قصة-السودان-ما-قبل-الثورة-المهدية

قصّة السودان (2): ما قبل الثورة المهدية

كنّا قد تحدّثنا في المقال الأوّل من قصّة السودان عن أقاليم السّودان، حيث عرّفنا عن مختلف أقاليمه وموقعها من الخريطة. وسنتحدّث في هذا المقال عن الأحوال في السّودان في العهد القريب من قيام الثورة المهدية ، وذلك لنفهم سبب قيامها.

احصل على ثانوية الأشباح

قد ترغب بقراءة: لنناقش فكرة كون لقاح فيروس كورونا مؤامرة، وأفكار أخرى تتعلق بنظرية المؤامرة

السودان تحت الحكم المصري التركي قبل اندلاع الثورة المهدية

كان حاكم مصر محمد علي هو من فكّر في فتح السّودان، وذلك لأنّه علم بأنّها أرض واسعة وبها مناجم للذّهب، وهو ما سيساعد الحكومة المصرية. كما أراد أن يحمي الحدود المصرية من حروب القبائل. إضافة لذلك، سمع محمد علي بأنّ أهل السودان هم أهل بأس يستطيع أن يصنع منهم جيشا قويّا، وهو ما شجعه أكثر على دخولها.

كان دخول محمّد علي إلى السودان سنة 1820، وقد استطاع فتح الكثير من بلادها، لكن ظلّت مساحات أخرى بعيدة عن متناول يده مثل كثير من مناطق ما يُعرف بجنوب الشّودان.

استتبّ الأمن في عهد محمد علي، وقد استطاع أن ينشئ عدّة مدن مهمّة مثل مدينة الخرطوم ومدينة كسلا. وقد قام بتقسيم أرض السّودان الّتي كانت تحت حكمه إلى 7 مديريات هي: دنقلة وبربر والخرطوم وكردفان وكسلا وسنار وفازوغلي.

أدخل المصريون إلى السودان زراعة القمح والخضر وأنشؤوا البساتين. كما هاجر الكثيرون منهم وأقاموا في أرض السودان، حيث اشتغلوا بالتجارة وتزوجوا من أهل السودان واختلطوا بهم.

كان أهل السودان يسمّون الحكم المصري بالفتح الأوّل والجكومة التركية القديمة أو تركيا القديمة.

علينا طبعا أن نتذكّر أنّ دخول محمد علي للسودان كان نابعا عن أطماع شخصية للتوسع. فقد كانت الدولة العثمانية في تلك الفترة في حالة ضعف، وقد أدّت مطامع محمد علي وهجومه المتكرّر عليها إلى المزيد من الضّعف، لا ننسى أنّه كان مدعوما في ذلك بفرنسا الّتي جعلت لها موضع قدم في مصر منذ دخول نابليون إليها.

وقد قال الدكتور علي الصّلابي أنّ محمّد علي كان مدعوما من قبل الماسونية الّتي دخلت مصر مع حملة نابليون. ولم يكن للدين الإسلامي أهمّية عنده، بل كان يسير حسب أطماعه في الحكم فقط، كما كان متأثّرا بالثّقافة الغربية وسمح لها بالولوج إلى مصر. إضافة لذلك، اتّسم حكمه بالظّلم على المصريين وعلى السودانيين على حدّ سواء.

ما علاقة تجارة الرقيق باندلاع الثورة المهدية؟

تولّى حكم السودان إسماعيل باشا سنة 1863، وقد سعى بجهد كبير لمنع تجارة الرّقيق الّتي كانت منتشرة كثيرا في السودان ومصر. وقد قامت الحكومة المصرية بإمضاء اتّفاق ألزمتها به بريطانيا كما ألزمت به دولا كثيرة، وذلك لمنع تجارة الرقيق وجعلها جناية عقوبتها الإعدام.

عانى كثير من أهل السّودان بسبب تجارة الرّقيق. فقد كان البحّارة والنخاسة يقومون باختطافهم من أراضيهم خاصّة في جهات النيل الأبيض وجبال النوبة وجبال فازوغلي وكردفان الجنوبية. حيث يقومون بأخذهم للأسواق في الخرطوم وإدخالهم إلى مصر أيضا لبيعهم. وقد بلغ عدد السود الّذين يتمّ أخذهم قسرا كعبيد إلى أكثر من 50 ألفا سنويا.

كان وجود الرّقيق أمرا ضروريا وأساسيا في حياة أثرياء السودان، خاصّة التجّار. ولذلك أدّى منعه إلى سخط كبير على اسماعيل باشا وكان أحد الأسباب لقيام الثّورة المهدية.

وعلينا أن ندرك أنّ أثر تجارة الرقيق على السّودان ظلّ جاثما على أنفس أهل السودان لمدّة طويلة، وهو تماما ما جعل أهل جنوب السّودان يشعر بالسّخط على شمالها. وقد تواصلت هذه النّظرة الدّونية من قيادات شمال السّودان نحو شعب جنوب السّودان، وهو ما أدّى إلى الإنفصال للحصول على الحرّية.

قد ترغب بقراءة: قراءة في كتاب فلسلفة التربية الإسلامية لـ ماجد الكيلاني

أسباب اندلاع الثورة المهدية

رغم الأمن والازدهار وإنشاء المدن الّذي عرفته السودان بعد دخول محمد علي إليها، إلّا أنّ الحكم القاسي عليها مثلما كان على مصر، والضّرائب الشّديدة قد جعلت أهل السودان يتطلّعون للاستقلال عن الحكم المصري.

إذن لنطّلع أوّلا على أسباب الثّورة المهدية:

  • الظّلم والضّرائب الباهضة الّتي تمّ فرضها على شعب السّودان والّتي أرهقتهم ولم يكونوا معتادين عليها.
  • منع تجارة الرّقيق، حيث أنّ التجّار الكبار في السّودان وأثرياءها كانوا معتادين على وجود الرقّ بشكل طبيعي في حياتهم، خاصّة وأنّ الحكومة المصرية قد أباحته وساعدت عليه بشكل واسع في البداية قبل أن تضغط عليها الدّول الأوروبية لإيقافه.
  • حصل أيضا احتكار الحكومة لمحصول العاج في عهد غوردون باشا الّذي كان في مرتبة حكمدار منذ سنة 1877. ولم يرق هذا الاحتكار للتجّار السّودانيين.
  • رغبة القبائل السّودانية بشكل عام بالاستقلال الّذي حُرمت منه بسبب الحكم المصري الّذي وجدت نفسها مضطرّة للخضوع له.
  • طبيعة الحكم الجديد الّذي أدخله المصريون إلى السودان، وهو مشابه للثقافة الغربية ولا يتبّع الشّريعة الإسلامية.
  • وطبعا الغطاء الدّيني للثّورة المهدية هو ما جمع شعب السّودان عليها. فالتحرّك باسم الدّين الإسلامي الّذي يجمع القبائل السّودانية واستخدام شخصية المهدي المنتظر هي حتما عوامل جعلت الجميع يلتفّ حول هذه الثّورة.

انطلقت الثّورة المهدية سنة 1881 بانطلاق دعوة المهدي، واسمه الكامل محمّد أحمد المهدي. وعلينا أن نذكر بأنّ الحكم المصري لم يكن قادرا على التّركيز عليه بشكل كامل، فقد بدأ الضّعف يدبّ فيه، إضافة لاشتعال ثورات أخرى مشابهة في مناطق أخرى كان على الحكومة المصرية أن تتصدّى لها.

سنستعرض في المقال القادم أهمّ أحداث الثّورة المهدية، وأسباب نجاحها، ثمّ أسباب فشلها.

المصادر

حسين، عبد الله، السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، الجزء الأوّل، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012.

محمّد علي باشا والماسونية، قصّة الإسلام

السودان والرقّ.. ظاهرة تقترفها العصابات أمام ضعف الحكومة ووفرة الحروب

أسباب وطبيعة الثورة المهدية في السودان(1881- 1885)



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا