تعدد الزوجات في الإسلام

تعدد الزوجات في الإسلام وكذبة كثرة النساء… تعالوا أعرّفكم على حقيقة الموضوع

يتحدّث هذا المقال عن موضوع قد لا يلقي له البعض بالا مطلقا لأنّه لا يهمّهم بأيّ حال. بينما يجد فيه آخرون مادّة دسمة للنّقاش والجدال، وهو موضوع تعدد الزوجات في الإسلام.

حينما نقوم بعملية بحث بسيطة فسنجد بعضا من المواقع وبعضا من المشايخ ممّن يشجّعون على التعدّد ويذكرون الحكمة منه ومنافعه. ثمّ لو قمت بعملية بحث مختلفة، فستجد ربّما نفس المواقع ونفس المشايخ يقولون بأنّ الأفضل هو الاقتصار على زوجة واحدة.

وستجد من يتّبعون الفكرة الأولى يقولون بأنّ التعدّد مستحبّ وبأنّه سنّة لأنّ النّبي فعله، وأنّه حقّ للرّجل لا يجب أن يمنعه منه أحد. وستجد أيضا آراء لبعض المشايح تقول بأنّه شرع اللّه وأنّه على المرأة تقبّل ذلك.

فلماذا إذن كلّ هذا الجدال حول قضيّة تعدد الزوجات في الإسلام ؟ وهل هو حقّا سنّة أو مستحبّ كما يقول البعض؟ وهل الأصل في الزّوجة الواحدة أو في التعدّد؟

سيحاول هذا المقال أن يجيب على كلّ هذه الأسئلة ويجمع بين مختلف الآراء لفهم المسألة، ولفهم أنّها تختلف كثيرا عمّا يظنّه البعض.

احصل على ثانوية الأشباح

لنبدأ أوّلا بآية التعدّد

يقول الله تعالي في الآية 3 من سورة النّساء “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا”.

وقد جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية أنّ عروة ابن الزّبير قد سأل عائشة عنها فقالت “يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن”

فكما هو واضح ممّا قالته السّيدة عائشة، فلم تنزل الآية أصلا لتحثّ على التعدّد، بل لتحكي عن قصّة أخرى. وهي عادة كانت يقوم بها بعض العرب، حيث كانوا يتزوّجون اليتيمات اللّاتي يشرفون عليهنّ دون مهر. فنزلت الآية تقول لهم إمّا أن تمنحونهنّ الصّداق مثل غيرهنّ من النّساء، وإمّا أن تتركوهنّ وتتزوّجوا غيرهنّ من النّساء.

ثمّ واصلت الآية بهدف تنظيم الزّواج بأكثر من واحدة، فانتهى العدد إلى أربع. وقد نزلت في قوم يقوم فيه بعض رجالهم بالتعدّد بحكم عادات قبلية، فنظّمت ذلك.

لكنّ الآية لم تتوقّف عند هذا..

بل ذكرت أيضا أنّ العدل واجب لمن يعدّد. وإن لم يكن قادرا على العدل، فتعود به الآية إلى الأصل وهو زوجة واحدة تعينه ويعينها على الحياة. ويقول العلماء أنّه وإن خاف عدم العدل في الزّوجة الواحدة أيضا، فالأفضل أن يكتفي بما ملكت يمينه.

ثمّ ذكرت الآية سبب الاكتفاء بزوجة واحدة، فذلك أدنى ألّا تعولوا، وقد تمّ تفسيرها: ألّا تجوروا. أي تحرّي عدم ظلم النّساء، وظلم النّفس والأولاد أيضا.

ويبدو أنّ بعضهم يأخذ أمر العدل بشكل مستهتر، فيظنّ أنّه وإن تزوّج ولم يعدل فلا إثم عليه. والحقيقة أنّ وعيد الله لكلّ ظالم يتكرّر في القرآن تكرارا كثيرا، ذلك لأنّ الإسلام جاء أساسا لرفع الظّلم.

ومن الجدير بالذّكر أنّ هناك حديثا لرسول الله قد قال فيه: “من كان له امرأتان فما إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقّيه مائل”. (أخرجه أبود داود والتّرمذي والنّسائي وغيرهم)

قد ترغب بقراءة: انضمّوا إليّ لتصحيح مفهوم ضرب المرأة في القرآن

هل هناك أحاديث أو روايات عن السّلف تحثّ على تعدد الزوجات في الإسلام ؟

الإجابة المختصرة هي: لا توجد.

فلم يتوسّع الرّسول في هذه المسألة مطلقا، ولم يقل أحد من السّلف عنها شيئا.

وهناك رواية واحدة فقط لابن عبّاس حينما سأل سعيد بن جبير قائلا “هل تزوّجت؟” فردّ بالنّفي، حينها قال ابن عبّاس “تزوّج فإنّ خيرنا أكثرنا نساء”. وقد أمسك بعض الجهلة هذا على أنّه دليل على استحباب الاستكثار من النّساء. والحقيقة أنّنا لو فسّرناه كما يرون فستكون كارثة. فهذا يعني أنّ كلّ من تزوّج بعدد كبير من النّساء فهو أفضل النّاس، وهذا تفسير كارثي.

بل كلّ ما قصده ابن عبّاس من ذلك هو إشارة إلى النّبي، فخير أمّة الإسلام كان له أكثر عدد من النّساء. ولا يحتاج ذلك لتفكير لنفهم أنّه يقصد النّبي. وهو بقوله هذا يشجّع سعيد بن جبير على الزّواج مع تقديم الرّسول أمامه كمثال، فرغم أنّه رسول إلّا أنّه تزوّج مثل بقيّة النّاس.

موقف أهل العلم من تعدد الزوجات في الإسلام

الحقيقة أنّ أكثر أهل العلم يرون أنّ الأفضل الاقتصار على زوجة واحدة، كما يحذّرون من القول بأنّه سنّة أو مستحبّ أو مندوب، فهو مباح فقط. وسأورد هنا بعضا فقط ممّا قالوه عن مسألة تعدد الزوجات في الإسلام. مع العلم أنّني لم أستطع أن أجد قول الحنفية والمالكية في الموضوع، إلّا موقفا لأبي حنيفة عن التعدّد.

الشّافعية:

فقد جاء في البيان في مذهب الشّافعي أنّه قال: وأحبّ له أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر، لقوله تعالى”فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا”.

الحنابلة:

قال منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، في كتابه الروض المربع بشرح زاد المستقنع مختصر المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل: ويسنّ نكاح واحدة، لأنّ الزّيادة عليها تعريض للمحرّم، قال الله تعالى “وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ” (سورة النّساء الآية 129). وهناك الكثير من الحنابلة ممّن تحدّثوا عن تعدد الزوجات في الإسلام بكلام مشابه.

أبو حنيفة:

هناك موقف لأبي حنيفة يتحدّث عن تعدد الزوجات في الإسلام ، وذلك حينما جعله الخليفة المنصور حكما بينه وبين زوجته لعدم عدله معها:

دعا أبو جعفر المنصور إلى مجلسه الإمام أبو حنيفة قائلًا: الحرة تخاصمني فأنصفني منها، فقال أبو حنيفة: ليتكلم أمير المؤمنين، فقال: كم يحلّ للرجل أن يتزوج من النّساء فيجمع بينهنّ؟ قال: أربع، قال: وكم يحلّ له من الإماء؟ قال: ما شاء، ليس لهنّ عدد، قال: وهل يجوز لأحد أن يقول خلاف ذلك؟ فقال أبو حنيفة: لا.قال أبو جعفر له قد سمعت، أي سمعت مقالتي وحجّتي، فقال أبو حنيفة: إنّما أحلّ الله هذا لأهل العدل، فمن لم يعدل أو خاف ألّا يعدل فينبغي ألّا يجاوز الواحدة، قال تعالى: “فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة”، فينبغي لنا أن نتأدّب بأدب الله ونتّعظ بمواعظه، فسكت أبو جعفر وطال سكوته، فخرج أبو حنيفة.

فلما وصل إلى منزله أرسلت إليه زوجة الخليفة خادمًا ومعه مال وثياب وجارية وحمار، فردّها وقال للخادم:اقرئها سلامي وقل لها: إنما ناضلت عن ديني وقمت ذلك المقام لله، لم أرد بذلك تقرّبًا لأحد، ولا ألتمست به دنيا.

ابن عثيمين:

ومن المتأخّرين أيضا من قال بنفس الكلام، مثل ابن عثيمين، حيث قال في كتابه الشّرح الممتع “وذهب بعض أهل العلم إلى أنّه يسنّ أن يقتصر على واحدة ، وعلّل ذلك بأنّه أسلم للذمّة من الجَوْرِ ؛ لأنّه إذا تزوّج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهما ، ولأنّه أقرب إلى منع تشتّت الأسرة ، فإنّه إذا كان له أكثر من امرأة تشتّتت الأسرة ، فيكون أولاد لهذه المرأة ، وأولاد لهذه المرأة ، وربّما يحصل بينهم تنافر ، بناء على التّنافر الذي بين الأمّهات ، كما هو مشاهد في بعض الأحيان ، ولأنّه أقرب إلى القيام بواجبها من النّفقة وغيرها ، وأهون على المرء من مراعاة العدل ، فإن مراعاة العدل أمر عظيم ، يحتاج إلى معاناة ، وهذا هو المشهور من المذهب”.

الحكمة من التعدّد؟

خلال عملية البحث الأولى الّتي ذكرناها أعلاه، ستجد الكثير من الكلام عن الحكمة من التعدّد. فمنها لتكثير النّسل ولقضاء الشّهوة الزّائدة ولحلّ مشكلة إذا ما أحبّ الرّجل امرأة ما ولكثرة النّساء ولعدم حرمان النّساء من الزّواج!

1. وهذه الأخيرة تثير السّخرية في الواقع:

لذلك لنبدأ بتحليلها. فأوّلا هل نرى حقّا الرّجال يتزوّجون من أرملة أو مطلّقة أو عانس حينما يتزوّجون بأخرى؟ طبعا لا. فكلّ طامع بالزّواج من ثانية وكلّ مطالب بالحصول على حقّه “الشّرعي” إنّما يرغب بزوجة صغيرة في السنّ بكر ليستمتع بها. فالأفضل لمن يطلق مثل هذه التّفسيرات الغريبة أن يرى الواقع أوّلا قبل التحدّث عن الأوهام.

2. فيما يخصّ تكثير النّسل.

فليس هناك أيّ دليل على أنّ الزّواج من أربع هو ما سيكثّر النّسل. فبإمكان الزّوجة الواحدة أن تلد أكثر من عشر أطفال. وحينما أوصى الرّسول بزيادة النّسل قال “تناكحوا تكثروا”. ولم يفسّر أحد من العلماء هذه على أنّها تعني الزّواج بأكثر من واحدة. بل كان النّبي يحثّ على الزّواج لما فيه من تحصين ولما فيه من تكثير أمّته.

3. كثرة النّساء؟

ننتقل الآن إلى حكمة أخرى تثير الاستعجاب أيضا، وهي كثرة النّساء مقارنة بالرّجال. إذ يجب أن يتزوّج الرّجل أكثر من امرأة لكي لا تظلّ النّساء دون أزواج! لكن من أين جاءت هذه الفكرة؟ فحينما بحثت عن الإحصائيات الخاصّة بعدد النّساء والرّجال في العالم، فلم أجد شيئا يدلّ على كثرة النّساء!

بل العدد متساو بينهما كما هو مبيّن في الصّور أدناه. وهي إحصائيات يقوم بها البنك الدّولي. حيث نرى أنّ النسّبة تتراوح بين 49 و50 و51% للذّكور والإناث. بل ويتزايد عدد الذّكور بينما ينخفض عدد الإناث، فلا أدرى من أين جلبوا فكرة كثرة النّساء هذه.

وربّما نستطيع أن نقلب الآية على من يقول بوجوب أن يتزوّج الرّجل أربعة لكثرة النّساء. فبعد أن اطّلعنا على حقيقة أنّ العدد متساو تقريبا، وبل هناك تناقص لعدد الإناث. فيمكننا أن نقول أنّه ستكون كارثة لو قام كلّ رجل بالزّواج من أربع، فحينها سيظلّ رجال آخرون دون زواج!

وربّما من الملفت للانتباه أنّ دولا عربية، من منطقة الخليج خاصّة، تتراوح نسبة الإناث فيها حوالي 30% أكثر بقليل في بعضها. وربّما هي نسبة مقلقة. وحينما بحثت أكثر، وجدتُ بأنّ منظّمة حقوق الإنسان كانت قد نشرت تقريرا في سنة 2018 تحذّر فيه من قلّة أعداد الإناث إن استمرّ الوضع على ما هو عليه. إذ أوضحت أنّ هناك 105 ولادة ذكر مقابل 100 ولادة أنثى.

وأعتقد أنّه من المخجل أن يتفوّه مفتي أو شيخ بكلام كهذا قائلا أنّ التعدّد مفيد لكثرة النّساء، مع أنّ الواقع يقول شيئا آخر.

4. الشّهوة الزّائدة؟

أمّا فيما يخصّ الشّهوة الزّائدة وأنّه قد لا تكفيه زوجة واحدة. لنستعرض بعضا ممّا قاله السّلف والعلماء عن الشّهوة بشكل عام. فقد قال المفسّر قتادة “خلق الله سبحانه الملائكة عقولاً بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلًا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم”.

وقال ابن القيّم في كتابه روضة المحبّين “مدمنوا الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها”. كما قال أيضا في كتابه الفوائد “أصل الخير والشر من قبل التفكُّر، فإن الفِكر مبدأ الإرادة والطلب، الفِكر في الشهوات واللذات وطرق تحصيلها لا عاقبة له، ومضرَّته في عاقبة الدنيا قبل الآخرة أضعاف مسرَّته”.

فالأولى لمن يشجّع الرّجل على تضييع زوجته وأولاده والتّفكير بحقوقه المشروعة فتصير الفكرة مسيطرة على رأسه، الأولى لهم أن يشرحوا له أنّ الأصل هو كبح الشّهوة إن وجدت، فمن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم. فمعروف في الإسلام وممّا وصلنا عن النّبي أنّه حثّ النّاس على الزّواج لما فيه من تحصين للنّفس، لكن لم يقل مطلقا بأنّه لمن لم تتحصّن شهوته بزواج واحد فليتزوّج أكثر.

وهناك مسألة أخرى مهمّة طرأت على بالي بشأن هذا الموضوع، وهو حكم الزّنى للمتزوّج. فنعلم أنّ الإسلام قد جعل حكم الزّنا لغير المتزوجين مخفّفا نوعا ما، فهو الجلد والتّشهر، لكنّه لم يصل للقتل، ويمكن التّوبة منه. وهذا الحكم دليل على أنّ الله يعلم بضعف عباده نحو شهوة الطّرف الآخر. لكنّه لم يمنح هذا التّخفيف للمتزوّج أيّا كان السّبب، فلو كان الله قد وضع شرع تعدّد الزّوجات لشهوة الرّجل الزّائدة، لما كان ألزمه حكم الرّجم إذا أخطأ، ولكان الحكم مخفّفا لأنّه ضعف اتّجاه شهوته، تماما كغير المتزوّج.

5. حبّ الرّحل لمرأة أخرى؟

وحينما يتعلّق الأمر بمسألة ماذا لو أحبّ الرّجل امرأة أخرى، فلا بدّ، حسب أقوال بعضهم، للمرأة أن ترضى أن يتزوّج زوجها بمن أحبّها، فذلك أفضل من أن يقع في الحرام بسبب رفضها! لا أدري إلى أيّ مدى يمكن أن يوصلنا تفسير الدّين الشّخصي المعتمد على الهوى؟ فلماذا لا نوجّه الرّجل هنا حسب تعليمات الرّسول؟ بدل أن نوجّهه حسب الآراء الشّخصية ونطلب منه الزّواج. فمعروف أنّ الرّسول قد قال عن مثل هذا “إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأت أهله، فإنّ ذلك يرد ما في نفسه” (حديث صحيح). أعتقد أنّه الحلّ الواضح لمن تعجبه امرأة رغم أنّه متزوّج، وهو ما يجب أن يخبر به المشايخ الرّجال، فهو هدي النّبي، فكيف يتركونه ويجعلون من هذا الأمر دليلا على استحباب التعدّد؟

لماذا يتّفق العلماء على أنّ الأصل زوجة واحدة؟

بعد كلّ ما حلّلناه حتّى الآن، علينا أن نفهم أنّ العلاقة الزّوجية ليست لعبا، فقد سمّاها القرآن بالميثاق الغليظ. وقد خرجت من أفواه كثير ممّن يسمّون أنفهسم “مشايخ” أخطاء مخجلة تجعل دين الإسلام يبدو دينا فوضيا أو دينا متحيّزا للذّكر.

أوّلا:

يجب أن يرى كلّ من يشجّعون الشّباب على الانشغال بالتّفكير في الزّواج من أكثر من زوجة، عليهم أن يطّلعوا على الواقع. فالزّواج من امرأة أخرى له مضارّ أكثر من المنافع المزعومة الّتي يذكرونها، والّتي قد بيّنت زيفها أعلاه. فالمرأة لها من الغيرة والأنفة بقدر ما للرّجل، وهي لن ترضى أن تقاسمها زوجها امرأة أخرى. وكلّ بيت يشهد هذه العملية تجد فيه الكثير المشاكل، وتجد فيه امرأة مكسورة وهي الّتي أوصى بها النّبي قائلا “استوصوا خيرا بالنّساء”، وتجد فيه أولادا قد انقلبت حياتهم رأسا على عقب، بل قد يخجلون من الظّهور أمام أقرانهم بسبب ما أصاب عائلاتهم من تشتّت. فالأولى أن يهتمّ الرّجل بتكوين بيت سليم بجانب زوجة يختارها بعناية ليربّي فيه أولادا أصحّاء نفسيا. فيكون بيتا مليئا بالصّلاح والطّمأنينة، وهما الهدف من الزّواج والإنجاب.

وثانيا:

علينا أن نتذكّر أصل الخلق، أدم وحوّاء، وكفى. أصل البشرية يدلّ على أنّ الأسرة الّتي تكوّن المجتمع يقودها قائدان، رجل وامرأة. فلو لم تكن المرأة مكافئة للرّجل في هذه المهمّة لخلق الله لآدم عدّة نساء. وربّما لكان ذلك أفضل إن سرنا على منهج “تكثير النّسل” كما يزعم بعضهم.

وثالثا:

من الجدير بالذّكر أنّ الاطّلاع على تاريخ العرب في الجاهلية يظهر أنّ الأصل هو زوجة واحدة أيضا. وهي مناسبة هنا كي نذكر أنّ ما يزعم بعضهم بأنّ المرأة لم يكن لها وزن في الجاهلية فقط ليحسّن صورة الإسلام هو كلام فارغ. فالمرأة كانت لها مكانتها كما كانت للرّجل. فقد كانت تستشار في زواجها، وكانت عمليات خطبة النّساء للرّجال كثيرة، وهو تماما ما فعلته السيّدة خديجة مع الرّسول. كما لم يكن تعدّد الزّوجات بالأمر المعتاد عند الجميع، فقد كان يقوم به الأثرياء رغبة في تكثير عدد نسله وقبيلته. وقد كانت كثير من النّساء يشترطن أن تكون العصمة لهنّ، فيطلّقن الرّجال متى أردن.

والحقيقة أنّه، تاريخيا، كان التعدّد موجودا في مكّة والطّائف فقط، لكنّه لم يكن بالأمر المعتاد في بقيّة أنحاء الجزيرة العربية. فالأصل كان زوجة واحدة.

ما هي الأسباب الّتي قد تدفع للتعدّد بما أنّه مباح؟

لا يبدو أنّ هناك أيّ أثر عن الرّسول أو صحابته بشأن هذا. فلم يصلنا منهم أيّ شيء يقول لنا: لهذه الأسباب على الرّجل أن يعدّد. وما يذكره بعضهم الآن من مرض الزّوجة أو عقمها وما إلى ذلك، ليست إلّا اجتهادات فردية.

وربّما تُرك هذا الأمر مباحا لأنّه قد تكون هناك حاجة له في زمن ما، أو لضرورة ما، أو حينما يكون مقبولا في مجتمع ما كمجتمع مكّة القبلي. لكن أن يتمّ حشو العقول بهذه الفكرة وإفساد حياة الأسر الهانئة دون مراعاة لضرره فهو تماما ما جعل العلماء يفضّلون الاقتصار على زوجة واحدة.

وربّما لا أستطيع أن أمرّ على هذه النّقطة دون أن أذكر ما نقرأه من قصص تثير الإعجاب لزوج عاش هنيئا مع زوجته الّتي لا تنجب دون أن يفكّر في الزّواج عليها، بل هناك من ذهب إلى تربية أيتام ليفرح هو وزوجته معا. ولزوج لم يفارق زوجته المريضة وظلّ بجانبها دون التّفكير باستبدالها. فلماذا لا يريد أولئك “المشايخ” أن يكون رجالنا بمثل هذه الشّهامة؟ وهي الّتي تمثّل وصيّة الرّسول للرّجال بالاعتناء بالمرأة. لماذا يريدون لرجالنا أن يعيشوا حياتهم ركضا خلف شهواتهم، وأن يعاملوا المرأة ككائن دوني يقضون حاجتهم منها ولا يكترثون لأمرها أدنى اكتراث؟

الخلاصة

ما أستنتجه من موضوع تعدد الزوجات في الإسلام هو أنّ الآية نزلت تقوم بتنظيم التعدّد الّذي كان موجودا بالفعل بين أهالي مكّة، وهم من أنزل عليهم القرآن ورسول الله بينهم. وأتساءل ما الّذي كان سيحصل لو لم تنزل هذه الآية. ربّما يعيش النّاس حياة عادية تعتمد على زوج وزوجة. بينما يعمد أصحاب المال وخاصّة من القبليين إلى الزّواج من عشر نساء تماما كما كان يحصل في الجاهلية. وكانت ستظلم نساء وأطفال، وسيضيع الدّين بالجري وراء النّساء لكلّ من استطاع إليه سبيلا. لذلك أرى أنّ الآية قد جاءت بحكمة كبيرة، وهي إخبار الرّجال بأنّه لا حقّ لك أن تملك من النّساء ما تريد وأن تظلم. فالإسلام جاء ليمنع الظّلم، فإن عدّدت فاعدل. وإن كان الأفضل أن تقتصر على واحدة، وأن تعدل حتّى مع الواحدة. فالآية هي مزيد من التّكريم للمرأة، وليست ضدّها كما يجعلها البعض تبدو.

ممّا يثير دهشتي أيضا هو كيف يقوم دعاة التعدّد بإيجاد كلّ الأسباب والمبرّرات للرّجل. فربّما يقع في الحرام إن أحبّ امرأة أخرى، وربّما شهوته زائدة، وربّما هذا وذاك. لكنّهم لم يكلّفوا أنفسهم ولو للحظة التّفكير بمشاعر المرأة، بل أوجبوا عليها التحمّل وهو ما لو يوجبه عليها هذا الدّين. ونحن نعلم جيّدا قصّة فاطمة بنت الرّسول حينما أراد عليّ الزّواج عليها. حيث انزعجت وذهبت إلى أبيها تطلب منه إيقافه. وانزعج الرّسول بدوره واشترط على عليّ أن يختارها على فكرة الزّواج من أخرى. وهو ما كان من عليّ. وربّما يمكن أن نبني على هذه القصّة حكما واضحا وضوح الشّمس بشأن تعدد الزوجات في الإسلام . وهو أنّه للمرأة ألّا توافق على زواج زوجها وأن تشترط منعه أو طلاقها، ولوليّها أيضا أن يشترط ذلك. فذلك “أدنى أن تُفتن في دينها” كما قال الرّسول عن ابنته، وذلك أدنى أن تخرب بيوت عامرة.

تأمّلات

ما ينغّص عليّ حياتي حقّا هو أنّ هذا الدّين تتحكّم فيه الخلفيات القبلية والآراء الفردية والهوى أكثر من أيّ شيء آخر. فبدل أن يحاول “العالم الدّيني” أن يبحث عن الحقيقة، فإنّه ينطلق أصلا من معتقدات بحكم الأعراف والعادات، ويبني عليها أحكاما باستخدام حديث هنا وآية هناك. ونحن نرى الذّكورية الّتي تسيطر على مختلف الأمور الّتي تخصّ المرأة. وذلك يعود أساسا إلى المجتمعات العربية الّتي لاتزال قبلية في طبيعتها، ولاتزال ترى العيب أخطر من الحرام. وقد كنت بيّنت بعضا من الأمور المخجلة الّتي يردّدها بعضهم فقط للانتقاص من المرأة في مقالاتي عن تغطية وجة المرأة في الإسلام.

وكمثال بسيط على سيطرة الأعراف أن تزني ابنه أحدهم، حيث أنّ قتلها هو أقلّ ما قد يفعله، بل قد سمعنا عن قتل البنات فقط لأنّهنّ تحدّثن مع شاب. بينما جعل الله حدّ الزّنى الجلد فقط. ولو قلت هذا الكلام لأحدهم فستثور ثائرته وسيقول أنّه الشّرف والعار، ضاربا بأحكام الدّين عرض الحائط. بينما لن يفكّر أيّ شخص بقتل ابنه ولو زنى، ولن يفكّر بجلده أو مسّ شعرة منه. فهو رجل، والرّجل يخطئ عندهم، أمّا المرأة فلا تملك حقّ ارتكاب الخطأ.

ولا يخصّ الأمر مسألة المرأة فقط…

بل هناك قضايا عديدة يجعلون من خلالها الدّين صغيرا جدّا وكأنّه لا يساوي شيئا أمام أهوائهم. فأذكر حينما كنت أشاهد وثائقيا عن الإمام عبد الله هارون، وهو مسلم قاتل بشراسة ضدّ سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. فقد قالت إحدى الباحثات، وهي ليست مسلمة، قالت بأنّ المسلمين في جنوب أفريقيا نشروا في تلك الفترة مقالا يبرّر عدم وقوفهم بجانب عبد الله هارون وعدم قبولهم لما يفعله، وذلك لأنّ الحكومة لا تمنعهم من دينهم ومن صلاتهم ولا تهدم مساجدهم، فليس هناك داعي لمطابتها بأيّ شيء!

وقد جعلتني نظرة الحيرة على وجه الباحثة أشعر بالخجل لأنّ هناك من يسوّق ديننا بهذه الطّريقة. فدين الإسلام هو الدّين الّذي جاء لرفع الظّلم، وكانت أوّل آية نزلت لبدء الجهاد قد برّرت ذلك قائلة “بأنّهم ظلموا”. فالمسلم هو أوّل شخص يجب أن يقف في وجه الظّلم وأن يحاربه. لكنّ الرّغبة بالعيش الهانئ والزّواج من أربع والتنعّم بالدّنيا هي ما جعلت بعض من يسمّون أنفسهم مشايخ يكذبون على المسلمين ويخدعونهم بالأوهام، حتّى جعلوا من ديننا أضحوكة، بعد أن كان دين المنعة ودين الشّجاعة وقول الحقّ، والسّاكت عن الحقّ شيطان أخرس.

المصادر كلّها مضمّنة في نصّ المقال.

قد ترغب بقراءة: الولاية على المرأة في الإسلام.. لماذا يصرّ البعض عليها رغم عدم وجود دليل عليها؟



التعليقات

    1. يعني الأمة الّتي يملكها الرجل، بما أنّه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يزال هناك نظام العبيد، لكن قام الإسلام بالقضاء على هذا النظام تدريجيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا