيع

خطوات استقلال السودان

  • تأسّس مجلس تشريعي سنة 1946، وقد قاطعته الجماعات الّتي تؤيّد التوحّد مع مصر.
  • بعد حركة تموز 1952، تنازلت مصر عن سيادتها على السّودان وطلبت إجراء انتخابات عامّة تحت إشراف لجنة دولية، وإعطاء السّودان مرحلة انتقالية لتقرير المصير.
  • بدأت الحكومة البريطانية مفاوضات مع مصر نتج عنها اتّفاقية 12 شباط 1953، برئاسة اللواء محمّد نجيب.
  • أهمّ بنود الاتّفاقية:
  1. يتمّ منح السّودان مرحلة انتقالية أقصاها 3 سنوات تحت إشراف هيئة دولية.
  2. يتمّ خلال تلك المرحلة استبدال الموظّفين البريطانيين والمصريين بموظّفين سودانيين.
  3. يختار السّودانيون إمّا الاستقلال وإمّا الارتباط بمصر.
  • تمّ إجراء أوّل انتخابات عامّة تحت إشراف لجنة دولية سنة 1953، وقد فاز فيها الحزب الوطني الاتّحادي برئاسة إسماعيل الأزهري.
  • تشكّلت أوّل حكومة سودانية سنة 1954، مع بقاء الحاكم البريطاني.
  • حصلت اضطرابات في البلاد بسبب فوز الأزهري الّذي يميل نحو الارتباط بمصر، ما جعله يغيّر من سياسته نحو استقلال السّودان.
  • تدفّق في تلك الاضطرابات حوالي 25 ألفا من القبائل الجنوبية نحو الشّمال.
  • تمّ إجلاء جميع القوّات البريطانية والمصرية من السّودان عام 1955.
  • اجتمع المجلس النّيابي السّوداني، وقام حينها الحاكم البريطاني بتقديم استقالته. واتّخذ المجلس القرارات التّالية:
  1. إعلان استقلال السودان.
  2. تكوين مجلس السّيادة، وهو عبارة عن لجنة مكوّنة من خمسة أعضاء ينتخبهم المجلس النّيابي للقيام بمهام رئاسة الدّولة.
  3. انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدّستور.
  4. أن تقوم الجمعية ببحث طلب السّودانيين في الجنوب بشأن قيام اتّحاد فيدرالي بين السّودان الشّمالي والجنوبي.
  • وبهذا تمّ إعلان استقلال السودان سنة 1956.

أوّل انقلاب عسكري بقيادة إبراهيم عبود سنة 1958

  • فقد إسماعيل الأزهري الأغلبية في المجلس بعد أن سحب الزّعيم الدّيني علي الميرغني ثقته منه. وما كان من الأزهري سوى تشكيل وزارة قومية اشتركت فيها مختلف الأحزاب، بما في ذلك من جنوب السّودان.
  • تمّ بعدها بقليل إبعاد إسماعيل الأزهري عن الحكم، وتمّ تكليف عبد الله خليل من حزب الأمّة بتكوين حكومة ائتلافية.
  • نشأ حزب آخر هو حزب الشّعب الدّيمقراطي بقيادة علي عبد الرّحمان، أغلب أعضائه ممّن انفصلوا عن الحزب الوطني الاتّحادي بقيادة الأزهري. ولقي هذا الحزب الدّعم من الطّائفة الختمية ومن زعيمها علي الميرغني.
  • تكوّنت أيضا الجبهة الإسلامية الّتي كانت تدعو إلى إنشاء دستور مستمدّ من تعاليم الإسلام، وتمّ تسميتها الجبهة الإسلامية للدّستور.
  • حصلت انتخابات سنة 1957 دون تغيير يذكر، فعادت الحكومة الائتلافية للحكم ثانية.
  • حصلت خلافات داخل هذه الحكومة ولم تتقن تسيير الأوضاع كموسم القطن الّذي كان يعتمد عليه اقتصاد السّودان، فأصبحت البلاد بحاجة إلى الاقتراض، وقد اختلف أعضاء الحكومة في كيفية هذا الاقتراض ومصدره.
  • على إثر ذلك، قام عبد الله خليل بمشاورة جماعة من الضبّاط ليتمّ حلّ البرلمان وحكم البلاد حكما عسكريا.
  • تمّ إعلان تسلّم الجيش السّلطة عام 1958، حيث أصبح الجنرال إبراهيم عبّود القائد الأعلى للجيش رئيسا للمجلس العسكري، كما تعهّد أن الحكم العسكري لن يطول، إنّما هو يحاول ضمان استقرار الأمور في الدّولة.
  • قام كلّ من المهدي والميرغني بمباركة حركة استيلاء الجيش على السّلطة. أمّا بقيّة الأحزاب فبعد إلغائها ومصادرة أملاكها، شكّلت جبهة معارضة معا.

ثورة أكتوبر 1964 وعودة الحكم المدني

  • أدرك السّودانيون بشكل أسرع ممّا توقّعوا مدى قساوة الحكم العسكري. إذ استمرّت المصاعب الاقتصادية والسّياسية للبلاد خلال تلك الفترة.  كما عرف السّودانيون شمالا وجنوبا قمعا كبيرا من قبل الحكم العسكري. حيث تمّ حلّ الأحزاب والنّقابات وتكبيل الجامعات والقضاة، وإعدام المعارضين. ولهذا ضاق به السّودانيون ذرعا.
  • وهنا اجتمعت الآراء من قبل الشّماليين والجنوبيين، وبمساعدة المبشّرين، وتمّ عقد مؤتمر المائدة المستديرة الّذي جمع كلّ هذه الأطراف.
  • اتّفقت كلّ تلك الأطياف وبدأت مظاهرات عمّت كلّ أنحاء السّودان، وهو ما اضطرّ الحكم العسكري إلى التّنازل عن الحكم.
  • تُعتبر ثورة أكتوبر 1964 أوّل ثورة عربية ناجحة ضدّ الحكم العسكري، وقد شارك فيها السّودانيون من مختلف الأطياف.
  • وقد أظهر السّودانيون خلال المظاهرات شجاعة كبيرة رغم محاولات القمع، كما لم يخفهم التّهديد أو قرارات حظر التّجوال.
  • تسلّم الحكومة المدنية الجديدة سرّ الختم الخليفة.
  • تسلّم إسماعيل الأزهري رئاسة مجلس السّيادة.
  • تمّ رفع حالة الطّوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السّياسيين.

مشكلة الجنوب وقيام الحرب الأهلية السودانية الأولى سنة 1962

  • مشكلة الجنوب كانت مشكلة أكبر من يتمّ حلّها بسهولة. فرغم أنّ الحكومة حاولت تطبيق نفس نظام التّعليم في الجنوب كما هو في الشّمال، وأن تجمع السّودان كلّه تحت ثقافة واحدة، إلّا أنّ الفصل الّذي عاشه جنوب السّودان كان أقوى من أن يتمّ تجاوزه بسهولة.
  • إضافة لذلك، كانت الأحزاب تكترث بجمع الأصوات أكثر من الإصلاح. وقد أدّى كلّ ذلك إلى احتقان الوضع في جنوب السّودان، وإلى انسحاب الأعضاء الجنوبيين من لجنة الدّستور حينما لم تقم بدراسة طلبهم بإقامة حكومة اتّحادية في المديريات الجنوبية. وقد أدّى كلّ ذلك إلى استمرار الصّدامات وأعمال العنف.
  • وفي خضمّ ذلك، تأسّس في الجنوب حزب الاتّحاد الوطني السّوداني (سانو) برئاسة جوزيف أودوهو، وقد انضمّ إليه ساترينو لاهورا، رئيس حزب الأحرار الجنوبي.
  • وخلال الحكم العسكري، زاد وضع جنوب السّودان تأزّما.
  • فبعد أن سئم الجنوبيين الانتظار دون التفاتة حقيقية لحلّ مشاكلهم وتلبية طلباتهم، تحوّل الأمر إلى العنف وذلك من خلال تأسيس حركة عسكرية اسمها أنيانيا سنة 1962، وانتهجت نهج العنف.
  • وبدورها لم تجد الحكومة العسكرية التّعامل مع الوضع، بل قابلته بالعنف، فقتلت من جنوب السّودان دون تمييز بين المتورّط وغير المتورّط.
  • كانت حركة أنيانيا تتلقّى المساعدات من خلال الإرساليات التّبشيرية، وذلك من أطراف دولية متعدّدة. ولذلك قامت الحكومة العسكرية بمنع الإرساليات التّبشيرية من التّواجد في الجنوب، ولحقها الأذى هي أيضا.
  • بعد عودة الحكم المدني، وعد رئيس الوزراء بحلّ مشكلة الجنوبيين.
  • أصدم عفوا عاماّ عن المتمرّدين ودعا إلى عقد مؤتمر قومي تشترك فيه الأحزاب الشّمالية والجنوبية، بالإضافة إلى مراقبة سبع دول أفريقية، وذلك في محاولة لحلّ مشكلة الجنوب.
  • تمّ عقد مؤتمر سمّي بمؤتمر المائدة المستديرة سنة 1965، لكن ما لبث الاختلاف أن ظهر بين الشّماليين والجنوبيين.

أسباب الاختلاف بين الجنوبيين والشّماليين بعد استقلال السودان

  • كان الجنوبيين يشعرون بالتّهميش، حيث لم يتمّ أخذ رأيهم خلال اتّفاقية استقلال السّودان، ولم تقم أيّ مشاريع تنموية لتحسين حالة الجنوب منذ الاستقلال. وكانوا يرون أنّ مؤتمر جوبا المطالب بالوحدة لم يكن يمثّل رأي الجنوبيين.
  • أراد الجنوبيون أن يتمّ رفع حالة الطّواري وأن يعود جيش الحكومة إلى الشّمال، وأن يترك للجنوبيين حلّ مشاكل التمرّد والعنف بأنفسهم.
  • كما طالب الجنوبيون بأن يتمّ الاستفتاء على ثلاثة خيارات: إمّا اتحاد فيدرالي، أو الوحدة مع الشّمال، أو الانفصال.
  • أمّا الأحزاب الشّمالية فرفضت فكرة الانسحاب من الجنوب وقالت أنّ الأحزاب الّتي تتحدّث في المؤتمر ليس لها كلمة مسموعة لدى الجنوبيين ولن يكون بإمكانها وقف أعمال العنف.
  • رفض الشّماليون أيضا فكرة الاستفتاء.
  • عرض الشّماليون أن يكون هناك حكم إقليمي بدل الدّولة المركزية، حيث يكون للجنوب مركز نائب رئيس الدّولة وحقائب وزارية.
  • رفض الجنوبيون هذه المقترحات وأصرّوا على الاستفتاء مضيفين حلّا رابعا وهو الحكم المحلّي.
  • وبهذا لم يستطع المؤتمر أن يخرج بأيّ حلّ واضح حاسم لقضيّة الجنوب.
  • وأخيرا تمّ في عام 1967 الاتّفاق على الحكم الإقليمي كحلّ، لكنّ الأمور كانت تتعقّد أكثر في الجنوب، وبدأ تبادل الاتّهامات بين الحكومة وحركة أنيانيا.
  • ظهرت الخلافات بين الجنوبيين أنفسهم، فانقسم حزب سانو حول ممثّله الشّرعي، وتشكّلت جبهات جديدة مثل جبنة أزانيا، وقامت حكومات مؤقّتة للجنوب يحكمها رؤساء من خارج السّودان، وكلّ منها يتلقّى تمويله من جهة خارجية.

قد ترغب بقراءة: أصل اللهجات العربية… نظرة على كيفية نشأة اللهجات العربية الحديثة

الخلاصة

تاريخ السّودان، كتاريخ مختلف الدّول العربية الّتي كانت تحت الاستعمار، هو تاريخ أليم فعلا. فالصّفة الّتي تتشابه فيها الدّول هي حصول الاختلافات والانقلابات العسكرية بعد الاستعمار. وذلك لأنّ الاستعمار لا يخرج دون أن يترك كلابه خلفه لتواصل العبث بالبلاد حسب رغباته. ويمكننا أن نرى أنّ أحداث السّودان أقسى من غيرها، فالانقسام الّذي زرعت بذوره لعقود خلّف مشاكل لم يكن من السّهل رتقها.

سنواصل في المقال القادم الحديث عن بقيّة الأحداث الّتي ستشهد المزيد من الانقلابات العسكرية في تاريخ السودان.

المصادر

مصدر الصورة البارزة للمقال.

محمود شاكر، السودان، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1981، بيروت.

تاريخ السودان: تسلسل زمني

ثورة اكتوبر 1964 كما حدثت .. بقلم: الأستاذ/ على محمود حسنين



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا