قصص الأنبياء في القرآن

أهمّية فهم قصص الأنبياء في القرآن

حينما نقرأ القرآن عدّة مرّات، أوّل ما يلفت انتباهنا هو تكرار قصص الأنبياء في القرآن بحيث لا تكاد تخلو سورة من قصّة من تلك القصص. فأحيانا يتمّ ذكر تلك القصص بنوع من التفصيل، وأحيانا يتمّ ذكرها ذكرا سريعا. وأحيانا يتمّ التركيز على قصّة واحدة، بينما في سور أخرى يتمّ الجمع بين عدّة قصص لإيصال رسالة معيّنة.

وقصص الأنبياء هذه الّتي تتكرّر كثيرا في القرآن لم تأتِ دون هدف معيّن. فقد قال الله تعالى عن القرآن الكريم “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ”. فقصص الأنبياء لها غاية مهمّة لا تتمثّل فقط في شرح مسارات أولئك الأنبياء وما حدث مع تلك الشعوب، بل تتعدّى ذلك إلى تعليمنا من كلّ تلك القصص ما فيه الهلاك وكيف نتّعظ ونتعلّم منها لنعيش حياة سليمة ونفوز بالجنّة.

طريقة القراءة عن قصص الأنبياء في القرآن

هناك أمر مهمّ جدّا متعلّق بقصص الأنبياء، وهو أنّ فهمها من القرآن فقط ليس بالأمر السّهل. فهناك بعض الأمور وبعض الأحداث الّتي وضّحها القرآن، لكن هناك الكثير من الأمور الّتي لا نستطيع فهمها إلّا من خلال قراءة تفسير القرآن والأحاديث النبوية المتعلّقة بتلك القصص.

وقد تمّ بالفعل كتابة الكثير من الكتب الّتي تحكي قصص الأنبياء بتفصيل. وسيجد القارئ في هذه الكتب قصص الأنبياء مستوحاة من القرآن والأحاديث النبوية ومن الإسرائيليات. ولمن لا يعرف ما هي الإسرائيليات، فهي ببساطة الروايات المأخوذة عن أهل الكتاب من اليهود بشكل خاصّ. وفي الحقيقية، تحتلّ هذه الإسرائيليات الكثير من محتوى الكتب الإسلامية الخاصّ بتفسير القرآن. فمثلا حينما يتعلّق الأمر بقصص الأنبياء، فستجد تفسير الكثير من الغموض في الإسرائيليات، بينما لا تجده في القرآن ولا الأحاديث النبوية.

وتظلّ هناك مشكلة واحدة مع الإسرائيليات وهو أنّنا لا نعرف تماما مدى صحّتها من عدمه. ولهذا أن يتم خلطها ضمن تفسير قصص الأنبياء دون التنبيه لفكرة أنّها قد لا تكون صحيحة هو أمر مربك. ولأجل هذا جاءت كتب ركّزت على شرح قصص الأنبياء من القرآن فقط، منها الكتاب المفيد بعنوان القصص القرآني لصلاح الخالدي. فقد قام هذا الكاتب بسرد قصص الأنبياء بتفصيل وترتيب، لكنّه قرّر الاعتماد على القرآن والأحاديث النبوية فقط، وفضّل السّكوت عمّا لم يوضّحه القرآن والسنّة بدل استخدام الإسرائيليات.

ولهذا أعتقد بأنّه على الباحث عن تعلّم قصص الأنبياء أن يبدأ أوّلا بكتب من هذا النّوع والّتي تشرح القصص دون استخدام الإسرائيليات، وذلك ليستطيع فهم غرض القرآن من ذكر تلك الآيات بذلك الكمّ من المعلومات دون الحاجة للمزيد. ولا شكّ بأنّ تعلّم القصص كما ذُكرت في القرآن والأحاديث النبوية يكفي لفهم الغرض منها واستخدام الفوائد المستوحاة منها في الحياة. وحينما يتمّ الانتهاء من هذا، يمكن للقارئ الاطّلاع على شرح ما هو مبهم من الإسرائيليات بدافع الفضول فقط.

قصص الأنبياء في القرآن وأهمّية تعلّمها

بالنظر إلى تكرار قصص الأنبياء الكبير في القرآن الكريم، فلا بدّ من القراءة عن هذه القصص بالتفصيل وفهم المغزى من ورائها. فقد أخبرنا الله في كتابه بأنّ هناك أنبياء كثرا وقصصا كثيرة لشعوب لم يقصصها علينا القرآن. لكنّه بالمقابل كرّر قصصا معيّنة بشكل واضح. ويمكن استنتاج أمر مهمّ من ذلك وهو أنّ حكايا أولئك الأنبياء مع شعوبهم هي أمور تدور حولها حياة الشعوب في كلّ مكان. فمثلا يوجد طغاة مثل فرعون في كلّ زمان ومكان، وتوجد شعوب تجهر بارتكاب الفاحشة مثل قوم لوط في كلّ زمان ومكان. ولذلك يجب قراءة تلك القصص وفهمها لتطبيقها على الزمن الحاضر وحلّ مشكلاته بناءً على ما تعلّمناه منها.

ولا أدري إن كان هناك كتب من هذا النّوع أم لا، لكن سيكون مفيدا لو تمّ جمع قصص الأنبياء وإسقاطها على الحياة والخروج منها بالعبر والمشاكل وحلولها، ما يمكن أن يخرج منه نظام إصلاحي كامل. فتلك القصص تغطّي تقريبا جميع نواحي الحياة، كلّ شعب حسب ما كان فيه من انحراف. إذ تذكر القصص سبب ذلك الانحراف ولماذا أصاب تلك الشعوب ولماذا هو انحراف خطير يجب إصلاحه.

الخلاصة

القرآن كنز كبير جدّا بين أيدينا، فهو دستور حياة شامل لكلّ شيء. لكنّ قراءة القرآن وحدها ليست كافية، إذ ينبغي فهم ما فيه وتدبّره واستخراج العبر والحلول منه. ولهذا من المهمّ أن يولي الباحثون اهتماما أكبر بقصص الأنبياء، ليس من ناحية سرد هذه القصص فقط، فقد تمّ بالفعل تغطية هذا الجانب بالكثير من الكتب المفيدة، بل يجب أن يتمّ الاهتمام باستخراج نظام إصلاحي للمجتمع من خلال هذه القصص. فلم يكن القرآن ليمنح قصص الأنبياء كلّ تلك المساحة لولا أنّ لها أهمّية بالغة. فحياة الشعوب السّابقة ليست إلّا مثالا متكرّرا في كلّ زمان ومكان. ويمكننا من خلال فهم الخلل الّذي وقع مع تلك الشعوب وفهم أسبابه وحلوله أن نحلّ مشكلات الزمن الحالي معتمدين على الإشارات الّتي وضعها الله في القرآن خلال سرد تلك القصص.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا