العزوف عن الزواج

أسباب العزوف عن الزواج في المجتمع الشرقي والغربي والشرق آسياوي، وتأثير ذلك على المجتمع

لا أعتقد بأنّ ظاهرة العزوف عن الزواج سيّئة في المجتمع الشرقي بقدر ما هي سيّئة في مجتمعات أخرى، كالمجتمع الغربي أو كشرق آسيا. لكن بالفعل لم يعد يُنظر للزواج على أنّه ظاهرة طبيعية تحدث بشكل طبيعي في المجتمع، بل صار يُحسب له ألف حساب، وأصبح أشبه بالعائق أمام الشباب والفتيات.

ورغم أنّ أسباب هذا العزوف عن الزواج والتخوّف منه تختلف من منطقة لأخرى، إلّا أنّ هناك عاملا واحدا مهمّا يجمع مختلف هذه المناطق، وهو العامل المادي.

سأتحدّث في هذا المقال عن أسباب الخوف من الزواج في مختلف المناطق، وتأثير ذلك على المجتمعات.

احصل على ثانوية الأشباح

العزوف عن الزواج في المجتمع الشرقي

لازال المجتمع الشرقي يعرف إقبالا واسعا على الزواج حسب ما يبدو. لكن هناك بعض المشاكل الّتي تؤدّي بالشباب والفتيات إلى الابتعاد عن الزواج أو تأخيره. فالعامل المادي هو أوّل عامل. فالشاب الّذي لا يستطيع أن يوفّر مصاريف الزواج الباهظة لا يجد سبيلا إليه. والفتاة الّتي لا تحصل على منزلها الخاصّ تتخوّف من الزواج بسبب المشاكل العائلية.

وهذا العامل المادي أيضا يؤدّي بالفتيات إلى اختيار العمل والحصول على الاستقلال المادي. وهو بدوره يؤدّي إلى خوف الشباب من الفتاة العاملة الحاصلة على شهادة جامعية. وهو خوف غير مبرّر انحدر عن أعراف وتقاليد منحرفة. فكما كنت قد بيّنت في مقاليّ السّابقين عن أزمة الرجل الشرقي وأزمة المرأة الشرقية، يتمّ تعليم الرجل بأنّه أفضل من المرأة. وحينما يجد هذا الرجل فتاة متعلّمة ولها استقلالها المادي، يشعر بأنّه ليس أفضل منها، فيعزف عن الارتباط بها.

وهذا الخطأ في التربية يؤدّي إلى حلقة مفرغة من المشاكل بين الأزواج. إذ كثيرا ما تفسخ الفتاة الخطوبة بسبب محاولة الشاب الاستعلاء عليها واستصغارها، خاصّة حينما تكون متعلّمة. بل وكثيرا ما يخدعها بأنّه لا يمانع عملها لينقلب عليها لاحقا. ومثل هذه القصص جعلت الفتاة تقرّر بأنّ راحتها النفسية أهمّ من زواج يجلب لها المشاكل وينتهي بالطلاق.

ولهذا يجب للمجتمع الشرقي أن يتحرّر من قيوده الّتي أصحبت عائقا أمام الأجيال الجديدة. ولا بدّ أن يعرف الزواج تجديدا ويخرج من دائرة بيع الفتاة بمبلغ ضخم للشاب. وأن يتعلّم الشباب والفتيات كيف يتشاركون أعباء الزواج معا، وكيف يتجاوزون الأعراف والتقاليد إن أردوا الظفر بحياة زوجية سليمة لا يكون فيها طرف أفضل من طرف.

قد ترغب بقراءة: كفالة مجهول النسب في الإسلام، بين التعسّف ونظرة المجتمع السوداء

العزوف عن الزواج في المجتمع الغربي وشرق آسيا

في الغرب، لا يميل الشباب والشابات إلى الزواج إلّا بعد ضمان رغبتهم بذلك. إذ كثيرا ما يعيش شريكان معا، وقد ينجبان الأطفال، لكن دون زواج. وغالبا ما يتمّ تأجيل الزواج لأسباب مادية، إذ يتخوّف الأزواج من إنجاب طفل دون امتلاك ما يكفي من المال لتربيته. كما يتهرّب الرجال من الزواج لأنّهم يخافون من الالتزام، إذ يحبّون الحرّية أكثر من الارتباط والالتزام بعائلة واحدة (عكس ما يحدث عندنا، إذ إنّ الفتاة عندنا هي من ترى في الزواج تقييدا لحرّيتها).

ولديهم طبعا مشاكل نقص المواليد لنفس الأسباب، إذ يؤدّي العزوف عن الزواج لقلّة المواليد، ويؤدّي تأجيل الزواج لذلك أيضا. إضافة لما سبق، لا تفضّل النساء الإنجاب إلّا في سنّ الثلاثين أو الأربعين، لأنّهم ينشغلن بتحقيق الأهداف قبل هذه السنّ. لكن لا تنجح كلّ النساء في الإنجاب في ذلك العمر، ما يعني نقص المواليد.

أمّا في كوريا الجنوبية، فهناك تخوّف فعلي من قلّة المواليد. وتعود الأسباب إلى المادية بشكل رئيسي. ففي هذا البلد، يعيش الناس نمط حياة خاصّ يتميّز بالرفاهية، ولهذا يحارب الشاب والفتاة للحصول على تلك الرفاهية بكلّ الطرق، ولا وقت لديهم للتفكير في الزواج والإنجاب. ولهذا يبتعد الشباب والشابات عن فكرة الزواج بشكل كبير جدّا. فلا يرغب الرجل أن يفقد رفاهيته إن هو تحمّل مسؤولية عائلته، ولا ترغب المرأة بفقد وظيفتها بسبب إنجاب الأطفال.

وفي مقطع فيديو رأيته لآراء الشباب حول مسألة الزواج في كوريا الجنوبية، كان من المثير للدّهشة بأنّهم جميعا يحملون نفس الأفكار، أي بأنّ المجتمع المادي يفرض عليهم نمط حياة معيّن، ولهذا ليس سهلا التفكير في الزواج وإنجاب الأطفال. ويكون الحلّ الأسهل بالابتعاد عن الموضوع نهائيا والاهتمام بالحياة الفردية وتحقيق الأهداف.

خلاصة القول

من الواضح بأنّ أسباب رفض الزواج تختلف من منطقة لأخرى. فأحيانا يكون نقص المال هو السبب، وأحيانا يكون تجنّب المسؤوليات هو السبب، وأحيانا يرغب الفرد بحرّيته الشخصية وتحقيق أهدافه، ولهذا لا يفكّر في الزواج. وبشكل عام، يبدو بأنّ الحياة تتطوّر بشكل غريب جدّا، وهو ليس إلّا دليلا على تغيّر تفكير الإنسان إلى حدّ أصبح فيه يختار راحته النفسية على الحصول على عائلة، بينما كانت العائلة هدف كلّ إنسان قديما.

ولإيجاد حلول لقلّة المواليد في الدول الغربية وفي شرق آسيا، لا بدّ من تخفيف ساعات العمل ولا بدّ من منح النساء إجازات أمومة خاصّة والاهتمام بهنّ كي لا يشعرن بأنّ الإنجاب عائق أمام نجاحهنّ في الحياة. ولهذا تماما نرى في بعض الدول الغربية منح إجازات أمومة للرجال أيضا، وذلك لتشجيع الأزواج على إنجاب الأطفال. كما تقوم هذه الدول بجلب المهاجرين للقضاء على قلّة المواليد وإنقاذ المجتمع.

قد ترغب بقراءة: تعدد الزوجات في الإسلام وكذبة كثرة النساء… تعالوا أعرّفكم على حقيقة الموضوع



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا