ثانوية-الأشباح-الفصل-5

ثانوية الأشباح – الفصل الخامس: القاتل

لقراءة الفصل الرابع: ثانوية الأشباح – الفصل الرابع: سرّ الغرفة

في تلك اللّحظة استغربتُ شجاعتي. وبمجرّد أن أنهيتُ عبارتي، ابتسم نجم وقال بلهجة تنمّ عن ثقة “لم يسبق أن تعرّضتُ لتهديد كهذا!”

لوهلة ظننتُه سيقول ‘لم يسبق أن تعرّضتُ لتهديد من فتاة’ وطبعا لو قالها لكنتُ نفّذتُ تهديدي مباشرة!

لم أقل شيئا، لكنّني مع ذلك لم أظهر أيّ خوف، عندها حوّل نظره عنّي وقال بهدوء “أعتذر عن تصرّفاتي السّابقة”

لقطة نادرة أن يعتذر إليّ شبح! لا لأكون صادقة مع نفسي، عليّ أن أقول بأنّها لقطة نادرة أن يعتذر إليّ هذا الفتى!

عاد بعدها لينظر إليّ بنظرات أقلّ حدّة ثمّ قال “كيف تعرفين من أكون؟”

-” لأنّني زرتُ منزلك”

صار لساني أكثر طلاقة في مخاطبته!

تحرّك هو بضع خطوات مبتعدا عنّي ثمّ التفت إليّ وقال “عليكِ أن تعلمي بأنّ الغرفة الّتي تجذبك إليها دائما تحوي خطرا كبيرا”

الغرفة الّتي تجذبني إليها دائما! أذكر بأنّ الفضول وحده ما دفعني إليها!

لم أستطع طرح أيّ سؤال، وكأنّني عدتُ لارتباكي فاقترب منّي بشكل لافت و قال “لا أفهمك، تبحثين عنّي، وحين أقف أمامك ترتعشين خوفا”

هذا أكثر ممّا أستطيع تحمّله، هذه ليست ثقة وحسب!

-“تعلمين بأنّني قاتل، وترينني أظهر وأختفي، وتأكّدتِ بأنّكِ الوحيدة الّتي تستطيع رؤيتي، هذه أسباب كافية لتجعلك تمتنعين عن دخول هذا المكان لا أن تسعي خلفي”

الآن عليّ أن أقول شيئا، أرجو أن أفلح في قول أيّ شيء!

-“هل أنت ميّت؟!”

وقع عليه سؤالي كالصّاعقة!

أنا لا يهمّني لم أنا منجذبة إلى تلك الغرفة، أو إليه. إنّما يهمّني بأنّ هناك سببا ما جعلني ألتقيه!

فجأة رأيتُه حرّك يده وقرّبها منّي إلى أن أمسك بيدي، وقبل أن أبتلع تلك المفاجأة وجدتُ بأنّ المكان حولي قد تغيّر ليصير مضيئا ومليئا بما يشبه الضّباب.

كان نجم لا يزال واقفا بجانبي ممسكا بيدي، وحين التفتُّ إليه قال وهو ينظر أمامه “هذا ما حدث قبل عشر سنوات”

حوّلتُ نظري إلى حيث ينظر، فبدأت تظهر لي بعض الصّور وسط الضّباب. حين ركّزتُ عليها صارت واضحة أكثر، كانت تلك إعادة لمشهد قتل نجم للأساتذة!

يبدو شرسا، بسكّين واحدة قام بتمزيقهم واحدا بعد الآخر، الدّم ملأ المكان وغطّى وجه نجم وملابسه.

لم أعد قادرة على مشاهدة المزيد!

شعرتُ بالغثيان ثمّ أغمضتُ عينيّ وأنا أشعر بأنّ الدّموع قد تجمّعت فيهما!

فجأة ترك نجم يدي ففتحتُ عينيّ لأجد بأنّنا عدنا إلى القسم.

التفتُّ إليه ودموعي قد بدأت تنساب على خديّ، فوجدتُه ينظر إليّ بنطرات لم أفهم فحواها.

حاول أن يقترب منّي فشعرتُ برعشة غريبة سرت في جسدي ثمّ تراجعتُ إلى الخلف، عندها اختفى هو دون أن ينطق بكلمة.

في هذه المرّة أشعر بالسّعادة لأنّه اختفى!

مسحتُ دموعي ثمّ ركضتُ مسرعة لأخرج من الثانوية!

حين وصلتُ إلى المنزل، دخلتُ غرفتي مباشرة وعدتُ للبكاء ثانية، لا أفهم حتّى لمَ أبكي!

اقتربتُ من المرآة بعد أن مسحتُ دموعي، ثمّ بدأتُ باسترجاع ما حدث معي!

ما هدفه من جعلي أراه وهو يقتل؟ هناك احتمالان: إمّا أنّه يريدني أن أبتعد عنه، أو أنّه أراد لفت انتباهي لأمر ما. المشكلة أنّني لم أستطع التّركيز على ما رأيتُه، لأنّه كان مشهدا فظيعا! لا يمكن أن يُقارن بكلّ أفلام الدّم الّتي شاهدتُها في حياتي. لكنّ الأمرّ في ذاك كلّه هو أنّ نجم من كان يقتل!لا أستطيع أن أصدّق بأنّه قاتل، في عينيه بريق يخبرني بأنّه يستحيل أن يفعل ذلك!

في ذاك المساء جلستُ مع والدي وهو يشاهد الأخبار على شاشة التّلفاز، من النّادر أن أجلس معه!

تردّدتُ قليلا ثمّ قلت “أبي، لديّ سؤال يحيّرني”

لم يخفّف هو عن انشغاله بما يشاهد، لكنّه مع ذلك ردّ عليّ قائلا “أيّ سؤال؟”

في تلك اللّحظة عدّلتُ من جلستي ثمّ ابتلعتُ ريقي وقلت “هل كنتَ تعرف نجم فاضل؟”

إلتفتّ إليّ والدي وقد كانت نظراته كافية لي لأفهم أنّه منزعج.

– “لمَ تسألين عن هذا الآن؟”

يا إلهي، وكأنّني تجاوزتُ الخطّ الأحمر!

-“أريد أن أعرف فقط، هل كان شخصا طبيعيا؟ هل كانت هناك بوادر تدلّ على أنّه قد يرتكب جريمة قتل؟”

أطرق والدي مع نفسه للحظات، ثمّ أخفض قليلا من صوت التّلفاز وقال “أتذكرين أوّل يوم لكِ في المدرسة الإبتدائية؟ عندما جاءني اتّصال عاجل ونحن عند باب المنزل”

-“أجل أذكر هذا”

-“في ذاك الوقت احترتُ فيما عليّ فعله، إذ كان يجب أن أوصلك إلى المدرسة. عندها مرّ شابّ وألقى عليّ التحيّة ثمّ سخر من التصاقك بي”

– ” آه اجل، وطلبتَ منه أن يوصلني، رغم أنّني لم أكن سعيدة بذلك”

-” تماما، كان ذاك نجم فاضل!”

-” كا…كان…كان يرافقني يوميا إلى المدرسة…ذاك الشابّ…كان…نجم نفسه!”

و كأنّني أتعلّم الهجاء! أشعر بأنّني نسيتُ كيفية النّطق.

كنتُ أتحدّث إليه كثيرا، وأذكر بأنّه كان يقابلني كلّ صباح ويقدّم إليّ السّكاكر.

أيُعقل أنّني كنتُ أتعامل مع نجم نفسه!

قاطع أبي دوّامة أفكاري بأن قال “نجم كان فتى مهذّبا يحبّه كلّ من يعرفه، كان نجما بمعنى الكلمة في بلدتنا”

-“إذن؟ ما الّذي غيّره؟”

-“هو لم يتغيّر، ما أعرفه بأنّه قد قتل وحسب”

ما هذه الإجابة؟! قتل وحسب! هل يسخر منّي!!

-“لكن لماذا فعل ذلك؟ وما الّذي حدث له؟”

حين طرحتُ آخر سؤال، عاد أبي ليرفع من صوت التّلفاز ثمّ قال “حتّى وسائل الإعلام لم تجد إجابة لهذا فكيف تريدين منّي أن أعرف؟!”

وكأنّه أنهى الحوار بالتّظاهر بأنّه مهتمّ بالمشاهدة. حتّى إنّ نشرة الأخبار قد انتهت، فهل هو مهتمّ بالإعلانات الآن؟!

نهضتُ من مكاني واتّجهتُ لغرفتي وأنا أعيد قراءة ما أخبرني به والدي!

كانت لي علاقة بنجم قبل أن يقتل بعام واحد تقريبا، والآن وبعد عشر سنوات التقيته ثانية. ما يحدث ليس مصادفة، واثقة بأنّ لقائي به يصبّ في هدف ما!

لقراءة الفصل السادس: ثانوية الأشباح – الفصل السادس: سرّ نجم



التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا